بعض الذين كنا نحسبهم ضمن تيار الاستقلال الرافض لتحويل مصر إلى عزبة تورث، تبين أنهم توريثيون أكثر من الوريث شخصيا. بعضهم يقف فى شارع التوريث ممسكا «مقشة» طويلة ومرتديا الزى الأخضر لإيهام المارة بأنه عامل نظافة يكد ويكدح لتطهير الشارع، بينما هو فى الحقيقة عامل مزيف لا يستخدم «مقشته» إلا للنصب على سكان الشارع واستدرار عطفهم بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب اليومية. ورغم أن الحكومة تبدو صارمة وباطشة وعبوسة للغاية فى وجه المتسولين فى كل شوارع مصر، فإنها تبدو متسامحة ومتساهلة للغاية مع من يمارسون النشاط ذاته فى شارع وميدان التوريث الرئيسى، ولا تعتبرهم إطلاقا مما يشوه الوجه الحضارى للبلد. وآخرون من هؤلاء لا يستخدمون «المقشات» أو الزى الأخضر، بل يفضلون تكنولوجيا الرسائل القصيرة والطويلة ورسائل الملتيميديا، المباشرة وغير المباشرة إلى جمال مبارك، غير أن الأخير يتعامل مع هذا النوع من الرسائل بكثير من التوجس والريبة، خصوصا أن أصحابها بنوا مجدهم الزائف على أساس أنهم مستقلون وأحرار وضد مشروع التوريث، ثم قرروا فجأة الالتحاق بقطاره، بعضهم ك«جرارات» وبعضهم ك«محصلين» وآخرون فضلوا التسطيح على ظهر القطار، فى مخاطرة هائلة بماضيهم ومستقبلهم السياسى. غير أن ارتياح جمال مبارك مع طاقم قطاره القديم، كما قلت من قبل، جعله لا ينظر بكثير من الاهتمام والاحترام إلى طلبات الانضمام والتطوع لدعم مشروع التوريث، وأظن دون وقوع فى دائرة الإثم أن الرجل غضب من رسالة رئيس تحرير «المصرى اليوم» التى يحرض فيها الوريث على رئيس تحرير «روز اليوسف» وهى ليست رسالة كاملة فى الحقيقة، بل نصف رسالة فقط وجهها رئيس التحرير الأول بلسان جمال مبارك، على وعد بإكمال النصف الثانى فى العدد التالى من جريدته، وانتظر جمهور سيرك التوريث اليوم التالى ليطالع باقى محتوى الرسالة، غير أن الانتظار طال ولم يظهر نصف الرسالة المتبقى، كما لم يظهر رئيس تحرير اليوم من يومها، وهو ما تضاربت التفسيرات بشأنه، فالبعض قال إن رئيس التحرير نسى ما كان قد بدأ فيه، فيما رجح آخرون أن مردود النصف الأول من الرسالة كان صادما لكاتبها، بل ومخيبا لآماله وأحلامه، فابتلع لسانه وصمت صمت القبور. وأكرر.. لا مفاجأة على الإطلاق فى موقف رئيس تحرير اليوم العائش فى وهم «الأخ الكبير» رئيس تحرير «الشقيقة الكبرى»، لكن الصدمة الحقيقية تأتى من تصريحات رجل الأعمال الدكتور هانى عنان الذى عرفته الحياة السياسية المصرية داعما كبيرا وأساسيا لحركة كفاية منذ بزوغ شمسها كتيار وطنى معارض على نحو قاطع للتوريث فى مصر، فالرجل فاجأ الجميع فى حواره مع جابر القرموطى على فضائية (on tv) مساء أمس الأول بإعلان تأييده المطلق لوصول جمال مبارك إلى الحكم على اعتبار أنه من الضرورى أن يحكم مصر شخص من داخل النظام. وأزعم أن السيد عنان يقصد بوضوح «شخص من داخل الأسرة» لأنه لو كانت الحكاية «من داخل النظام» فإن النظام يضم عشرات الأسماء الأخرى المؤهلة لحكم مصر، أى أن عنان هنا يعلن تحوله المدوى من راعى لتيار يطالب بدولة تحكمها مؤسسات على أساس ديمقراطى، إلى مبشر بدولة تحكمها الأسرة. والمثير للضحك والبكاء معا أن الدكتور عنان هنا صار توريثيا أكثر من شخصية مثل الدكتور على الدين هلال وهو من هو داخل مطبخ النظام باعتباره مسئول الإعلام فى حزب جمال مبارك، ورغم ذلك جاء حديثه عن التوريث مع رولا جبريل أكثر تماسكا ممن طرحوا أنفسهم لسنوات على أنهم ضد التوريث. [email protected]