عيد الأضحي| ترحيب خاص من السيسي لعلماء الأزهر أحمد عمر هاشم وعلي جمعة.. صور    سعر الدولار اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 بجميع البنوك اول ايام عيد الأضحي المبارك    حماس: مستعدون لمفاوضات جدية وهادفة لوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة    الشناوي: تاريخ الأهلي يمنحنا الدافع في مونديال الأندية    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص في البحر الأحمر    مصرع طالب بكلية الصيدلة في حادث سير أثناء توجهه لأداء صلاة العيد ببني سويف    الإسماعيلية.. رفع حالة الاستعداد القصوى في المستشفيات الجامعية خلال عيد الأضحى    سعر الذهب اليوم الجمعة 6-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن بعد ارتفاعه الكبير    أسعار اللحوم اليوم الجمعة اول ايام عيد الاضحى المبارك    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة اول ايام عيد الاضحى المبارك    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد المصطفى بشرم الشيخ    "واشنطن بوست": انهيار علاقة ترامب وماسك في البيت الأبيض    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن يكون هناك هدوء في بيروت ولا استقرار في لبنان وسنواصل العمل بقوة كبيرة    ماسك يفتح النار على الرئيس الأمريكي ويوافق على مقترح بعزله ومراهنات على «الفائز»    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير    عمر جابر: الزمالك كان يحتاج الفوز بكأس مصر.. وأثق في العودة للمنتخب    أهالي القليوبية يؤدون صلاة العيد بساحات وملاعب مراكز الشباب (صور)    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى داخل 3064 مسجدًا و100 ساحة في قنا    محافظ الدقهلية يشهد ذبح الأضاحي بمجزر طنامل لتوزيعها على الأولى بالرعاية    وسط أجواء احتفالية.. الآلاف يؤدون صلاة العيد في الإسكندرية    حريق هائل بمصنع سجاد في كفر الشيخ    المئات يؤدون صلاة عيد الأضحى بساحة ميدان الساعة في دمياط    وفاة الملحن الشاب محمد كرارة (موعد ومكان الجنازة)    محافظ شمال سيناء يؤدي صلاه العيد في مسجد الشباب بالشيخ زويد    محافظ الجيزة يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بساحة مسجد مصطفى محمود    آلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى في 214 ساحة بسوهاج (فيديو وصور)    محافظ القليوبية يوزع الورود على الزائرين بمنطقة الكورنيش ببنها    فرحة العيد تملأ مسجد عمرو بن العاص.. تكبيرات وبهجة فى قلب القاهرة التاريخية    بالصور.. آلاف المصلين يؤدون صلاة العيد في المنصورة    محافظ بورسعيد يتفقد مستشفى الحياة عقب صلاة العيد ويقدم التهنئة للمرضى والأطقم الطبية (صور )    فى أحضان الفراعنة ..آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد بساحة أبو الحجاج الأقصري    أوكرانيا تتعرض لهجوم بالصواريخ والمسيرات أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص    الرئيس السيسي يغادر مسجد مصر بالعاصمة بعد أداء صلاة عيد الأضحى المبارك    بعد صلاة العيد.. شاهد مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى من محيط مسجد مصطفى محمود    هبة مجدي: العيد يذكرني بفستان الطفولة.. وبتربى من أول وجديد مع أولادي    وعلى أزواج سيدنا محمد.. تكبيرات عيد الأضحى المبارك بمحافظة أسوان.. فيديو    تدخل عاجل بمجمع الإسماعيلية الطبي ينقذ شابة من الوفاة    «علي صوتك بالغنا».. مها الصغير تغني على الهواء (فيديو)    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    بينها «الفرجة والسرور».. هذا ما كان يفعله رسول الله في عيد الأضحى المبارك    «محور المقاومة».. صحيفة أمريكية تكشف تحركات إيران لاستعادة قوتها بمعاونة الصين    خاص| الدبيكي: مصر تدعم بيئة العمل الآمنة وتعزز حماية العاملين من المخاطر    عيدالاضحى 2025 الآن.. الموعد الرسمي لصلاة العيد الكبير في جميع المحافظات (الساعة كام)    «زي النهارده» في 6 يونيو 1983.. وفاة الفنان محمود المليجى    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    طرح البرومو الرسمي لفيلم the seven dogs    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    أحمد سمير: هدفنا كان التتويج بالكأس من اليوم الأول.. حققت كأس مصر كلاعب واليوم كمدرب    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    صبحي يكشف سبب حزنه وقت الخروج وحقيقة سوء علاقته مع عواد    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون والأمم المتحدة واليونسكو
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 10 - 2017

يحلّ بعد غد الثلاثاء العيد الثانى والسبعون لنشأة منظمة الأمم المتحدة. فى السادس والعشرين من يونيو سنة 1945 وقعت التسع وأربعون دولة التى حضرت مؤتمر الأمم المتحدة فى سان فرانسيسكو على ميثاق الأمم المتحدة، ودخل هذا الميثاق حيز النفاذ فى 24 أكتوبر من السنة نفسها بعد أن صدّقت عليه الدول الخمس التى خصّها الميثاق بالعضوية الدائمة فى مجلس الأمن وأغلبية الدول الموقعة عليه. مصر كانت من الدول الحاضرة والموقعة فى سان فرانسيسكو والمصدّقة على الميثاق، وهى بذلك من الدول المؤسسة للمنظمة الدولية المشاركة فى تحديد مقاصدها، كما ورد فى المادة الأولى من الميثاق، والمبادئ التى تستند إليها فى تحقيق هذه المقاصد والتى تنص عليها المادة الثانية منه.
وفى الرابع من نوفمبر القادم تحلّ الذكرى الحادية والسبعون لدخول الميثاق التأسيسى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حيز النفاذ وقيام المنظمة بمقتضى ذلك. الميثاق التأسيسى اتفاقية دولية منفصلة تماما عن ميثاق الأمم المتحدة، واليونسكو منظمة مستقلة استقلالا كاملا عن الأمم المتحدة، وهى من الوكالات المتخصصة مثلها مثل منظمة الأغذية والزراعة أو منظمة الصحة العالمية أو منظمة العمل الدولية، ولكل من هذه المنظمات أجهزتها الرئيسية والفرعية التى تحدد برامجها وتتابع تنفيذها، وتعتمد ميزانياتها، وتنتخب من يدير أمانة كل منها، وهى الأمانة المنتظر منها أن تنفذ البرامج التى تعتمدها الدول الأعضاء، وتسهر فى الوقت ذاته على تحقيق أهداف المنظمة وتحرص عليها. الوكالات مستقلة لا سلطان للأمم المتحدة ولا لأمينها العام عليها، غير أن الميثاق ينص فى مادته الثالثة والستين على أنه لهذه الوكالات أن تدخل فى اتفاقيات مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى، وهو من الأجهزة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، بغرض التنسيق بين الوكالة المتخصصة المعنية والأمم المتحدة، وهى المنظمة العامة الجامعة. منظمة الأمم المتحدة وما تنشئه من برامج وصناديق، مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والوكالات المتخصصة التى تبرم اتفاقيات تنسيقية مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى، تشكل كلها معا منظومة الأمم المتحدة.
هذه المنظومة تعرضت بعض مكوناتها بين حين وآخر فى السنوات الأخيرة للهجوم والتضييق فى مصر، وفى شهر سبتمبر الماضى رمى رامٍ من أعضاء مجلس النوّاب سهما أراده حادا على منظمة العمل الدولية، ووصل إلى القول بأنها «لا تلزمنا»، ثم ثارت فى الأسبوع الماضى حملةٌ لتشويه اليونسكو وازدرائها جعلت نائبا آخر من النواب المحترمين يقول إنه لا حاجة لنا بها بل إنه لا حاجة لوجودها أصلا. المناسبة فى هذا التصريح الأخير كان عدم انتخاب المجلس التنفيذى لليونسكو المرشحة المصرية، السفيرة مشيرة خطّاب، لمنصب المدير العام الجديد للوكالة الدولية.
ليس لائقا استعراض تعابير الهجوم على اليونسكو وعلى الدول المشكِّلة لها ولمجلسها التنفيذى، ومن بينها دول لمصر معها مصالح أكيدة، فضلا عن علاقات متعددة الجوانب، ولكن فلننظر إلى علاقة اليونسكو بمصر، من جانب، ثم إلى المكانة المتميزة التى شغلها المصريون فى منظومة الأمم المتحدة، من جانب آخر. بعد ذلك سنحاول تبين أسباب عدم انتخاب المرشحة المصرية للمنصب الدولى المرموق.
***
بشأن علاقة مصر باليونسكو يكفى تماما أن نذكِّر بأن هذه المنظمة هى من تولّت إنقاذ آثار النوبة، ومنها معبد أبو سمبل، فى عملية هندسية جبارة جمعت لها التمويل من مصادر ودول عدّة، وكان ذلك على عهد مديرها العام الفرنسى رينيه ماهو. إنقاذ آثار النوبة من أهم ما قامت به اليونسكو فى تاريخها، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والمستفيدة كانت مصر ومعها بالطبع الحضارة الإنسانية جمعاء. ليس متصورا أن يقال فى أى مكان فى العالم أنه لا ضرورة لليونسكو، ولكن الشيء المذهل هو أن يصدر هذا الكلام من مصر بالذات.
أما عن مواقع المصريين فى منظومة الأمم المتحدة، فقليلة هى الدول النامية، بل الدول قاطبة، التى شغل مواطنوها مواقع الصدارة التى شغلها المصريون. الدكتور بطرس غالى شغل أعلى المناصب وهو الأمين العام للأمم المتحدة لفترة خمس سنوات. والدكتور محمد البرادعى كان مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهى من الوكالات المتخصصة، لثلاث فترات بلغ مجموعها اثنتى عشرة سنة، فترة واحدة منها ضد رغبة الولايات المتحدة. الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن كان أول مدير تنفيذى لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، ولفترة سبع سنوات، عندما نشأت هذه المنظمة مع شقيقها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) فى الستينيات من القرن العشرين، بعد سنوات قليلة من موجة تصفية الاستعمار، تطبيقا للنظرية البنيوية فى التنمية الاقتصادية، لتشجيع التصنيع فى الدول المستقلة حديثا وإدخال تغييرات بنيوية على الاقتصاد العالمى. الدكتور مصطفى كمال طلبة كان المدير التنفيذى الثانى لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لمدة سبعة عشر عاما من السبعينيات وحتى بداية التسعينيات. وفيما تحت الأمانة العامة أو الإدارة العامة والتنفيذية، فى البنك الدولى، كان الدكتور إبراهيم شحاتة، ومن بعده صار الدكتور محمود محيى الدين، نائبا أول لرئيس البنك. فى محكمة العدل الدولية كان ثمة ثلاثة قضاة مصريين هم على التوالى الدكتور عبدالحميد بدوى والدكتور محمد عبدالله العريان والدكتور نبيل العربى. فى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة كان الدكتور جورج أبى صعب ومن بعده الدكتور فؤاد رياض ثم المستشار أمين المهدى قضاةً. وفى عضوية هيئة الاستئناف فى منظمة التجارة العالمية كان الدكتور سعيد النجار ومن بعده الدكتور جورج أبى صعب. كل هذه الأسماء والمناصب التى شغلتها كافية لتبيان أن مصر والمصريين مكرمون فى التنظيم الدولى.
***
المعايير التى يقاس عليها عند اختيار من هم دون الأمناء والمديرين العموم والقضاة هى معايير كفاءة واختصاص فى المقام الأول، فضلا عن تمثيل الأنظمة القانونية المختلفة فى حالة القضاة. أما الأمناء والمديرون العموم فالكفاءة والاختصاص لا بدّ أن يكونا موجودين كمعيارين ولكن تنافسهما، وقد تجبّهما، اعتبارات السياسة والوزن الدولى والاتساق مع معايير النظام المؤسسى الدولى ومقاصده. الدكتور بطرس غالى اختصاصه العلمى كان التنظيم الدولى، ولكن لا يفوتنا أنه انتخب لمنصبه الرفيع فى السنة التالية لاشتراك مصر فى حرب تحرير الكويت مع ما استتبعه ذلك من تقدير القوى الأعظم لدورها، حتى أنها أعفيت بهذه المناسبة من نصف المديونية المستحقة عليها. فضلا عن تجربته كمسئول عن السياسة الخارجية المصرية لفترة طويلة فى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، فإن الدكتور بطرس غالى هو الأستاذ الوحيد المتخصص فى التنظيم الدولى، الذى اختير على رأس أى جهاز تنفيذى لمنظمة من منظومة الأمم المتحدة، ولكن لا هذا ولا ذاك كان العامل الحاسم فى انتخابه بل الموقف السياسى المصرى المذكور أعلاه. الدكتور محمد البرادعى كان موظفا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأغلب الظن أن انتخابه كان يرجع إلى رغبة الدول الكبرى فى إضفاء مجرد طابع فنى على عمل الوكالة والبعد بها عن تقديرات السياسيين أو ممثلى الدول، حتى وإن كان الدكتور البرادعى قد فاجأها بعد ذلك بشهادته بأنه لا توجد أسلحة للدمار الشامل فى العراق وحرمانه الولايات المتحدة بذلك من المسوغ القانونى للتدخل العسكرى فيها. وبالمناسبة فإن هذا هو ما حدث فى الأمم المتحدة ذاتها فى نفس سنة انتخاب الدكتور البرادعى، 1997، عندما وقع الاختيار على أحد موظفى المنظمة، هو كوفى أنان، أمينا عاما لها. الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن لم يكن منصبه بالانتخاب بعد واختاره الأمين العام للأمم المتحدة لإنشاء منظمة هى تعبير عن تمرد الدول الجديدة على النظام الاقتصادى الدولى القائم، عندما كانت مصر فى صدارة هذا التمرد، ولكن دون أن تضع موضع المساءلة مقاصد التنظيم الدولى ومبادئه. الدكتور مصطفى كمال طلبة يجمع اعتبارات الكفاءة والاختصاص والسياسة. هو رأس فى سنة 1972 وفد مصر فى مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة فى ستوكهولم الذى أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتولى مباشرة منصب نائب المدير التنفيذى له ثم ارتقى إلى مرتبة المدير التنفيذى بعد سنوات ثلاث فقط.
***
ما هى إذن الأسباب التى حالت دون انتخاب المرشحة المصرية لمنصب المدير العام لليونسكو؟ كان ذهن السفيرة مشيرة خطاب صافيا فى تحليلها خلال أحد البرامج التلفزيونية لأسباب حالت دون انتخابها. هى ذكرت إغلاق مكتبات عامة لخدمة الأطفال الفقراء وتثقيفهم، وقانون الجمعيات الأهلية، وحالة حقوق الإنسان فى مصر كأسباب وقفت فى سبيل انتخابها. ويمكن أن نضيف إلى ما قالته عن حقوق الإنسان أنها ليست حالتها فقط بل المساءلة فى معاييرها وقواعدها نفسها، وفى مسئولية المجتمع الدولى عنها وفى التعاون الدولى لتحقيق احترامها، وهو ما تنص عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة وتؤكد عليه المادة الأولى من الميثاق التأسيسى لليونسكو عن أهداف نشأة المنظمة، التى تشدد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعدم التمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين. والقائمة تطول من قانون التظاهر إلى التعديلات على قانون العقوبات والحبس الاحتياطى المفتوح، والسكوت على التنصت على الناس والخوض فى خصوصياتهم، واللامبالاة أمام التمييز الذى يلقاه المواطنون الأقباط والاعتداءات على سلامتهم. المسألة ليست فى شخصية المرشحة ولا فى كفاءتها وإنما هى تتعلق باتساق دولتها مع منظومة القيم التى تعبر عنها المنظمة المعنية، وهى فى هذه الحالة منظمة عظيمة الحساسية؛ لأنها التعبير عن قيم الانفتاح والتعددية واحترام شخص الإنسان وحرياته وخصوصيته، وعن المساواة وعدم التمييز بين البشر. والمسألة ليست كذلك فى الدول الكبرى وحدها، الولايات المتحدة أو فرنسا أو غيرهما، فهى ليست لها ذات امتيازاتها فى الأمم المتحدة، والولايات المتحدة نفسها ليست راضية عن اليونسكو وهى أعلنت انسحابها منها، ولكنها أيضا فى دول أخرى لأصواتها قيمة فى انتخاب المدير العام. خذ عندك مثلا دول أمريكا اللاتينية السبع الأعضاء فى المجلس التنفيذى لليونسكو بسبب ما عانته من تجارب سلطوية قمعية ودموية، فإن دول أمريكا اللاتينية حساسة جدا بشأن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان ويصعب تصوّر أن تمنح أصواتها لمرشح من دولة تستخف بها.
لو كان الانتخاب لمنصب المدير العام لمنظمة فنية بحتة، كالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أو حتى لمنظمة الأغذية والزراعة لربما، ربما فقط، تبدّلت المواقف وأمكن انتخاب مرشح مصرى. لاحظ أن المدير العام الحالى لمنظمة التنمية الصناعية صينى، ولكن المرشح الصينى لليونسكو لم يحصد فى أى من الجولات الانتخابية غير خمس أصوات فقط.
لقد أبلت الدكتورة مشيرة خطاب بلاء حسنا واستطاعت أن تجمع عددا كبيرا من الأصوات تأييدا لها، ولكن انتخابها لم يكن متوقفا عليها ولا على بلائها الحسن.
إن كانت مصر تريد أن تكون ممثلة فى أعلى المناصب الدولية فإن عليها أن تتسق مع قيم النظام المؤسسى الدولى، وهو نظام لم تتقاعس دوله عن تكريمها مرة بعد أخرى بانتخاب مواطنيها أو اختيارهم لأعلى المناصب فيه.
أما إن كانت ستتمسك بالاعتراض على قيم النظام الدولى والتعريض بها، فإن عليها أن تصرف النظر عن أن يشغل مواطنوها المناصب الأعلى فى التنظيم الدولى حتى إشعار آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.