لو أن مراكز الأبحاث عندنا عكفت على دراسة الظواهر المهمة، السائدة، فى مسلسلاتنا الأخيرة، لخرجت بنتائج شديدة الثراء، وإذا كان دور الناقد يتمثل فى تقييم عناصر العمل الفنى، فإن مسئولية دراسة الدلالات النفسية والاجتماعية والسياسية تقع على عاتق المتخصصين فى هذه المجالات، خاصة عندما تتكرر «رؤية» معينة فى عدد لا يستهان به، فى أكثر المسلسلات نجاحا، ولعل أكثرها إلحاحا، شخصية «الطاغية» التى هيمنت، بجبروتها، سواء الناعم أو الخشن، على «الرحايا» و«أفراح إبليس» و«الباطنية» و«المصراوية» و«حدف بحر» و«ابن الأرندلى». وهذا على سبيل الأمثلة وليس الحصر. الطاغية، جوهريا، هو صاحب الإرادة المطلقة التى تلغى إرادة الآخرين، يمسك بيديه على المال والسلطة، لا حق لأحد فى مشاركته، سواء على مستوى الثروة أو السلطة، على الجميع الإيمان بأفكاره وتلبية رغباته والإذعان لأوامره والاستجابة لعواطفه، وإلا سيفتك بمن يتمرد أو يحاول الخروج من «الحظيرة» هنا، ممكن نفتح قوسا لنقرأ فيه «أن نجومنا أدوا أدوار الطغاة بمهارة ومزاج يصل لحد الاستمتاع». نور الشريف، فى «الرحايا»، مالك الحجر، صاحب السطوة التى لا يحدها حدود، حلا له أن يتصرف كما فعل «لير» عند شكسبير، وزَّع أجزاء من مملكته على أولاده، ولأن «لير» كان طيبا وأحمق فإنه تشرد وتعذب، بعد أن استقلت كل بنت بمملكتها. ولكن بطل «الرحايا»، بضربات قاسمة، بالتآمر والعنف، يسترد سلطانه، ويظل على العرش.. جمال سليمان، الموهوب المثقف، ابن الشقيقة سوريا، وجد ضالته فى طاغية «أفراح إبليس»، المهيمن تماما على الجميع، القاتل، الذى يريد إجبار عواطف الآخرين على السير حسب هواه.. صلاح السعدنى، قيصر تجارة المخدرات فى «الباطنية»، الحاج الطيب فى مظهره، الغول فى جوهره، ينضم لطغاة «الرحايا» و«أفراح إبليس»، ويلحق بهم رياض الخولى فى «علشان ماليش غيرك» وممدوح عبدالعليم فى «المصراوية». إذا تركنا الطغاة، بجلابيبهم، سنجدهم، بملابسهم العصرية فى «حدف بحر» حيث رجل الأعمال الذى يخفى أنيابه الدامية وراء ابتسامته، وأصابعه الملوثة بالدماء تحت قفاز من حرير. وها هو يحيى الفخرانى، فى «ابن الأرندلى»، ورث عن عمه الأنانى، الفظيع، تلك الشراهة للمال والسلطة، مع التشبث بالبقاء على قيد الحياة، ولكن بينما كان العم «يوسف داود» فظا، جاء ابن أخيه محتالا، نصابا، يخنق ضحاياه بحبل ناعم، لا يقيم وزنا لرعيته.. فماذا يعنى كل هؤلاء الطغاة؟