يتابع الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر سابقا آثار تلك العصبية والحزبية، وكيف أرهقت قوى الأمة، ويقول: كان المأمول من الأمة أن تتمسك بالطفرة، التى أحدثها عمر بن الخطاب رضى الله عنه قبل موته وذلك بإقدامه على تشكيل مجلس يضم المرشحين طالبا منهم تصفية مواقفهم واجتماعهم على رجل يتم ترشيحه وعرضه للبيعة العامة.. كان المفروض تدعيم هذه الفكرة وتنظيرها ورسم قواعد تكوين هذه الجماعة وكيفية الحصول على عضويتها ومؤهلات تلك العضوية.. لكن أحداث الفتوحات صرفت الفقهاء مما فتح باب العبث للراغبين وأعان الشيطان على المؤمنين. ويتساءل قطب: ألا ترى معى تقصير الفقه والفقهاء الذين لم يتلقفوا الفكرة ويزيدونها شرحا وتوضيحا، ثم مقارنة وترجيحا، ثم ضبطا وتنقيحا، فتنظيرا وتصحيحا ثم نشرا وتطبيقا صحيحا»؟. ويضيف: «ما زالت الأمة كل الأمة تعانى الأمرين من هذا القصور، الذى أصاب الفقه السياسى، وبقيت الأمة قرونا لا تجد لها مخرجا من هذه الحفرة، التى حفرتها العصبية وكرستها فى العقول سلبية مقيتة، وتغافل ملعون وأصبحت أجيال الأمة كلها جديرة أن توصف بقول الله تعالى عن قوم فرعون: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْما فَاسِقِينَ» (54 الزخرف). إن فقه الأمة والجماعة وتدبير نظام المجتمع وسلطانه وتقنينه ذلك تفريعا على مقاصد الشريعة ونصوص القرآن الكريم وصحيح الممارسة النبوية لهو فكر جدير بالإحياء والبعث، وتوثيقه وتحقيقه بنقاش المجتهدين المتخصصين ثم تدريسه منهجا شرعيا للمسلمين يستطيعون به تحقيق رسالتهم،وإنجاز خيرية أمتهم، وضرب المثل للأمم الأخرى كيف تكون حقوق الإنسان، وكيف يصبح العدل كائنا حيا يعيش بين الناس فى قلوبهم وعقولهم وحركاتهم وسكناتهم. ومن الحق أن نقر أنه من العار على أمة مثل أمتنا تسبق الدنيا جميعا بأكثر من عشرة قرون بعقد جلسات للشورى، ومحاولة إحسان الاختيار ثم تنكص على عقبيها إلى هذا الحد الذى تصادر فيه الحريات، وتنهب فيه الثروات،وتزور فيه الإرادات، رغم تكاثر المؤسسات وتعدد مستويات القضاء. فعلى فقهاء الأمة المشتغلين بالفقه والاجتهاد فحسب دون المنتمين لفئة أو جماعة أو حزب، أن يستثمروا هذا العطاء الالهى للبشرية والمتمثل فى: التخصصات العلمية المختلفة،والاختصصات الوظيفية المتعددة، والتقنية الهائلة لسرعة وضبط الاتصال والتواصل،والطاقة العظيمة وإمكانات الرصد والتدوين والإحصاء، والقدرة على الشفافية حتى يتيقن الجميع من عدم العبث بإرادتهم، وعدم تميز أهل الحكم تمايزا نفعيا يحرض الناس على كراهية الحكم، التى تبدو إما فى الانسحاب والسلبية وإما فى القلق وتأزيم المواقف مما يفتح أبواب الصراع. ومع كل ذلك سوف يبقى فى يقيننا أهل هذين الحزبين الهاشمى والأموى أخوة مؤمنين تأولوا المواقف فغلبت العاطفة عند البعض، وازدادت الإثرة عند البعض وتصارع الفريقان، فنسألك اللهم أن تجمع شمل أمتنا، وأن تعدل مسار تفكيرها على صراطك المستقيم. وقولى هذا هو قراءة تاريخية ترى خطأ الفريقين فالإسلام وشريعته أولى وأعلى وأكبر من أن يدعيهما أحد طرفى الصراع فى مواجهة الآخر،إذ لابد من جهة حاكمة مرضية وموثوقة للحكم بين الطرفين.