وبعد جنازة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كما يقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، بحث الأنصار عن المرشحين فوجدوا خمسة وتبينوا غياب طلحة خارج المدينة واتجه الخمسة الحاضرون إلى البيت. وأحاط أبوطلحة الأنصارى وجنده بالبيت لا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد، وما أن بدأ النقاش حتى تبين الجميع حرص كل واحد مما أكد فراسة عمر. هنا تعدت عبقرية عبدالرحمن بن عوف وقدراته أخلاق التاجر النبيل الحريص على التحرر من المسئوليات الرسمية والاكتفاء بمسئوليات المواطن العادى، إذ أدرك عبدالرحمن أن كل واحد فيهم لا يملك إلا صوته الشخصى فلم يؤثر أحد منهم غيره على ذاته. وعلى هذا فالنجاح والفوز بالترشيح يتوقف على صوت واحد يعطى لأحد المرشحين مما يرفع نصابه على الآخرين الذين لا يملك كل واحد منهم غير صوت نفسه وأسرع عبدالرحمن بخلع نفسه من الترشيح ليتمكن من ترجيح مرشح، فأصبح من حقه وحده إدارة النقاش والمفاضلة ووضع المرشحين أمام ضمائرهم ومسؤليتهم. ويضيف الشيخ جمال قطب «وإذا بعبدالرحمن عوف رضى الله عنه يبتكر طريقة فى استطلاع الرأى لم يسبق إليها أحد فيقول لكل واحد منهم سوف لا أختارك أنت، فمن تزكيه بدلا منك؟، وسرعان ما ظهرت النتيجة فهذا عثمان فى سرية يعلن قبوله لعلى فإن لم يكن على فأنا «عثمان» وفى المرتبة الثالثة يجىء سعد ثم الزبير أخيرا وفى عرض مماثل على الإمام على بن أبى طالب يعلن قبوله لعثمان فإن لم يكن عثمان فأنا «على» أولى بها وفى المرتبة الثالثة يجىء الزبير وفى الأخيرة سعد. ويواصل عبدالرحمن عرضه الذكى على سعد فيقول إقدم إن لم أخترك فيجيب: عثمان، فإن لم يكن؟ فيقول عليا، فإن لم يكن؟ فيقول فأنا سعد فإن لم يكن فالزبير». ويضيف قطب: يذهب إلى الزبير بنفس العرض فيقول: فيقول أرشح عليا، فإن لم يكن فعثمان، فإن لم يكن فأنا «الزبير» فإن لم يكن فسعد. هكذا اطمأن عبدالرحمن إلى توافق أهل الشورى على مرشحين أول وثان دون تحديد فجميعهم يقر بأن الأول والثانى بين عثمان وعلى ويبقى الترجيح بينهما حيث إن سعدا والزبير قد قدما عثمان وعليا على أنفسهما. وحيث إن عبدالرحمن قد خلع نفسه وأصبح رئيسا لجلسة الاختيار والترجيح ثم الترشيح. فقد أصبح من حقه الخروج ولقاء الناس والعودة إلى أهل الشورى، وأحس عبدالرحمن بميل من غالبية من الناس ناحية عثمان، فكثيرا من الصحابة لهم الحق كانوا يحبون أمرين مهمين: أولهما إبعاد بنى هاشم عن السلطة، كما أبعدهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليبقى بنو هاشم فى قلوب الناس وليس على رقابهم، وثانى الأمرين: أن الناس تريد الاحتفاظ بحقها فى مناقشة الحاكم ومحاسبته وعزله إذا لزم الأمر، والمقام القلبى لبنى هاشم يمنع ذلك الحساب والعزل وربما العقاب. ويخلو عبدالرحمن إلى على فى مقر الشورى ويقول له: أتبايعنى على ثلاثة أمور، على اتباع القرآن والسنة، وعلى دوام الشورى والاستشارة، وعلى استمرار سياسة الخليفتين، أبى بكر وعمر؟، فيصارحه على ماثلا: أبايعك على اتباع القرآن والسنة، وعلى التزام الشورى. أما سياسة الخليفتين فإن لى رغبة فى التجديد ثم يعرض على عثمان فيقبل عثمان العرض كاملا دون اشتراط. وهنا يبعث عبدالرحمن إلى صهيب إمامة الصلاة ويؤذنه فى دعوة الناس حيث إن أهل الشورى قد أنجزوا مهتهم. وأمام جميع الحاضرين يتوجه بن عوف إلى على بشروط البيعة فيكرر ما سبق قوله متحفظا على التزام ما قبله، فإذا أهل المسجد فى سكون لا ينطقون، ثم يتوجه إلى عثمان ويعرض عليه الأمر فيقبله كاملا فيقول عبدالرحمن لعثمان أبايعك فأنت الأمير. فتجمع الناس على عثمان يبايعون ويدعون له بالتوفيق وهكذا استرد المجتمع عافيته.