ويواصل الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا حديثه قائلا هكذا تتابع الناس يبايعون عثمان بيعة الإمارة، وقد أزاحوا عن كاهلهم كارثة مقتل عمر، كما أفلح الجميع فى مواصلة السياسة النبوية الرشيدة فى منع بنى هاشم من أى سلطان تنفيذى اللهم إلا الفقه والقضاء. فبنو هاشم ومنهم (آل البيت) لا ينبغى حجاجهم ولا الإغلاظ عليهم ولا اتهامهم ولا عزلهم لذلك فتفرغهم للفقه كمؤسسة تشريعية أو قيام بعضهم بالقضاء والتحكيم بين المتنازعين موضوع يليق لهم، وما أشد حاجة الأمة إلى ذلك. ويضيف «يا أسفى على هؤلاء وقد تركوا محلا رفيعا تحتاجه الأمة ولا يصلح له إلا القليل ونازعوا فى منصب أدنى يصلح له كثير كثير من بين الرعية». وفرغ الناس من البيعة فقام عثمان إلى أحد جوانب المسجد ليسرع فى مباشرة مسئوليته والتف حوله أهل الشورى ورؤساء الجنود، فقال رضى الله عليه «أشيروا على فى هذا الذى أحدث فتقا واقتص لأبيه دون قضاء ولا سلطان، وكان المهاجرون يفتون بقتله جزاء ما فعل، والأنصار لا يرون. ذلك غير أن عمرو بن العاص عرض قائلا: يا أمير المؤمنين لا عليك، ولا تجهد نفسك فقد وقعت الجريمة قبل أن يكون لك سلطان، وهنا تفتقت حكمة عثمان فقال: أيها الناس هل تعلمون وليا لهؤلاء القتلى الثلاثة، الذميين غيرى أنا حاكم البلاد، فأهل الذمة وليهم الحاكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال الجميع لا ولى لهم غيرك. قال فإن الله خير الولى بين القصاص أو الدية، وحبب اختيار الدية ((... وَمَن قُتِلَ مَظْلُوما فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانا فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا )) (الإسراء 33) كذلك فإن عبيدالله كان معذورا بفادحة ما وقع لعمر دون سبب وعلى ذلك فقد تركت القصاص وقبلت الدية فيهم لحساب ورثتهم أو بيت المال، كما أنى سأدفع الدية من مالى الخاص إعانة لإبن عمر وسرعان ما أحضر الدية وسددها فانفرجت أسارير الجميع هذا هو الشرع ينفذ دون تحايل والحق يلوح والفقه يزدهر. ترى معى أن عثمان (رضى الله عنه) قد أعانه الله بهذه القريحة الفذة ((...لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ... )) (النساء 83) لإنقاذ ابن عمر وحسب أم أنه حقق نتائج كبيرة؟ نعم فقد أنقذ صاحب العذر من القصاص بسبب الشبهة التى أحاطت به وأنفذ الحكم القرآنى الأفضل ((...فَلاَ يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ...)) أسدل الستار على حادثة الاغتيال، إذ لو كان تحقيق فربما تكشفت أبعاد أخرى وزادت الفتن خصوصا بين العرب والفرس ومن أسلم من الفرس فتكرس دعاوى الجاهلية. لقد أوتى عثمان الحكم من الناس والحكمة من الله، وما أن حل لقاء الجمعة الأولى ويجد عثمان معضلة أخرى أمامه فهذه أول مرة يخطب فيها الجمعة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان منبر رسول الله ثلاث درجات يجلس على أعلاها مستريحا بين الخطبتين، فلما بويع أبوبكر وقف على الوسطى وقال تركت العليا لمقام رسول الله. وجاء عمر فوقف على الأخيرة الأدنى وقال تركت هذين لمقام رسول الله ومقام أبى بكر، فماذا يفعل عثمان؟ وماذا يفعل من بعده؟ وقف عثمان كما كان يقف رسول الله وقال لو بحثت عن مقامى بعد الرسول وصاحبيه لفتحت فى الأرض أدنى من المنبر ولكن ذلك لا يصلح ثم ارتج عليه فقال: أيها الناس أنتم أحوج إلى أمير فعال أشد من حاجتكم إلى أمير قوال، وإن بطل بى العهد يجىء الكلام مسترسلا، فقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. فهل تعى الأمة بكل عروشها أن الناس بحاجة إلى أمير فعال للمصالح أولى وأكثر من حاجتها إلى قوالين وربما يقولون ما لا يفعلون.