-إيران استضعفت العالم العربى وتحاول اختراقه باللعب بالورقة المذهبية البغيضة -طهران أخطأت بعدم التعامل بجدية مع الشعور الخليجى بالتهديد من جانبها دون طمأنة هذه الدول الشقيقة -السياسة التركية إزاء العرب مضطربة وأنقرة أخطأت بتحالفها مع قوى تعمل على تكريس عدم الاستقرار فى أكثر من بلد عربى -العراق يعود حثيثًا إلى الإطار العربى رغم أن الهدف الأساسى منذ عام 2003 هو إخراجه من البوتقة العربية -الأفضل فى سوريا هو إعمال نظرية «لا غالب ولا مغلوب» التى تمثل جزءًا من «الحكمة اللبنانية» -يجب أن نضرب تعظيم سلام للسادات لإنقاذه سيناء من مصير الجولان التى توجد مطالبات بضمها لإسرائيل أكد السيد عمرو موسى، الدبلوماسى والسياسى المرموق، أن إيران تعبث فى الأمن القومى العربى منذ عدة سنوات، وأن أداتها الرئيسية فى اختراق عدد من البلدان العربية كانت اللعب بقسوة بالورقة المذهبية البغيضة، مشددا على أن طهران ارتكبت جملة من الأخطاء فى مقاربتها للعالم العربى، كان أهمهما عدم التعامل بجدية مع شعور دول الخليج العربى بالتهديد من جانبها دون طمأنة هذه الدول الشقيقة. وأضاف الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية فى الحلقة الأخيرة من حواره مع الشروق أن مخاوف الإخوة فى الخليج من محاولات التوسع الإيرانية لها ما يبررها، خاصة بعد السلوك الإيرانى الواضح فى سوريا واليمن العراق؛ ولذلك أتفهم منطق «عاصفة الحزم». مطالبا فى الوقت نفسه العرب بوقفة جادة إزاء إيران، عبر حوار مباشر وصريح معها، يتناول كل المشكلات الإقليمية التى تتصادم مواقفنا فيها وعلى ضوء هذا الحوار ونتائجه يتم اتخاذ سياسة عربية موحدة تجاهها، تحمى المصالح العربية، أما ترك الأمر فى يد قوى غير عربية إقليمية أو عالمية، فسوف تنزوى المصالح العربية تجاه مصالح هذه القوى. وفيما يخص الساسية التركية إزاء العالم العربى رأى موسى أنها «سياسة مضطربة، فمن القول الشهير أن تركيا ستعمل على أن يكون لديها Zero (صفر) مشاكل مع جيرانها، إلى وصولها مائة فى المائة مشاكل، ومن صداقة رحب بها العالم العربى إلى قطيعة وحروب وقواعد عسكرية، إلى غموض فى الموقف التركى من القضية الفلسطينية». اقرأ أيضًا -في حوار مع «الشروق».. عمرو موسى يقدم رؤية تحليلية للمتغيرات السياسية المتلاحقة بالشرق الأوسط - «1» -في حوار مع «الشروق».. عمرو موسى يقدم رؤية تحليلية للمتغيرات السياسية المتلاحقة بالشرق الأوسط - «2» -وفيما يلى نص الحوار الآن جاء دور الحديث عن العلاقات العربية الإيرانية.. كيف تنظر للأطماع الإيرانيىة فى العالم العربى؟ فيما يخص الموضوع الإيرانى كان لى رأى فيه منذ أن كنت وزيرا للخارجية (1991 2001)؛ مؤداه أنه قبل أن نقرر فى شكل العلاقة مع إيران عداوة أم صداقة يجب أن نفهمها، وكى نفهمها لابد من النفاذ إلى أعصاب مجتمعها، لا الاقتصار على التعامل الرسمى معها، وفى هذا الصدد، وبينما كنت أوشك على إكمال عامى الأول على رأس الدبلوماسية المصرية، التقيت وزير الخارجية الإيرانى آنذاك، على أكبر ولاياتى، على هامش مؤتمر لحركة عدم الانحياز فى جاكرتا فى مايو سنة 1992م، فى إحدى المناسبات الاجتماعية التى تقام خلال هذه القمم. تحدثنا قليلا عن بعض موضوعات القمة، ثم اتفقنا على أن الأمور التى تهم البلدين تقتضى لقاء ثنائيا فيما بيننا. كان الذى يحير ولاياتى هو المكان الذى يمكن أن نجلس فيه معا، باعتبار أنه لا علاقات دبلوماسية بين بلدينا. قلت له: انظر إلى هذه الكافيتريا الموجودة فى آخر «اللوبى»، نظر إليها. قلت: فى الصباح سنجلس للتباحث فى هذا المكان.. فى العلن. لا يوجد ما يدعونا لأن نجرى مباحثاتنا فى الخفاء!. عقدنا المباحثات فى المكان الذى اتفقنا عليه، وأمام الجميع. الإخوة السوريون كانوا الأكثر اندهاشا من هذا التطور الفجائى، ربما كانوا يحجزون لأنفسهم وساطة بيننا وبين إيران، ولكنهم فوجئوا بى أختصر هذا الأمر. اتفقت مع ولاياتى على التحضير لتفعيل دور بعثتى رعاية المصالح فى البلدين وربما رفع درجة رئيسها إلى مرتبة أعلى، مع التقليل من الاعتماد على الرعاية السويسرية للمصالح المصرية فى طهران وكذلك لبعثتهم فى القاهرة، وفتح الأبواب للحديث المباشر، بدون وساطة. فور عودتى إلى القاهرة، قدمت تقريرا وافيا عن مباحثاتى مع الوزير الإيرانى للرئيس مبارك. قلت له بشكل مباشر: إنه آن الأوان لبحث العلاقات مع طهران، فعارض الأمر بشدة.. قلت له: أنا أقول: «نبحث»، والبحث سيتضمن وجهات النظر المؤيدة والمعارضة للمعنيين فى أجهزة الدولة المصرية، لكنه أبدى معارضة واضحة للأمر. كان قرار الرئيس برفض فتح ملف إعادة النظر فى العلاقات مع إيران يستند إلى حرص شديد على العلاقات المصرية مع دول الخليج العربى؛ ذلك أنها تعتبر أى تقارب مصرى إيرانى تهديدا مباشرا لمصالحها، على الرغم من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية التى تربطها مع طهران. بجانب ذلك ربما كان الرئيس يضع فى حساباته ردة فعل الولاياتالمتحدة وإسرائيل من أى اقتراب من طهران.. كان للرئيس وجهة نظره والتى بالطبع سادت. ما أؤمن به هو أن إيران دولة مهمة فى الشرق الأوسط.. وللأسف فإن هذه الدولة تعبث فى الأمن القومى العربى منذ عدة سنوات، بل إن أحد مسئوليها صرح بأن إيران تسيطر على القرار فى أربع عواصم عربية (دمشق، بيروت، بغداد، صنعاء) وهو قول أثار الكثير من الاستياء والتحسب العربى. وطالبت وأطالب بوقفة عربية جادة إزاء ذلك، عبر حوار مباشر وصريح معها، يتناول كل المشكلات الإقليمية التى تتصادم مواقفنا فيها وعلى ضوء هذا الحوار ونتائجه يتم اتخاذ سياسة عربية موحدة تجاهها، تحمى المصالح العربية، أما ترك الأمر فى يد قوى غير عربية إقليمية أو عالمية، فسوف تنزوى المصالح العربية لصالح مصالح هذه القوى. أعلم أن الوقت ربما يكون غير مناسب حاليا للحوار العربى مع إيران، لكن يجب أن يبقى ذلك هدفا نعمل على تحقيقه. برأيك.. ما هى أهم الأخطاء الذى وقعت فيها إيران فيما يخص علاقتها بالعالم العربى؟ أهم خطأ هو استضعاف العالم العربى؛ ومحاولة اختراق مجتمعاته عبر استغلال واستثمار الخلاف التاريخى السنى/ الشيعى الذى كان قد دفن منذ أكثر من 1000 عام، وكان الاختلاط والتزواج بين الشيعة والسنة قد نما وبدا أنه فى طريقه للتجذر، وصارت العائلات الواحدة تضم السنى والشيعى، لكن مصالح خارجية وإقليمية أجهزت على كل ذلك، حكام إيران أجهزوا على كل ذلك عبر النفخ فى نيران الطائفية البغيضة واستثمارها. يضاف إلى جملة أخطأء طهران عدم التعامل بجدية مع الشعور الخليجى بالتهديد من جانبها دون طمأنة هذه الدول الشقيقة (البحرين مثالا). كما رفضت أى حل أو نقاش فيما يخص الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى). والخطأ الإيرانى الأكبر كان فى العراق بعد الغزو الأمريكى له فى سنة 2003؛ بتعظيم الكارت الطائفى واستخدامه بقسوة شديدة، ودعم الميليشيات المتطرفة. وأيضا من الأخطاء الإيرانية مطامعها الواضحة فى البحرين، التى لها موقع خاص فى العالم العربى؛ لأن هذه المملكة حصلت على استقلالها بعد هزيمة يونيو 1967، وكان العرب مهزومين، لكن الشعب البحرينى اختار فى استفتاء أن تكون هوية دولته عربية. هذا قرار شعبى ديموقراطى يتعين احترامه ويتعين علينا نحن العرب دعمه والدفاع عن سيادة هذه الدولة الفتية. وفى سياق التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية للدول العربية أشير مرة أخرى بكل أسف إلى تصريح أحد قادتها بفخر شديد أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، وهو كلام مرفوض لا يفيد إلا فى توسيع الهوة بين إيران والعالم العربى، كما أنه يعبر عن سياسة لابد من إعادة النظر فيها. لكننى أقول إن هذا التمدد الإيرانى فى الجسد العربى جاء نتيجة تراجع دور مصر فى المنطقة، والذى بدأ السنوات العشر الأولى من القرن الحالى، أنا أؤمن بأنه لو كانت بقيت مصر على مسرح الشرق الأوسط ما كان لإيران أو غيرها أن تنجح فى اختراق الأمن العربى بهذا الشكل. بشكل عام أرى أن مخاوف الإخوة فى الخليج من محاولات التوسع الإيرانية لها ما يبررها، خاصة بعد السلوك الإيرانى الواضح فى سوريا واليمن العراق؛ ولذلك أتفهم منطق «عاصفة الحزم». الدول الخليجية شعرت بأن إيران بالفعل تحاصرها بوضعها المميز فى العراق، وتهديدها المباشر فى البحرين، ووجودها فى سوريا، ونفوذها الواسع فى لبنان، وبالتالى كان لابد من العمل على كبح محاولة حصار الجزيرة العربية من جبهة اليمن. الإيرانيون أخطَئُوا عندما استضعفوا العرب، وهذا خطأ استراتيجى وتاريخى كبير جدا، عبر محاولة السيطرة على مناطق رخوة فى العالم العربى، ثم بالإعلان عن السيطرة الفعلية «إننا قد سيطرنا بالفعل على أربع عواصم عربية»، وهذا أمر لا يمكن أن يكون، وكأن التاريخ قد توقف، وهو لا يتوقف أبدا. المحطة الحالية ربما تكون إيرانية ولكن ماذا عن المحطات المقبلة. بعد كل هذه الأخطاء الإيرانية.. هل ترى جدوى للحوار العربى مع طهران؟ وما هى محددات هذا الحوار؟ لابد أن يكون لدينا مواقف محددة نطرحها على الإيرانيين على طاولة الحوار حينما يحين الوقت واعتقد أنه لن يكون بعيدا.. انظر إلى تسارع الأحداث فى المنطقة، ودراسة خطوات بناء الثقة المطلوبة من إيران مثل التوقف الفورى عن دعم الحوثيين فى اليمن، والتوقف عن التدخل فى العراقولبنان وعدم الوقوف أمام حل فى سوريا يحفظ ترابها الوطنى وهويتها العربية، ولابد من أن تسحب طهران ما صدر على لسان مسئوليها من تصريحات متعلقة بالسيطرة على القرار فى أربع عواصم عربية، لأن ذلك لا يعبر إلا عن نوايا عدوانية تجاه العالم العربى. مثل هذه الإجراءات كفيلة بخلق جو جديد فى المنطقة يبعث على الثقة، من دون ذلك سيتصاعد التوتر. وزير الخارجية السعودى أعلن قبل أسابيع أنه إذا لم يتم وقف البرنامج النووى الإيرانى فسوف تعمل السعودية على إنتاج قنبلة نووية.. ما تعليقك على هذا التصريح؟ المقاربة الدولية لموضوع البرنامج النووى الإيرانى غير شاملة؛ لأن المطامع فى امتلاك سلاح نووى فى الشرق الأوسط ليست لدى إيران وحدها، بل إن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا بالفعل، وبالتالى يجب على الجهد العربى أن ينصب على العمل على منع الجميع من امتلاك سلاح نووى لأن الجميع يمثل لنا تهديدا من دون استثناء، وهنا يجب العمل بقوة على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، ووقتها سيمنع على الكل امتلاك هذا السلاح الفتاك، وإذا لم يحدث ذلك بدعم دولى فالخيارات تصبح مفتوحة أمام الدول العربية لتحقيق أمنها. ومن هنا يأتى المعنى الذى عبر عنه وزير خارجية السعودية، وهى رسالة استراتيجية واضحة وتوجيهها له مبرراته. اتصالا بالموضوع الإيرانى.. كيف ترى الوضع فى سوريا واحتمالات بقاء بشار الأسد؟ لا أعتقد أنه يمكن العودة فى سوريا إلى ما قبل 2011 وكأن شيئأ لم يكن، على الرغم من كل ما حدث من دمار وقتل وهجرة، لا يمكن أن نتصور عودة الجمهورية العربية السورية التى كانت. ولقد بدأ حديث جدى الآن ربما يكون دستورا جديد يعيد صياغة شكل الحكم، ويتحدثون عن انتهاء الفترة الصعبة من الحرب الأهلية، والتوجه نحو انتخابات فى إطار هذا الدستور الجديد الذى يجرى تشكيل لجنة صياغته حاليا. المهم هو الحفاظ على السيادة السورية على كامل الأراضى السورية وانسحاب القوات الأجنبية التى يشكل وجودها عمليا خرقا لهذه السيادة، كما أنه من المهم الحفاظ على عروبة سوريا وتمكينها من استتئاف دورها الجديد فى إطار الأسرة العربية. ولعل درس العراق يكون مفيدا هنا، فعلى الرغم من الهزة الكبرى التى حدثت للعراق فإنه يعود الآن حثيثا إلى الإطار العربى على الرغم من أن الهدف الأساسى منذ عام 2003 كان إخراج العراق من إطاره العربى. إن ديناميكيات جديدة قد ظهرت وسوف تؤدى إلى سوريا جديدة أو مختلفة. نعم ربما يكون الأفضل إعمال نظرية لا غالب ولا مغلوب التى تمثل جزءا من «الحكمة اللبنانية» ولابد من معادلة جديدة. هناك أصوات فى الكونجرس الأمريكى تدعو للاعتراف بالجولان السورية المحتلة باعتبارها أرضا إسرائيلية.. كيف تعلق على ذلك؟ الجولان أرض محتلة وضمها لإسرائيل ليس بالأمر البسيط كما يتصور البعض، لكن فى هذا الصدد أقول إنه كان من الخطأ الاستراتيجى البالغ الخطورة ترك الجولان تمارس عليه إسرائيل احتلالها هادئا مستقرا وفى هذا أقول يجب على كل مصرى أن يضرب تعظيم سلام للرئيس أنور السادات الذى أنقذ سيناء من مثل مصير الجولان، فلو أن سيناء أو أجزاء منها بقيت تحت الاحتلال الإسرائيلى ربما كنا سنسمع أصواتا ونشهد سياسات تعمل على تكريس ضمها لإسرائيل. ولكننى واثق بأن سوريا بجميع طوائفها وتياراتها بمن فيهم أركان من الحكم الحالى لن تقبل مطلقا بهذا المصير للجولان السورى. آن الأوان لموقف سورى على الرغم من كل ما هو جار يعلن رفض ذلك، بل ربما يشكل مثل هذا الموقف نافذة للعودة السورية النشاط الإقليمى والعربى. كيف ترى الدور الروسى فى الأزمة السورية.. وإلى أى مدى سيساهم فى الوصول لصيغة محددة فى المستقبل السورى تتفق ومصالح موسكو؟ هو دور كبير، ولكن حدوده تتقرر فى إطار التفاهم مع الولاياتالمتحدة، هذا التفاهم سوف يشمل كيفية التعامل مع القوى الأخرى النشطة فى سوريا أى إيرانوتركيا، وحدود أدوارهما بل ومدى وجودهما على الأرض السورية من عدمه. وكذلك فيما يتعلق بدول الجوار: العراق.. وهذا بعد له خصوصيته فى إطار مصير «الهلال الخصيب»، وإسرائيل والعرب. ** كيف تقيم السياسة التركية الحالية إزاء العالم العربى؟ أراها سياسة مضطربة، فبعد القول الشهير إن تركيا ستعمل على أن يكون لديها Zero مشاكل مع جيرانها، تجد أنها حصدت مائة فى المائة مشاكل. ومن صداقة رحب بها العالم العربى إلى قطيعة وحروب وقواعد عسكرية، إلى غموض فى الموقف التركى من القضية الفلسطينية. ولكن أخطر ما أصاب السياسة التركية فى المنطقة هو تحالفها مع قوى ثيولوجية تعمل على تكريس عدم الاستقرار فى أكثر من بلد عربى. تتحدث دوما عن حاجتنا لنظام عربى جديد.. ما هى ملامح هذا النظام كما تتصوره؟ نعم لدى تصور بشأن هذا النظام، وكنت قد بدأت بشرح ملامحه فى اجتماع القمة العربى الأخير قبل 25 يناير 2011 بالدعوة إلى تشكيل رابطة الجوار العربى أى البدء بالتعامل مع مجموعة من الدول التى تجاورنا ونتشارك فى المصالح وبصرف النظر عن كونها غير عربية وهذه قصة تطول، وطرح يحتاج إلى لقاء آخر.