دينية النواب توافق نهائيا على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية المقدم من الحكومة    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    المجموعة الوزارية تحدد معايير جديدة لحساب حوافز تصنيع السيارات    شاهد| البترول تفجر مفاجأة في نتائج فحص البنزين بمصر.. إليك التفاصيل    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    "العمل من المنزل" يحرج حزب الإصلاح البريطانى.. وإيلون ماسك كلمة السر    تطورات ميدانية متسارعة في غزة وسط تصعيد عسكري ومأساة إنسانية متفاقمة    الحوثيون: مقتل 4 أشخاص وإصابة 39 جراء غارات إسرائيل على الحديدة    توقف الحركة المرورية على الطريق الزراعي بالقليوبية بسبب انقلاب سيارة نقل    أحمد رزق يطرح تريلر مسلسل حرب الجبالي: سيعرض قريبا    وزير قطاع الأعمال يبحث مع رئيس هيئة الرعاية الصحية دعم الصناعة الوطنية والتنمية المستدامة    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    القوات الروسية تستهدف نقطة تمركز مؤقتة للجيش الأوكراني بصواريخ موجهة    "الأونروا": 66 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    وزير الخارجية يتطلع لسرعة صرف الشريحة الثانية من الحزمة المالية الأوروبية لمصر    مصدر ليلا كورة: طارق مصطفى يرحب بتدريب الزمالك.. وعقبتان في طريقه    الزمالك: نعمل على رفع إيقاف القيد.. والأولوية لمستحقات باتشيكو وبوطيب    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    الرئيس السيسي يترأس اجتماعًا اقتصاديًا مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية    ضبط 12 طن مصنعات وأجزاء دواجن منتهية الصلاحية يتم إعادة تدويرها بمصنع بالخانكة    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    المشدد 5 سنوات ل3 أشخاص بتهمة استعراض القوة في المنيا    مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الإبتدائية بكفر الشيخ    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    عن ويلات الحروب.. عرض «قضية أنوف» بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح (صور)    6 عروض بمشاركة دول عربية وأجنبية بالدورة الثانية من «SITFY-POLAND» للمونودراما    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    زيادة السولار والبنزين تعمق من انكماش أداء القطاع الخاص بمصر بأبريل    البيئة: خط إنتاج لإعادة تدوير الإطارات المستعملة بطاقة 50 ألف طن    مدير التأمين الصحى بالقليوبية تتابع جاهزية الطوارئ والخدمات الطبية بمستشفى النيل    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    إيران: نحتاج الطاقة النووية للاستخدام السلمى وعلى الطرف الآخر إثبات حسن نيته    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزلاّقة
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 09 - 2009

على طول الطريق الموصل من الجزيرة الخضراء حتى أشبيلية محل إقامة ابن تاشفين، تجمهر أهل الأندلس لتحية البطل المغربى وتهللت الوجوه بعد طول اكتئاب واصطحب القرويون أطفالهم لمشاهدة أمير المسلمين الذى سيصبح لزمن طويل قادم رمزا لعزة الإسلام وبطلا لحكايات النصر المجيدة ترويها الأمهات لأطفالهن وهن يحثونهم على الاقتداء به فى النخوة والشجاعة والتجرد لله سبحانه وتعالى، تلك القيم العليا التى ستقتات الأندلس من ثمراتها الطيبة أجيالا متعاقبة وقرونا عديدة تالية ظلت فيها المنارة الهادية لخطى البشرية المتعثرة فى ظلمات الجهل والجاهلية.
أما ابن تاشفين فبقدر مااغتبط لحسن استعداد جيش المرابطين وصلابته بقدر مااغتم لما طالعه فى أشبيلية من مظاهر الخروج على حدود الله ومن ترف جاوز حد المعقول أتبعته رخاوة بادية على شبابها بل وعلى جندها الذين استعرضهم مع المعتمد ليصنع منهم فيلقا يضعه فى مقدمة الجيش، كما أصر ابن عباد رغبة منه فى التكفير عن جريمته الشنعاء فى التخلى عن مناصرة طليطلة قبل سقوطها.
أما ما أثلج صدر أمير المسلمين حقا فكان تلك المبادرات التى قام بها الأندلسيون البسطاء الذين أيقظت حسهم الإيمانى جهود علماء المسلمين طوال السنوات المنصرمة فتباروا فى تقديم كل مايملكون إلى الجيش المرابطى فكانوا يأتون لهم بالماء وبالطعام وبالوقود وبالعلف لخيولهم وجمالهم التى اصطحبوها معهم من المغرب وكانوا يتنافسون فى ذلك تنافسا كشف لابن تاشفين ماتحت رخاوة الظاهر من قوة الإيمان التى تصلح قاعدة جديدة لبناء جديد.
رتب يوسف ابن تاشفين جيش الإنقاذ فقسمه إلى قسمين: الجيش الأندلسى على مقدمته المعتمد حاكم إشبيلية وعلى ميمنته المتوكل حاكم بطليوس بينما أهل الشرق على الميسرة، والجيش المرابطى يقود فرسانه داود ابن عائشة وراجلته سير ابن أبى بكر، بينما انعقدت قيادة الجيش الإسلامى بقسميه والذى بلغ نحو أربعة وعشرين ألف جندى لابن تاشفين، وما إن تمت الاستعدادات حتى بدأ تقدم الجيش نحو الشمال فعبروا بطليوس وعسكروا فى سهل الزلاقة شمال ماردة وبطليوس إلى الجنوب الغربى من طليطلة مقر قوات الاحتلال القشتالى.
على الناحية الأخرى، ما إن وصلت ألفونسو أخبار عبور يوسف بن تاشفين ونزوله بالجزيرة الخضراء حتى طيّر الرسائل إلى حلفائه فى كل مكان وإلى البابا فى روما مستنجدا، فتقاطر عليه المتطوعون من كل صوب يدفعهم بريق ذلك الوعد الذى قطعته الكنيسة بمنح صكوك الغفران لكل من يشارك فى الحرب المقدسة، حتى بلغ عدد الجنود فى الجيش الصليبى أكثر من ستين الف فارس يرتدون دروع الحديد من رءوسهم حتى أقدامهم وقد تقدم صفوفهم رجال الدين الكاثوليكى رافعين الأناجيل والصلبان لإذكاء المشاعر ولإثارة الحماس، ولما اكتمل الاستعداد ورتب ألفونسو جيشه الجرار نظر إلى الصفوف مغتبطا وتمثل أمامه حلم الاستيلاء على الأندلس ومايرتبط بذلك من أمجاد ستدوى ترانيمها مع أجراس الكنائس فى جنبات أوروبا فقال لمن حوله بكبرياء من استذل ملوك الأندلس زمنا طويلا: «بهذا الجيش ألقى محمدا وإلهه والإنس والجن والملائكة».
وفقا للنهج الإسلامى أرسل ابن تاشفين رسالة إلى ألفونسو يخيره فيها بين ثلاثة: الدخول فى الإسلام أو الاستسلام ودفع الجزية أو الحرب، فاختار الأخير الحرب وأرسل إلى ابن تاشفين رسالة كتب فيها: «إن غدا يوم الجمعة لا نحب مقابلتكم فيه لأنه عيدكم وبعده السبت عيد اليهود وهم كثير فى محلتنا وبعده الأحد عيدنا فنحترم هذه الأعياد ويكون اللقاء الاثنين»، انخدع ابن تاشفين بما أبداه ألفونسو من احترام للأعياد الدينية، لكن المعتمد بن عباد الذى ذاق مرارة مخادعته طويلا قال: «ما أظن هذا الخنزير إلا يريد خديعتنا فليكن الناس على استعداد له طوال نهار الجمعة»، ولقد صح ظن ابن عباد فما إن بدأ المسلمون صلاة الجمعة وعقدوا الركعة الأولى خلف أمير المسلمين إلا وانقض عليهم جيش ألفونسو فتصدى له الجيش الأندلسى بقيادة المعتمد الذى كان يقظا وعلى أتم استعداد لهذه الخديعة المتوقعة، وفى ذلك اليوم أظهر المعتمد بن عباد من الفروسية والبطولة والشجاعة ماخط به لنفسه صفحات وضيئة فى سفر التاريخ الإسلامى، شكلت إلى جانب صيحته الأبية «رعى الإبل خير من رعى الخنازير» صورة فارس تترقب الملايين جيلا بعد جيل أن يجود الزمان بمثله وقد كان حريا به لولا تلك الصيحة المباركة أن يظل ورقة مهملة لأحد ملوك الطوائف الهالكين الذين لم يجلبوا لأمتهم سوى الخزى والمذلة والعار.. ورقة يلقى بها الزمن فى ازدراء إلى قمامة التاريخ.
كانت خطة ألفونسو أن يقضى أولا على الجيش الأندلسى الذى خبر رخاوة جنوده من قبل فلا يتبقى سوى جيش المرابطين وهم غرباء عن البلاد لايعرفون مسالكها فلا يصبح أمامهم سوى العودة إلى بلادهم فتسقط دويلات الأندلس فى قبضته دونما جهد يذكر، لكنه لم يضع فى اعتباره تلك الروح الجهادية العالية التى نفثها عبور المرابطين فى روح الجيش الأندلسى الذى بذل جنوده فى ذلك اليوم المجيد دماءهم رخيصة فى سبيل الله، وهكذا أفزعت بطولات الفئة القليلة 24 ألف جندى بين فارس وراجل الفئة الكثيرة 60 ألف فارس مدرع بالحديد فتراجعت صفوف الصليب إلى الخلف مذعورة وانهزم جند التحالف أمام شجاعة جند الله وحرصهم على الشهادة فى سبيله، لذا كانت مفاجأة ألفونسو مروعة حين علم بمقتل عشرة آلاف من فرسانه فى الساعات الأولى من القتال فأخذ فى التقهقر، بينما جنود المسلمين يتقدمون فى ثبات، حتى وصل الجميع إلى حدود طليطلة ففر ألفونسو إلى داخلها زحفا جراء إصابته بجراح ومعه شراذم جنده وقد فقدوا خيولهم وسقطت عنهم دروع الحديد وبدوا كالمشردين الفارين من وغى المعركة.
كان الليل قد أرخى سدوله حين وصل الفريقان إلى حدود طليطلة فلما احتمى بها ألفونسو حاول المسلمون اللحاق به فمنعهم ابن تاشفين قائلا: «الكلب إذا وهم لابد أن يعض وقد سلم الله المسلمين من معركة لم يقتل منهم إلا القليل فاتركوهم»، ترى أكان ذلك المنع تدبيرا حكيما من أمير المسلمين حرصا على جنوده من معركة داخلية غير مأمونة العواقب؟.. أم تراه كان خطأ سياسيا وعسكريا فادحا أضاع فرصة بدت يومها مواتية لتحرير درة المدائن؟.. وهى فرصة لم تسنح للمسلمين مرة أخرى، إذ لم ترجع طليطلة إلى حوزة المسلمين منذ احتلها ألفونسو السادس عام 478ه وحتى يومنا هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.