أودعت الدائرة التاسعة بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة بأكاديمية الشرطة حيثيات حكمها الصادر ببراءة المتهمين بتعذيب المحامي كريم حمدي بقسم شرطة المطرية ما أدى إلى وفاته. قالت المحكمة في حيثياتها الصادرة برئاسة المستشار صلاح محجوب وعضوية المستشارين عادل أحمد عبد الهادي وعلي احمد صقر وسكرتارية أحمد الهادي وهشام حافظ أنه لما كان الجزاء الجنائي هو أخطر الجزاءات جميعها تصيب الناس في أرواحهم وأشخاصهم وأموالهم وكيانهم الأدبي ومن ثمة فقط وجب الحرص الشديد والتحقق الكامل والوصول الى اليقين القضائي الأكيد قبل إصدار الحكم بإدانة الإنسان ويترتب على هذا الأصل انه يضع عبأ الإثبات الاتهام الجنائي على عاتق سلطة الاتهام فاذا لم يقم الدليل على ارتكاب المتهم الوقائع المادية الإجرامية وكان ما قدمت سلطة الاتهام غير كافل فان المتهم لا يكفل تقديم دليل براءته كما أنه من أصول المحاكمات الجنائية أيضا أن الإحكام الجنائية تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال والفروض أو الاعتبارات المجردة. وكانت المحكمة لما لها من دور ايجابي من تحقيق الدليل في الدعوى الجنائية واتخاذ الإجراءات التي توصلها للحقيقة وصولاً للاقتناع الذاتي في إطار من الشرعية القانونية قد تداولت الدعوى الماثلة بجلسات عدة استدعت فيها شهود الإثبات الرئيسين وناقشتهم في مضمون شهادتهم وأتاحت ذلك للخصوم في الدعوى وصولا لليقين القضائي فإنها بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الإثبات التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازن بينها وبين أدلة النفى قد داخلها الشك والريبة في عناصر الاثبات وترجح عندها دفاع المتهمين وترى أن الواقعة صورة أخرى غير تلك التي حملتها عناصر الاتهام والتي كان عمادها دلائل وقرائن مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية ووتقرير الصفة التشريحية وايه ذلك أولا ان شهادة شاهد الاثبات الرئيسي في الدعوى عبد الغنى إبراهيم شعبان قد أصابها التناقض والتعارض وران عليها الوهن والتهافت اذ بينما خلت شهادته عند سؤاله لأول مرة بتحقيقات النيابة العامة مساء يوم الواقعة 24 فبراير 2015 من اتهام لاى من المتهمين الماثلين أو غيرهما بتعذيب المجنى عليه او التعدى عليه وانه فقط لاحظ عليه علامات الاعياء الشديد عقب عودتهما من سراى نيابة المطرية بعد التحقيق معهما في الجناية رقم 3763 لسنه 2015 المطرية وكذلك فجر اليوم التالى حال احتجازهما بوحد ة مباحث قسم شرطة المطرية الا انه حال إعادة سؤاله بيوم 26 فيراير من ذات العام قال فور عودته هو والمجنى عليه في الثامنة ونصف مساء يوم 24 فبراير قام ضباط وحدة مباحث القسم بعصب اعيناهم وتكبيل ايدهاما بالإصفاد الحديدية واخبرهما بان ضباط الامن الوطنى سوف يحضرون لاستجوابهما وبعدها كان يساق على تبك الحالة هو والمجنى عليه كلا على انفراد داخل احدى الحجرات لاستجوابهما واثناء ذلك سمع أصوات كثيرة من أشخاص داخل تلك الحجرة لم يسطع ان يميزهم وانه كان يتم التعدى عليهم بالضرب بالايدى وحال وجوده خارج غرفة التحقيق سمع صوت المجنى عليهم بداخلها يتأوه ويقول "اه اه خلاص هعترف ياباشا " الا انه لم يشاهد به ثمه إصابات عقب ذلك وان كان في حالة اعياء شديد واحساس بالبرودة وقال الحيثيات ان هذه الشهادة التي أدلى بها الشاهد على تلك الصورة واتخذت منها النيابة العامة القرينة الرئيسية على نسبة الاتهام للمتهمين الماثلين فضلا عن انها لا تكفى بذاتها لحمل الاتهام فقد ران عليها التناقض والتهافت حيث نفى الشاهد لدى سؤاله بجلسات المحاكمة عن اى من المتهمين قيامه بتعذيب المجنى عليه أو التعدى عليه بالضرب وقال ان من قام بذلك هم ضباط مباحث قسم شرطة عين شمس والمطرية لحملهما على الاعتراف والإرشاد عن متهمين اخرين وذلك منذ لحظة القبض عليهما وحتى صباح يوم وفاه المجنى عليه وانه كان مدفوعا بشهادته في تحقيقات النيابة العامة بالخوف من التهديد والوعيد ضباط مباحث القسم فان في ذلك كله ما يلقى بظلالا كثيفة من الشك والريبة على تلك الشهادة لتناقضها على نحو يستعصى على المؤائمة والتوفير بين صورها المتناقضة ومن ثمه تستبعدها المحكمة ولا تعول عليها كدليل اثبات معتبر ان باقى شهود الاثبات اللذين ورد ذكرهم بقائمة ادلة الثبوت لم يشهد اى منهم سواء بطريقة مباشرة او بطريق الاستدلال بقيام المتهمين بالتعدي عليه وتعذيبه حال مناقشته فقد كان البعض منهم غير موجود على مسرح الحادث بينما شهد البعض الأخر انه لم يشاهد ثمة إصابات ظاهرة بالمجني عليه سواء قبل حضور المتهمين بديوان القسم أو بعد انصرافهما منه عقب الانتهاء من مناقشة المجني عليه كما لم يتناهى الى سمعهم أو بصرهم قيام المتهمين بتعذيب المجني عليه او التعدي عليه بالضرب. لا يفوت المحكمة ان تنوه الى انه وان كان من الأصول المقررة ان الأحكام هي عنوان الحقيقة فان جوهر الحقيقة لا علمه إلا الله وحدة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وان كلمة القضاة وحقيقة الأمر ليست تعبيرا عن كلمة الله وهم مطالبون عن تطبيق القوانين وكشف الحقيقة لا عن طريق وحى الهي وإنما عن طريق العقل والمنطق الذي يتخذ من أوراق القضية المعروض عليهم