احتدم الصراع بين النقابات العمالية المستقلة والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، بشأن مشروع قانون التنظيمات النقابية المنظور حاليًا أمام البرلمان، في أعقاب زيارة وفد منظمة العمل الدولية للقاهرة للوقوف على مستجدات الوضع العمالي في مصر وإصدار مشروع القانون الذي ثار حوله كثير من اللغط وشكاوى المستقلين بداعي عدم دستوريته ومخالفته اتفاقيات العمل الدولية، فضلًا عن تأخر إصداره. والتقى وفد المنظمة خلال اليومين الماضيين، في لقائين منفصلين، ممثلين عن النقابات المستقلة والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، لاستيضاح موقفهم من مشروع القانون الذي أعدته الحكومة ممثلة في وزارة القوى العاملة، الأمر الذي بدا خلاله الرفض الشديد للمشروع من قِبل المستقلين، وفي مقابل دفاع مستميت من اتحاد عمال مصر وعرض لمزايا مشروع القانون وما يحققه من تناسق للاتفاقيات الدولية واحترام الحريات التي أقرها الدستور المصري. وقدّم ممثلي النقابات المستقلة خلال لقاء وفد المنظمة بمقر دار الخدمات النقابية والعمالية، عرضًا لملاحظاتهم على مشروع القانون، مؤكدين أن المقترح الحكومي جاء مخيبًا للآمال لكونه في مجمله يعد استنساخًا للقانون الحالي رقم 35 لسنة 1976، واحتفظ بنفس التبويب وتكرار كثير من مواده، فضلًا عن عدم الاستجابة لمتطلبات الواقع الحالي بكفالة حق الحرية النقابية وحق العمال في تكوين نقاباتهم دون قيود. وقال المنسق العام لدار الخدمات النقابية كمال عباس، إن قيادات النقابات المستقلة وفي حضور وزير القوى العاملة الأسبق الدكتور أحمد البرعي، عرضوا عددًا من الملاحظات على مشروع القانون وكانت المادة الثالثة من مواد الإصدار، أولى الملاحظات حيث تنطوي على التمييز وانعدام المساواة اللذين يقعان بها في حمأة عدم الدستورية حيث تقر بالشخصية الإعتبارية لنقابات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، فيما تحجبها عن المنظمات النقابية الأخرى المستقلة عن الاتحاد. وأضاف «عباس»، أن المادة الثانية التي تعدد وتحصر الفئات التي يسري عليها القانون، أسقطت بعض القطاعات مثل العاملين بالصيد، وأصحاب المعاشات الذين كانت نقابتهم ولم تزل من أكثر النقابات كفاءة وحيوية، مشيرًا إلى أن المادة 10 تعد استنساخًا معدلًا من المادة 7 سيئة الذكر في القانون رقم 35 لسنة 1976، حيث تتمسك بالبنيان الهرمي للنقابات وتفرض نموذجًا واحدًا للتنظيم النقابي وعدم الاعتراف بالاتحادات الإقليمية والقطاعية التي بادر العمال المصريين إلى تكوينها خلال الأعوام السابقة. وتابع: تعرضنا أيضًا للمادة 11 التي تحظر تكوين أكثر من لجنة نقابية للمنشأة مستخدمة عبارة مُبَطنة، والتي تشترط ألا يقل عدد أعضاء نقابة المنشأة وعدد العاملين في المنشأة عن عدد معين، حيث وافق مجلس النواب مبدئيًا على عدد 250 عاملًا فيما يفترض أن تُعاد المداولة في المادة بناءً على طلب الحكومة، مشيرًا إلى حظر تكوين أكثر من لجنة واشتراط مثل هذه الأعداد يفترق افتراقًا حادًا عن المعايير المستقر عليها، ويخالف اتفاقية العمل رقم 87 مخالفة صريحة. وأوضح أن المادة 12 تقيد تكوين النقابات العامة والاتحادات بشروط تعجيزية فيما يتعلق بأعداد العضوية، والمادة 41 تفتقد شروط التجرد والعمومية المفترضة في النص القانوني لما يبدو من أنها مفصلة لتحقيق مصالح أفراد بعينهم، ويقترح إلغاؤها حيث لا مبرر لوجودها مع تعديل نص المادة 42. وأردف بأن المادة 43 الخاصة بمدة الدورة النقابية، وقواعد وإجراءات الانتخابات النقابية والتي يفترض أنها شأن الجمعيات العمومية التي ينبغى أن تضع لوائحها دون تدخل، وتبدو القواعد والإجراءات المنصوص عليها استنساخًا للقانون رقم 35 لسنة 1976 فيما كان ينظمه من إجراءات انتخابات تناسب التنظيم الواحد الذي كان قائمًا في الإدارات الحكومية ووحدات القطاع العام. وأشار إلى أن النقابيون قدموا إلى وفد المنظمة ملفًا يتضمن الأوراق الصادرة عنهم في شأن القانون وعلى الأخص البيان الصادر بشأن الملاحظات المثارة في لجنة الاستماع بمجلس النواب، وملاحظات دار الخدمات النقابية والعمالية بشأن مشروع القانون، ومقترح بتعديل بعض مواد مشروع القانون المطروح الآن على مجلس النواب. وأكد تمسك المستقلين بضرورة التزام مشروع القانون بالدستور، وإعمال نص المادة 76 التي تكفل حق تكوين النقابات والاتحادات، والمادة 93 فيما تقضي به من احترام الحكومة المصرية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها ووفائها بالتزاماتها المترتبة عليها حيث ينبغي أن يلتزم المشرع المصري بناء على ذلك باتفاقية العمل رقم 87. على الجانب الآخر، التقى وفد المنظمة عدد من مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، بمقر الاتحاد، في اجتماع امتد لنحو ساعتين، وقدم الأمين للاتحاد ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب محمد وهب الله، شرحًا لفلسفة مشروع القانون وتأكيده على التزام مصر بالاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها، وتضمن ملاحظات منظمة العمل الدولية، واحترام ما نص عليه الدستور المصري من احترام للحريات. وقال «وهب الله»، إن مواد القانون متوافقة تمامًا مع الفلسفة التي وضعها اتحاد عمال مصر قبل مناقشة القانون، مضيفًا أن اتحاد العمال متحفظ على المادة 11 والتي نصت على أن يكون عدد عمال المنشأة لتأسيس لجنة نقابية 250 عاملًا واعتبر الاتحاد أن هذه المادة ستعيق عدد كبير من العاملين بالمنشآت الصغيرة من تأسيس لجانهم النقابية لذلك طالب بتعديل العدد ليكون 50 عاملاً على الأكثر. وأكد أعضاء مجلس إدارة اتحاد العمال لوفد المنظمة أن مشروع القانون يضمن عدة امتيازات بينها عدم تدخل الجهة الإدارية في العمل النقابي، وحظر التمويل الداخلي والخارجى للمنظمات النقابية لضمان استقلالية العمل النقابي، ورفض الخلط بين العمل السياسي الذي تقوم به بعض الأحزاب السياسية خاصة الدكتور أحمد البرعي وصاحب فكرة التعددية النقابية في مصر. وناشد الاتحاد، الرئيس عبدالفتاح السيسي والبرلمان سرعة إنهاء هذا الجدل وإقرار القانون للوفاء بالالتزامات مع منظمة العمل الدولية طبقا للبرنامج الزمني المحدد والذي اتفقت عليه أطراف العمل الثلاثة المصرية معهم من قبل.