انخفاض كبير ب1240 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة (محليًا وعالميًا)    إعلان النفير العام وتجهيز الفرق الطبية..معارك في طرابلس ودعوات للمواطنين بالبقاء في منازلهم    الأسير المحرر عيدان ألكساندر يرفض مقابلة نتنياهو    طرابلس تشتعل بعد اغتيال «الككلي» وسط تحذيرات للسكان (تفاصيل)    "نريد أن نمنحهم بداية جديدة".. ترامب يلمح إلى تخفيف العقوبات عن سوريا    حار نهاراً.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    سقوط طفل من مرتفع "بيارة " بنادى المنتزه بالإسماعيلية    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    محامية بوسى شلبى تعلن مقاضاة كل من يخوض بعرضها أو ينكر علاقتها الزوجية    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    ولاية أمريكية تُقر قانونًا يسمح بسيارات «كي» بدءًا من عام 2027    جدل وانفعال.. تفاصيل جلسة الاستماع لمستأجري الابجار القديم بمجلس النواب    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    أخبار مصر اليوم: هيئة الدواء تسحب 3.4 مليون عبوة منتهية الصلاحية من السوق.. قرينة السيسي رئيسا شرفيا للهلال الأحمر المصري.. حقيقة إقرار الحد الأدنى للقبول بالجامعات الأهلية    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    جدول أعمال زيارة ترامب الخليجية فى ظل ديناميكيات إقليمية معقدة    إعلام ليبي: توقف حركة الطيران في مطار طرابلس    «قصر طائر» ب400 مليون دولار.. قصة هدية فاخرة منحتها قطر ل أردوغان قبل ترامب    بعد حل حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان يعيد صياغة دوره في تركيا    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    آس: بعد أول مباراتين ل البرازيل.. نجل أنشيلوتي سيتولى تدريب رينجرز    عضو مجلس الزمالك يوجه رسالة للجمهور بعد الخسارة من الأهلي في السوبر الإفريقي لليد    "كأس أمم أفريقيا للشباب ودوري سعودي".. نتائج مباريات يوم الإثنين 12 مايو    النصر يكتسح الأخدود بتسعة أهداف نظيفة في ليلة تألق ماني    موعد وصول مدرب الأهلي الجديد إلى القاهرة لتوقيع العقود    مدرب الترجي السابق يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي والزمالك معه    أحمد الغندور يدير قمة الزمالك وبيراميدز    ارتفاع طن السلفات إلى 1063.5 جنيه، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    محافظ سوهاج يُقرر تشكيل لجنة لفحص كافة أعمال وتعاقدات نادى المحليات    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    ضبط عاطلين أثناء محاولة بيع مصوغات مسروقة من نائبة برلمانية    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة الشروع في قتل شاب ببولاق الدكرور    اليوم| محاكمة تشكيل عصابي بتهمة سرقة المواطنين بالإكراه في بولاق    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    مصرع شاب التهمته ماكينة حصاد القمح في كفر الشيخ    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    لقاء جماهيري لتوضيح ملف تقنين الأراضي بالعبور الجديدة    نانسى عجرم تنشر صورا من حفلها الأخير المخصص للنساء فقط فى هولندا    «الأسد بيحب يدلع نفسه».. الأبراج والمال كيف يؤثر برجك في طريقة إنفاقك للفلوس؟    الرئيس السيسي يطمئن على الحالة الصحية للروائي صنع الله إبراهيم ويوجه باستمرار الرعاية الطبية    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    أحمد الباز: "مستقبل وطن" يطلق قافلة طبية مجانية بكفر الزيات في هذا الموعد    45 فرصة عمل برواتب تصل إلى 36 ألف جنيه.. تعرف عل وظائف المصريين بالأردن 2025    أعراض ومضاعفات تسمم الماء.. المعاناة تبدأ ب 4 لترات وقد تنتهي بغيبوبة    رئيس «الرقابة الصحية» يزور مستشفى بئر العبد النموذجي تمهيدا لتطبيق «التأمين الصحي الشامل»    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أمينة الفتوى: هذه أدعية السفر منذ مغادرة المنزل وحتى ركوب الطائرة لأداء الحج    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات كلية التجارة    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة السودانية.. محاولة للفهم
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 03 - 2009

تقول نظريات الإعلام الحديثة إن تدفق المعلومات والأخبار لا يعنى بالضرورة الإلمام بصورة واقعية عن حدث ما، بل إن تدفق هذه المعلومات ربما يكون سببا رئيسيا فى التشويش والالتباس وفقدان المقدرة على الإمساك بتفاصيل الصورة وحقيقة الأوضاع.
وربما يصدق ذلك على مجريات الأزمة السودانية الراهنة، التى تعد أكثر عناوينها شهرة وذيوعا هى المطالبة برأس الرئيس السودانى عمر البشير فى المحكمة الجنائية الدولية.. كما لا يخلو الأمر من مواجهات مسلحة فى دارفور أو مدن جنوبية كملكال وأبييى. وبينما تكشف تصريحات من أطراف الصراع السودانى فى عواصم العالم عن انقسام مخيف يفتح السودان على سيناريوهات الانفلات وعدم الاستقرار، الأمر الذى ينعكس على القاهرة بضغوط هائلة ويصل بالأمن القومى المصرى إلى مراحل متقدمة من الانكشاف والتهديد.
إن الخيوط المتشابكة والتقاطعات الإقليمية والدولية تفرض هنا محاولة للربط والتدقيق بين الأحداث ورسم صورة للتحالفات حتى تتضح المخاطر أمام الرأى العام.
الملمح الأهم فى هذه الأزمة هو القرار المرتقب للمحكمة الجنائية الدولية فى 4 مارس القادم، والذى يتحدد فيه مصير رئيس الدولة فى السودان بعد اتهامه فى يوليو الماضى بالمسئولية عن ارتكاب جرائم حرب فى دارفور وإبادة جماعية بحق قبائل منتمية إلى أصول أفريقية (الزغاوة والمساليت).
هذا التحرك من جانب المجتمع الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تحت مظلة الأزمة الإنسانية الماثلة فى دارفور يجىء مكملا لتوظيف آلية مجلس الأمن، الذى أصدر 21 قرارا بشأن الصراع فى دارفور تحت مظلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذى لا يخلو من توظيف سياسى يعد أعلى مراحل الضغوط على نظام الحكم فى السودان، بأهداف إزاحة النخبة الحاكمة أو على أقل تقدير إضعافها إلى الحد الذى يسمح بوجود بدائل من المرجح ألا تنتمى إلى القوى السياسية القومية أو الديمقراطية، بل يعطى فرصا أعلى لممثلى ما اصطلح على تسميتهم بقوى الهامش ذات الأجندات العرقية أو الجهوية.. كما أن هذا التحرك الدولى يمثل نقطة صدام فاصلة بين دول العالم الثالث المنضوية تحت لواء الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى ومنظمة المؤتمر الإسلامى الذين يطالبون بإعطاء فرصة للحل السلمى فى دارفور، وذلك باستخدام المادة 16 من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية لتجميد القرار لمدة عام.. وهو مطلب لا يسقط إقرار مبدأ العقاب على الانتهاكات التى جرت فى دارفور والتى من الممكن أن تجرى، إما بتفعيل القضاء السودانى بشروط استيفائه لشروط النزاهة والعدالة وبذلك يمكن أبطال اختصاص المحكمة الجنائية فى نظر الادعاء طبقا لميثاقها، أو أن يتم الأخذ بمناهج العدالة الانتقالية التى سبق تجريبها فى جنوب أفريقيا والتى كان لها أكبر الأثر فى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.
الضغوط الدولية الراهنة يجد فيها زعماء الفصائل المسلحة فى دارفور فرصا هائلة للقفز على الحكم وتحقيق أغراضهم السياسية.. من هنا دلف ثلاثة من هؤلاء عبر البوابات الإقليمية والدولية كى يقدموا أنفسهم كبدائل، وهما د. خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الذى أعلن أنه سيكون يد الجنائية الدولية فى تقديم البشير إلى المحكمة فى حال صدور قرار التوقيف. وانتظارا لهذا القرار رفض أن يوقع على اتفاق إطارى فى الدوحة مع الحكومة السودانية مؤخرا وتم استبداله باتفاق حسن نوايا، لم يسمح بأكثر من تبادل للأسرى والمعتقلين بين الجانبين.. والثانى هو عبدالواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان، والمنتمى إلى قبيلة الفور، الذى قرر أن يدلف إلى تحقيق أغراضه من البوابة الإسرائيلية فيعلن من إسرائيل أنه سيفتح لها سفارة فى الخرطوم إذا قدر له أن يصل إلى سدة الحكم.. والثالث أركو منى ميناوى مساعد رئيس الجمهورية السودانى بموجب اتفاق أبوجا المعقود فى مايو 2006 والذى يعلن حرمانه من صلاحياته ليل نهار ويدعو القاهرة إلى لم الشمل الدارفورى تمهيدا لتسوية سياسية. إلى جانب هؤلاء هناك عشرات الفصائل المسلحة فى دارفور التى انشقت عن هؤلاء الثلاثة خلال مراحل أزمة دارفور منذ عام 2003
على الساحة الجنوبية هناك ملمح آخر للأزمة المحتدمة فى السودان حيث شكلت استحقاقات معاهدة سلام نيفاشا المعقودة بين شمال وجنوب السودان فى يناير 2005 معضلة ممتدة، وذلك باعتمادها على توازنات سياسية حرجة عكست منهجا أمريكيا فى المحاصصة ولم تتعاط مع المشكل السودانى بمنظور شامل.. ومنذ هذا التوقيت تعانى الحركة الشعبية أحد طرفى حكومة الوحدة الوطنية فى السودان من أمرين، الأول التهميش وافتقاد الصلاحيات، ولعل مشهد مائدة المفاوضات فى الدوحة الخالى من أى طرف جنوبى آخر المؤشرات على هذه الحالة، أما الأمر الثانى فهو تعطيل إصدار القوانين اللازمة لتهيئة الأجواء للانتخابات.. وفى المقابل غالبا ما تضع الحركة الشعبية فى الجنوب نفسها فى خانة المعارض للتوجهات السياسية لحزب المؤتمر الوطنى فى إطار حكومة الوحدة الوطنية، وذلك فى الموقف من المجتمع الدولى وآليات التعامل معه، وكذلك فى التعاطى مع التفاعلات السياسية الداخلية.. وقد انعكست هذه الحالة المأزومة على الأرض فى اشتباكات مسلحة بين الطرفين فى مدينة أبييى على الحدود بين شمال وجنوب السودان، أسفرت عن نزوح سكانها البالغين 50 ألف نسمة وتدمير المدينة بالكامل، حينما اختلف الطرفان على ترسيم هذه الحدود فى مايو الماضى، وتم اللجوء إلى التحكيم الدولى فى نهاية الأمر.. كما نشب صراع مسلح بينهما أيضا فى مدينة ملكال مرتين أوقع العشرات من القتلى انعكاسا لمشكلة إدماج القوات والميليشيات الجنوبية التابعة للشمال فى جيش التحرير الشعبى.. وتبدو هذه الأحداث إيذانا بانفصال بين الشمال والجنوب من ناحية، وفرصا لنشوب صراعات مسلحة جنوبية جنوبية من ناحية أخرى.
أما الأحزاب القومية السودانية والقوى الديمقراطية غير المسلحة فتبدو فى حالة انكشاف هائل بانقساماتها الداخلية وعجزها عن بلورة خطاب سياسى جاذب، وأيضا بالضغط الحكومى والأمنى عليها وذلك فى وقت تتعدد التسريبات عن وجود ميليشيات مسلحة تابعة لرموز الحكم السياسى فى الخرطوم ستكون مهامها الدفاع عن نظام الحكم فى حال تهديده، إضافة لامتلاك حزب المؤتمر الشعبى بزعامة د.حسن الترابى المسجون حاليا على خلفية ترحيبه بتحركات الجنائية الدولية ومطالبته الرئيس البشير أن يسلم نفسه لأدوات قد يكون من بينها السلاح ضد النظام.
التعقيد المركب فى هذا المشهد هو الانقسام والتنافسية السياسية بين الأطراف وعدم وجود وحدة فى الموقف الداخلى إزاء ضغوط المجتمع الدولى، والمترتبة على إصرار حزب المؤتمر الوطنى على مواجهة هذه الضغوط وحيدا تمسكا بالسلطة من ناحية، وحماية لمكوناته من ناحية أخرى، وذلك بعد أن توسع كثيرا فى استخدام الآليات العسكرية فى محاولة لحسم الصراع فى دارفور.
وإذا كان الفاعل الدولى ممثلا فى الإدارة الأمريكية السابقة مسئولا عن تعقيد الأزمة فى دارفور ووصولها إلى مراحل متقدمة من التأزم، تبدو الإدارة المصرية وهى تقدم الإسناد إلى مؤسسة الدولة فى السودان خوفا من انهيارها، قد تأخرت أولا فى إدراك خطورة أزمة دارفور فى مرحلة مبكرة من اندلاعها، وبالتالى تأخرت فى التفاعل مع رموزها بما سمح بأدوار إقليمية سبقت أدوار القاهرة.. كما تبدو راهنا مرتبكة إزاء إمكانية لم الشمل الدارفورى فى أجواء الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث سمحت القاهرة لقطر أن تقود جهود الوساطة رغم أنها مهندس المبادرة العربية التى تتحرك قطر تحت مظلتها.. وتسعى القاهرة الآن إلى مقعد القيادة مرة أخر ى بما يكشف عن قصور فى الرؤية والحركة معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.