أودعت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، حيثيات حكمها ببراءة ضابطي الأمن الوطني عمر حماد، ومحمد الأنوار محمدين، من اتهامهما بتعذيب المحامي كريم حمدي، بقسم شرطة المطرية ما أدى إلى وفاته في أبريل 2015. وذكرت المحكمة أنه لما كان الجزاء الجنائي هو أخطر الجزاءات جميعها، تصيب الناس في أرواحهم وأشخاصهم وأموالهم وكيانهم، فقد وجب الحرص الشديد والتحقق الكامل والوصول إلى اليقين القضائي الأكيد قبل إصدار الحكم بإدانة الإنسان. وأضافت الحيثيات، أنه يترتب على هذا الأصل أن يضع عبء الإثبات الاتهام الجنائي على عاتق سلطة الاتهام، فإذا لم يقم الدليل على ارتكاب المتهم الوقائع المادية الإجرامية، وكان ما قدمت سلطة الاتهام غير كافل، فإن المتهم لا يكفل تقديم دليل براءته، كما أنه من أصول المحاكمات الجنائية أيضًا أن الأحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال والفروض أو الاعتبارات المُجردة. وكانت المحكمة لما لها من دور إيجابي من تحقيق الدليل في الدعوى الجنائية، واتخاذ الإجراءات التي توصلها للحقيقة وصولا للاقتناع الذاتي في إطار من الشرعية القانونية، قد تداولت الدعوى الماثلة بجلسات عدة استدعت فيها شهود الإثبات الرئيسين وناقشتهم في مضمون شهادتهم وأتاحت ذلك للخصوم في الدعوى وصولا لليقين القضائي فإنها بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الإثبات التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازن بينها وبين أدلة النفي قد داخلها الشك والريبة في عناصر الإثبات وترجح عندها دفاع المتهمين. وأضافت المحكمة في حيثياتها، أنها ترى أن الواقعة صورة أخرى غير تلك التي حملتها عناصر الاتهام والتي كان عمادها دلائل وقرائن مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية وتقرير الصفة التشريحية وأيد ذلك أن شهادة شاهد الإثبات الرئيسي في الدعوى عبد الغني إبراهيم شعبان قد أصابها التناقض والتعارض وران عليها الوهن والتهافت. وأشارت إلى أنه خلت شهادته عند سؤاله لأول مرة بتحقيقات النيابة العامة مساء يوم الواقعة 24 فبراير 2015 من اتهام لأي من المتهمين الماثلين أو غيرهما بتعذيب المجني عليه أو التعدى عليه وأنه فقط لاحظ عليه علامات الإعياء الشديد عقب عودتهما من سراى نيابة المطرية بعد التحقيق معهما في الجناية رقم 3763 لسنة 2015 المطرية، وكذلك فجر اليوم التالي حال احتجازهما بوحدة مباحث قسم شرطة المطرية إلا أنه حال إعادة سؤاله بيوم 26 فيراير من ذات العام، قال فور عودته هو والمجني عليه في الثامنة ونصف مساء يوم 24 فبراير قام ضباط وحدة مباحث القسم بعصب أعينهم وتكبيل أيديهم بالأصفاد الحديدية وأخبرهما بأن ضباط الأمن الوطني سوف يحضرون لاستجوابهما وبعدها كان يساق على تبك الحالة هو والمجني عليه كلا على انفراد داخل إحدى الحجرات لاستجوابهما، وأثناء ذلك سمع أصوات كثيرة من أشخاص داخل تلك الحجرة لم يستطع أن يميزهم وأنه كان يتم التعدى عليهم بالضرب بالأيدي وحال وجوده خارج غرفة التحقيق سمع صوت المجني عليهم بداخلها يتأوه ويقول «اه اه خلاص هعترف ياباشا»، إلا أنه لم يشاهد به ثمة إصابات عقب ذلك وإن كان في حالة إعياء شديد وإحساس بالبرودة. وذكرت الحيثيات أن هذه الشهادة التي أدلى بها الشاهد على تلك الصورة واتخذت منها النيابة العامة القرينة الرئيسية على نسبة الاتهام للمتهمين الماثلين فضلا عن أنها لا تكفى بذاتها لحمل الاتهام فقد ران عليها التناقض والتهافت، حيث نفى الشاهد لدى سؤاله بجلسات المحاكمة عن أي من المتهمين قيامه بتعذيب المجني عليه أو التعدي عليه بالضرب، قائلا إن من قام بذلك هم ضباط مباحث قسم شرطة عين شمس والمطرية لحملهما على الاعتراف والإرشاد عن متهمين آخرين وذلك منذ لحظة القبض عليهما وحتى صباح يوم وفاة المجني عليه وأنه كان مدفوعًا بشهادته في تحقيقات النيابة العامة بالخوف من التهديد والوعيد ضباط مباحث القسم فإن في ذلك كله ما يلقى بظلالا كثيفة من الشك والريبة على تلك الشهادة لتناقضها على نحو يستعصي على المؤائمة والتوفير بين صورها المتناقضة ومن ثمه تستبعدها المحكمة ولا تعول عليها كدليل إثبات مُعتبر. وتابعت الحيثيات: «باقي شهود الإثبات الذين ورد ذكرهم بقائمة أدلة الثبوت لم يشهد أي منهم سواء بطريقة مباشرة أو بطريق الاستدلال بقيام المتهمين بالتعدي عليه وتعذيبه حال مناقشته فقد كان البعض منهم غير موجود على مسرح الحادث بينما شهد البعض الآخر أنه لم يشاهد ثمة إصابات ظاهرة بالمجني عليه سواء قبل حضور المتهمين بديوان القسم أو بعد انصرافهما منه عقب الانتهاء من مناقشة المجني عليه كما لم يتناهى إلى سمعهم أو بصرهم قيام المتهمين بتعذيب المجني عليه أو التعدي عليه بالضرب». وذكرت المحكمة أنه لا يفوتها أن تنوه إلى أنه وإن كان من الأصول المقررة أن الأحكام هي عنوان الحقيقة فإن جوهر الحقيقة لا علمه إلا الله وحده الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأن كلمة القضاة وحقيقة الأمر ليست تعبيرا عن كلمة الله وهم مطالبون عن تطبيق القوانين وكشف الحقيقة لا عن طريق وحي إلهى وإنما عن طريق العقل والمنطق الذي يتخذ من أوراق القضية المعروض عليهم. صدر الحُكم برئاسة المستشار سيد التوني، وعضوية المستشارين علي أحمد صقر وأيمن عبد الرازق، وأمانة سر ممدوح غريب.