قبل تسعة شهور كان إنتاج مصر من الغاز الطبيعى 3.8 مليار قدم مكعب يوميا، ارتفعت الآن إلى 4.45 مليار قدم بنسبة زيادة تصل إلى 17٪ وفى آخر هذا العام يفترض أن ترتفع كمية الإنتاج إلى 6 مليارات قدم. هذه الزيادة والتى تصل إلى مليار قدم يوميا، حصتنا فيها كمصريين النصف، والنصف الباقى يذهب إلى الشركات الأجنبية المستثمرة. وبحسبة بسيطة فإن ما ستحصل عليه مصر يوميا أكثر من النصف أى حوالى مليون قدم يوميا، وهو ما يوفر لنا أكثر من 3 ملايين دولار يوميا، يعنى حوالى خمسين مليون جنيه شهريا، على اعتبار أن سعر الدولار حوالى 16.5 جنيه، وبالتالى فإن هذه الزيادة تعنى أننا سنوفر استيراد غاز من الخارج بما قيمته مليار دولار سنويا. وطبقا للمتوقع فإن الإنتاج المصرى سيقفز نهاية عام 2018 ليصل إلى 7200 مليون قدم مكعب، وفى هذه الحالة ستحقق مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز، ولن تكون مضطرة للاستيراد من الخارج وهو ما يعنى عمليا أننا سنوفر أكثر من خمسة مليارات دولار كانت تشكل عبئا كبيرا على الموازنة. الإحباطات فى الفترة الماضية كانت كثيرة للغاية، وفى مجالات كثيرة، من السياسة إلى الاقتصاد، لكن وللموضوعية، فإن ما حدث فى مجال الطاقة كان قصة نجاح حقيقية، ينبغى أن تكون أمام أعيننا حتى يكون هناك أمل للناس فى المستقبل. فى الكهرباء تمكنت الوزارة من إنهاء مشكلة انقطاع التيار تماما، وصار لدينا ربما وفر يمكن توجيهه للاستثمار فى المصانع الجديدة وهذا الموضوع يحتاج شرحا أطول فى مرة قادمة. لكن وفى مجال الغاز، وبعد أن كانت الآمال عالية فى السنوات الخمس الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقمنا بتوقيع عقود التصدير لكل من هب ودب، استيقظنا على خبر مفجع بعد 25 يناير 2011، بأن الإنتاج الموجود لم يعد يكفى الاستهلاك المحلى أو لأن هذا الإنتاج انخفض وأن عقود التصدير كانت بثمن بخس. وهكذا ولأسباب مختلفة لم تكن كلها اقتصادية وفنية تم إيقاف تصدير الغاز لإسرائيل، التى لجأت للتحكيم الدولى وكسبت القضية. بعدها وفى لحظة فاصلة حققت شركة اينى الإيطالية اكتشافا مهما فى حقلى ظهر وشروق فى البحر المتوسط، يقول الخبراء إنه ليس الأضخم فى المنطقة فقط، ولكن ربما فى العالم، لأنه بعد حفر الحقل، تبين أن تحته حقلا ربما يكون أكبر منه. اكتشاف «ظهر» تم فى 30 أغسطس 2015، وتوقيع الاتفاق عن التنقيب تم فى يناير 2014 فى منطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط، واحتياطات الكشف تساوى 30 تريليون قدم مكعب من الغاز تعادل 5.5 مليار برميل مكافئ من النفط. البئر محفور فى عمق مياه 1450 مترا ويصل إلى عمق 4131 مترا، ويغطى مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع، وتم حفر 8 آبار فى المرحلة الأولى باستثمارات تنمية تصل إلى 4 مليارات دولار، يفترض أن ترتفع إلى 12 مليار دولار وربما تصل إلى 16 مليار طوال فترة المشروع. والمنتظر أن يتم الإنتاج المبكر فى ديسمبر المقبل بمتوسط إنتاج مليار قدم مكعب يوميا، يتزايد ليصل إلى 2.7 مليار قدم فى عام 2019، ويتم توجيه كل الكمية المنتجة لسد احتياجات السوق المحلية. المفارقة أن شركتى رويال داتش وشيل حاولتا التنقيب فى «ظهر» دون أى نجاح، وجازف رئيس شركة اينى كلاوديو ديسكالزى ب70 مليون دولار، وكانت النتيجة مفاجأة ضخمة، مراهنا على أجهزة الكمبيوتر الحديثة، التى قادت لاكتشاف آخر مهم فى حقل نورس. الآن فإن شركتى اينى الإيطالية وبى بى البريطانية يستحوذان على أكثر من 80٪ من الاكتشافات، وهناك آمال بالمزيد فى الفترة المقبلة، والرهان على أن مصر ستصبح دولة مصدِّرة للغاز عام 2019. ما يحدث فى حقول الغاز قصص نجاح ينبغى أن نوجه التحية لكل من ساهموا فيها.