استوضح كثير من قراء «الشروق» عما فعله عمر بن الخطاب، وكيف تتابعت الأمور من بعده، فيقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا نقلا من أوثق المصادر أن عمر وقد أحس بدنو أجله، أحس كذلك بتقصيره تجاه دينه وأمته، إذ كيف نظم عمر للأمة شئون التموين، والبريد، والخزانة، وحماية الثغور، وكيف نظم الجيوش وفتح الفتوح حتى إنه نسى تنظيم الشورى نظرا لوجوده بين كبار الصحابة لا يسبقهم برأى، ولا يخفى عليهم أمرا، كما أنهم لا يخضعون لأمر، ولا يهابون سلطان. فأسرع عمر بتشكيل أول جماعة تضم من لهم حق الترشيح فى ذلك الوقت وهم على، وعثمان، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبدالرحمن بن عوف، ووضع القواعد المناسبة لزمنها وبيئتها مقررا: أن يقوم صهيب الرومى بإمامة الصلاة، حتى يتم اختيار الأمير فيرى رأيه. أن يدخل هؤلاء الستة بيتا يغلق عليهم لثلاثة أيام يعتزلون فيها الناس والمسجد ليختاروا من بينهم مرشحا يعرض على الناس حتى لا تستيقظ العصبيات. يتولى الأنصار الإشراف على حراسة عملية الشورى، وأن يمهلوا هؤلاء الستة المرشحين مدة ثلاثة أيام، فإن استقاموا وفرغوا من المهمة وإلا فأضربوا أعناقهم خشية افتتان الناس. لذلك يقوم أبوطلحة الانصارى فى خمسين من رجاله الأشداء بحراسة البيت، الذى تتم فيه الشورى فلا يدخل عليهم أحد ولا يخرج منهم أحد حتى يفرغوا من الأمر. وقال: لا تخرجوا حتى تتفقوا على واحد، فإن طبيعة المجتمع آنذاك لا تسمح بالتفكك والمواجهة فإذا اتفق خمسة على واحد منهم ونازع واحد فأضربوا عنقه، وإذا اتفق أربعة على واحد، وأصر اثنان على النزاع فاضربوا أعناقهما. قال قائل: يا أمير المؤمنين فإذا انقسم الستة إلى فريقين كل ثلاثة يختارون واحدا.. قال عمر: فابعثوا إلى عبدالله بن عمر يرجح أحد الفريقين وليس له حق الترشيح. وقال آخر.. لما تحرم عبدالله بن عمر من الترشيح وقد توفى رسول الله (ص) وهو راض عنه؟ قال عمر: اسكت ولا تفتح للشيطان مدخلا.. قال آخر إن عبدالله كيس فطن، قال عمر: ما أردت بقولك هذا وجه الله.. فألح الثالث يرشح عبدالله بن عمر فقال عمر: والله ما حمدتها لنفسى حتى أرضاها لولدى. بحسب آل الخطاب أن يلقى واحد منهم ربه بذنوب وحقوق العباد، فكرر رابع ترشيح عبدالله بن عمر فقال عمر: يا قوم إن كانت السلطة والخلافة حلوة فقد أخذنا منها عشر سنين، وإن كانت مرة فليحملها غيرنا، إن عمر يبرأ إلى الله ممن يتقدم لهذا الأمر من أبنائه. ثم توجه عمر إلى ولده عبدالله قائلا له: يا عبدالله انتظر حتى يقضى الأجل ثم اذهب إلى أم المؤمنين عائشة، وقل لها يا أماه إن عمر يريد أن يلحق بصاحبيه يريد أن يدفن بجوارهما فى بيت عائشة ثم يتابع: قل لها عمر وإياك أن تقول أمير المؤمنين فساعتها لست للمؤمنين أميرا. وهكذا يتوقى عمر بن الخطاب شبهة استثمار السلطة لمصلحته الخاصة فها هو لا يطلب الدفن عند عائشة إلا بعد زوال سلطانه حتى لا يؤثر عليها ولا يسبب لها حرجا ولا له.. فمتى تسترد الأمة هذا السلوك النبيل، والتواضع الحميد، والخوف من يوم الوعيد؟! وتوفى عمر بن الخطاب، وأستأذن ولده عائشة فرحبت وأذنت، وقام الناس بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه فى حجرة عائشة. هكذا تم الإعداد العاجل للشورى، أما ما كان من شأن اجتماع أهل الشورى.. فغدا إن شاء الله.