"التموين" تستلم 430671 طن قمح من المزارعين حتى الآن    أوكرانيا: تسجيل 79 اشتباكا قتاليا على الخطوط الأمامية للجبهة مع الجيش الروسي    أهداف مباراة الاتحاد والشباب اليوم في الدوري السعودي    محافظ القاهرة: حملة لرفع الإشغالات وإعادة الانضباط بشبرا    وزيرة التخطيط تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية    للمرة الثانية على التوالي، خالد عامر نقيبا لأطباء أسنان الشرقية    أخبار الاقتصاد: البورصة في فترة تصحيح وضريبة الأرباح الرأسمالية سبب تراجع المؤشرات، والأسهم الأوروبية تتلون بالأحمر في ختام حركة التداولات    ذوي الهمم والعمالة غير المنتظمة وحماية الأطفال، وزارة العمل تفتح الملفات الصعبة    بدرية طلبة تكشف سر حضور "حسن" صاحب واقعة عزاء شيرين سيف النصر لزفاف ابنتها    أخبار الفن اليوم: مي فاروق تحرر محضرا ضد طليقها.. ومها الصغير تعلق على أنباء طلاقها من أحمد السقا    الصحة تكشف خطة تطوير مستشفيات محافظة البحيرة    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    وزيرة التخطيط: الفجوة التمويلية في الدول النامية تصل إلى 56%    فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    اختفاء دول.. خبير أبراج يتوقع مرور العالم بأزمات خطيرة    سميرة أحمد: بحب منى زكي أوي .. وأنا ضد مصطلح السينما النظيفة    جماعة الحوثي تشن 5 هجمات ضد السفن في البحر الأحمر.. فيديو    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    أحمد فايق يقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة عبر «مصر تستطيع»: «نجتهد دون قلق»    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    صلاح ضمن التشكيل الأفضل للدوري الإنجليزي    طائرة الزمالك "سيدات" يفوز على أسيك ميموزا الإيفواري بنتيجة 3-0 في البطولة الإفريقية للأندية    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    حياتى أنت    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. مصر تجري اتصالات مع كل الأطراف لوقف الحرب في قطاع غزة    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    محافظ المنوفية: 25 فاعلية ثقافية وفنية خلال أبريل لتنمية المواهب الإبداعية    قائمة الزمالك المشاركة في بطولة إفريقيا للكرة الطائرة «سيدات»    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    45 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومازال الإصلاح مستمرا..
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 06 - 2018

خاضت مصر برامج إصلاح عديدة، وإن لم تستكمل أيا منها للنهاية، فحينما كانت تشعر بقدر من التحسن كانت تتوقف عن أخذ الدواء، وتعود ريما لعادتها القديمة. وكان واضحا وفى أغلب الحالات أن خوضنا برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولى لم يكن الهدف الأول منها هو الإصلاح الفعلى بقدر ما كان حقن الاقتصاد ببعض المسكنات المؤقتة، بما يسمح لمصر استعادة مصداقيتها دوليا وتمكينها من الاقتراض من جديد. فلم يكن لدى مصر سياسة اقتصادية واضحة وطويلة المدى منذ الخمسينيات، وكان الاقتصاد يستمد قوته دائما من سياسة مصر الخارجية ويلحق بركابها.
وتفوق الاقتصاد المصرى على غيره فى لعبة الاقتراض من الخارج ومارسها بحنكة وذكاء، وعرفت مصر كيف تستغل وضعها وزخمها السياسى فى تعظيم فرص الاقتراض من الخارج ومن ثم العيش فوق مستوى قدراتها الإنتاجية ودخلها الحقيقى. فما لبثت مصر عند رفض البنك الدولى فى أوائل الستينيات، وبإيعاز من الولايات المتحدة وبريطانيا إقراضنا لبناء السد العالى، ما لبثت أن تحولت السياسة المصرية إلى المعسكر الشرقى للحصول على مبتغاها من الاتحاد السوفيتى بسهولة ويسر. ومنذ الستينيات تكفلت الحكومة بالإنفاق على الاقتصاد الوطنى على الرغم من قلة ما كان يدخل خزائنها من موارد وعوائد.
ولغرض فى نفس يعقوب وهو البقاء، فأدخلت الحكومات الواحدة تلو الأخرى سياسات التعليم المجانى فى جميع مراحله، وذلك دون تخطيط لاحتياجاتها الحقيقية وتوفير الموارد الإضافية اللازمة للنهوض بهذا القطاع الحيوى، وأنشأت شركات القطاع العام التى تعهدت مع الحكومة بتوظيف جميع الخريجين دون الاهتمام بتنمية القدرات الإنتاجية لعامليها أو تدريبهم فى تخصصات محددة، وعاشت النظم المصرية فى قوقعة الدعم ضمانا لاستبقائها ورهنا للحصول على التأييد المطلق للشعب.
***
وتراكمت الديون على مصر بدءًا من الستينيات بالإضافة إلى استنزاف الحروب، التى خاضتها مصر واحدة تلو الأخرى، لمواردها المالية والبشرية، سواء كانت حروبها ضد إسرائيل، بما فى ذلك حرب الاستنزاف، أو حربها فى اليمن التى دامت ما يقرب من خمس سنوات، أو دعمها لحركات التحرير فى إفريقيا ومساهمتها الضخمة فى حرب الجزائر، كل ذلك أثقل على الاقتصاد المصرى واستنفد موارده وأنهك شعبها.
وكانت محاولة الإصلاح الأولى فى عهد الرئيس السادات فى السبعينيات. غير أن مظاهرات عام 1977، التى قامت ولم تقعد إلاّ بعد تراجع السادات عن إزالة الدعم عن رغيف العيش، أوقفت هذه المحاولة دون رجعة. وما زال صدى هذه المظاهرات يدوى فى آذاننا ويجعل حكوماتنا تفكر مليا فى المدى الذى قد تذهب إليه فى الإصلاح وتشعر بالقلق أمام أقل علامات عدم الرضا. فكثيرا ما أحجم الوزراء عن اتخاذ إجراءات الإصلاح خوفا من فقدانهم لمناصبهم. ورفض هؤلاء من أن يروا الحقيقة وهى أن إرجاء الإصلاح لا يرضى سوى جماعات الضغط المستفيدة على حساب الشعب، وتُعرف هذه الجماعات بالرأسمالية المحسوبية والتى تستغل ضعف الحكومات والوزراء فى مختلف الدول لصالحها ولاستمرار الوضع على ما هو عليه. فإن استمرار بقاء معدلات الدعم على البنزين والكهرباء بشكل عام ولسنوات طويلة شاملا جميع الطبقات، كان يعود بالنفع الأكبر على طبقات الشعب التى كانت تستخدم السيارات الفارهة وتعمل على تشغيل أجهزة التكييف ليلا ونهارا، بل أكثر من ذلك، فإن تحمل عبء الدعم كانت تتحمله الطبقات الوسطى التى تقوم بدفع ضرائب الدخل عند المنبع فى ظل نظام ضرائبى غير متوازن ويصعب تحصيله.
وتراكمت مرة أخرى الديون وكانت مصر على وشك إشهار إفلاسها فى أواخر الثمانينيات لولا اليد الإلهية التى جاءت مرة أخرى لمساعدتها. وساهم موقف مصر المبدئى فى حرب الخليج الأولى إلى إلغاء معظم ديونها إلى دول الخليج وإعادة جدولة ديونها إلى الدول الغربية المانحة فى نادى باريس على أسس ميسرة ومميزة. ووقفت الولايات المتحدة إلى جانب مصر فى مفاوضاتها الثانية مع الصندوق فى أوائل التسعينيات. وشهدت مصر فى التسعينيات مرحلة رخاء نسبى نتيجة لتدفق المساعدات وارتفاع عوائد العاملين فى الخليج وارتفاع سعر البترول وزيادة عوائد السياحة إلى جانب تسابق الدول الغربية فى تقديم المساعدات الخارجية لمصر لوزنها السياسى وكلمتها المسموعة فى المنطقة. وما كان على مصر سوى الاستفادة من هذه الحقبة لإصلاح اقتصادها والارتقاء بمستوى إنتاجية العامل وتحسين مستوى التعليم وتنمية الموارد البشرية لديها. غير أن شيئا من هذا لم يحدث. وفشلت الحكومات واحدة تلو الأخرى فى تحمل المسئولية والمغامرة فى الإصلاح خشية من فقدان وضعها وما كانت تتمتع به من مميزات.
واستمرت الأمور مفككة والسياسات فضفاضة وتزايدت معدلات الاستهلاك دون حساب وتعاظم نفوذ الرأسمالية المحسوبية وتفشى الفساد وانخفاض معدلات الادخار والاستثمارات الوطنية وتوارت أهداف النهوض بالصناعة والتعليم والصحة إلى مراكز ثانوية.
***
بيد أن برنامج الإصلاح الذى تخوضه مصر فى الوقت الحالى يختلف كل الاختلاف عن سابقيه. فإن الإصلاح مستمر على الرغم من ثقل وطأته على طبقات الشعب. وعلى عكس برامج الإصلاح السابقة، فإن هذا البرنامج لم يكتف بالعلاج الوقتى والعمل على استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى لفترة محدودة من خلال خفض وقتى لقيمة العملة وإدخال بعض التعديلات التجميلية لخفض العجز وخفض التضخم، ولكنه سعى إلى اقتلاع الأخطاء التى استمر الاقتصاد المصرى عليها من جذورها. فلم يكتف بخفض سعر الصرف إنما قام بتحريره تماما وهى خطوة طالما تم إرجاؤها لسنوات طويلة خشية من تداعياتها التضخمية. ومن الواضح أن الإصلاح الحالى، الذى نتفق جميعنا على أنه جاء متأخرا، لن يتوقف عند حد استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى، ولكننا نمضى اليوم وبخطوات ثابتة إلى المرحلة الثانية من الإصلاح والتى تتمثل فى إصلاح المؤسسات وتشمل إعادة هيكلة نظام التعليم ورفض استمرار الفساد ومكافحته فى جميع أشكاله وإزالة الدعم ووصوله إلى مستحقيه وزيادة الإنتاجية وتنمية وتدريب الموارد البشرية بما يتسق وحاجاتنا.
فبدون أن يصبح اقتصادنا منتجا ومنافسا لن يصمد كثيرا أمام التحديات الداخلية والإقليمية والدولية المتفاقمة. وإن كان يصعب التحكم فى التحديات الإقليمية والدولية إلاّ من خلال زيادة إنتاجية منتجاتنا وتنافسيتها، فإنه يتعين علينا لا مناص مواجهة التحدى الداخلى الأكبر وهو الزيادة السكانية، التى تتزايد بأعلى المعدلات العالمية.
كما أنه يتعين علينا بناء مشاركة متوازنة وعادلة ومنتجة بين القطاع الخاص والحكومة لبناء مستقبل دولتنا وشعبنا. فلا الحكومة قادرة على تحمل الأعباء الكلية وحدها، ولا يُسمح للقطاع الخاص الاكتفاء بتحقيق الأرباح السريعة دون العطاء السخى للبناء. فلا بديل لزيادة إنتاجية الاقتصاد الوطنى وقدرته الذاتية على الادخار وقدرته على زيادة الاستثمارات الوطنية. وهنا نعول الكثير على القطاع الخاص الوطنى، فإن عودته من جديد وبقوة لزيادة الاستثمارات الوطنية سوف يشجع تدفق الاستثمارات الأجنبية وزيادة ثقتها فى اقتصادنا ومشروعاتنا، فعلى القطاع الخاص البدء فى الاستثمار فى الصناعة والبناء والعمل على الارتقاء فنيا بإنتاجية العامل المصرى ومستوى العمالة المصرية. وفى المقابل، تحدد الحكومة دورها فى الحكم الرشيد وتوفير شبكة الحماية الاجتماعية وسن القوانين وإنفاذها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.