انطلق فى فرنسا الموسم الأدبى أو حسب تعبير الفرنسيين «العودة الأدبية» التى تشبه المصطلح الذى نطلقه على «عودة المدارس» وسيستمر الموسم حتى آخر أكتوبر. والموسم ليس صيحة أو تقليعة فرنسية، إذ إنه يلبى حاجة اجتماعية لأن مواطنا من بين كل ثلاثة يقرأ الرواية، ولذا تشكل «العودة الأدبية» مؤسسة فى حد ذاتها تشحذ لها الطاقات وتشهد هذه الدورة عددا هائلا من الروايات بلغ 659 رواية لتجسد أحد رهانات الموسم الثقافى الفرنسى. أفردت جريدة لوموند الفرنسية لهذا الحدث مساحة متميزة مشيرة إلى خصوصيته هذا العام وأجرت حوارا مع الناقدة رافائيل ريرول التى تشارك فى تحرير ملحق الكتب الخاص بالجريدة (لوموند دى ليفر)، وتتلخص ملامح هذا الموسم الأدبى بغلبة إنتاج الكتّاب الفرنسيين بالمقارنة بالمواسم السابقة التى شهدت «أنيميا» نسبية على حد وصف الجريدة لصالح الكتاب غير الفرنسيين. كما يجمع بين العديد من الأعمال استئثارها بتناول القضايا والميل إلى طرق الموضوعات التاريخية، مثل موضوع الحرب العالمية الثانية (التى تناولها يانيك هينل وسورج شالاندون وتييرى هيس)، أو حرب إسبانيا (أوليفييه سيبان) أو حرب الجزائر (لوران موفينييه). أما عن مفاجآت هذه «العودة الأدبية»، فتخص الناقدة ريرول ثلاث روايات مست شغاف قلبها وسط هذا العدد الهائل من الأعمال والذى لم تطلع عليه كاملا بطبيعة الحال وهى لا تعتبرها اكتشافات بمعنى الكلمة، إذ تتحمس لتييرى هيس الذى يوقع كتابه الثالث «شيطان» ويقتفى فيه أثر صحفى فرنسى يذهب للبحث عن تاريخ أجداده فى منطقة القوقاز، بينما العملان الآخران فهما لكاتبين معروفين بالفعل للقارئ الفرنسى وهما باسكال كينيار صاحب مقولة «مارست الكتابة لأنها كانت الطريقة الوحيدة أن أتكلم دون أن أتفوه بكلمة» ومارى ندياى وهى كاتبة فى العقد الرابع، من أم فرنسية وأب سنغالى، بدأت نشر أعمالها ما بين الرواية والمسرح فى سن السابعة عشر وتعتبر كل رواية لها حدثا أدبيا مثل روايتها الجديدة «ثلاث سيدات قادرات». ولكن هل يعكس هذا العدد الذى يزيد على ال600 رواية تخمة فى سوق الكتاب أو تسهيل النشر بعيدا عن المقاييس والتصفيات النهائية؟ بداية يؤرخ الناقد «بيار أسولين» صاحب المدونة الشهيرة التى تحمل اسمه للعودة الأدبية واصفا إياها بأنها ظاهرة فرنسية بامتياز،بالمقارنة ببلدان أخرى يكون النشر فيها موزعا على مدار العام. فى بريطانيا والولايات المتحدة تمثل فترات الذروة بالنسبة للنشر فى الخريف والربيع، فى ألمانيا وفى العديد من الدول لا ينتظم النشر فى فترات محددة بل تتوالى الإصدارات فى أى وقت، أما فى فرنسا فمن الآن وحتى آخر أكتوبر، ويتبعه موسم أدبى آخر فى يناير. لا يذكر بالتحديد إلى أى عصر يرجع تعبير «العودة الأدبية» فى فرنسا، قد يكون نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين لارتباطه بالجوائز الأدبية، ما يؤكده أسولين أن هذه الظاهرة التى استقرت سريعا لتصبح من خصائص الأمة التى تتغذى بالأدب عرفت الازدهار بعد الحرب العالمية الثانية، وأنها ترتبط بتضخم فى حجم إنتاج الكتاب بدأ منذ سنوات الستينيات من القرن العشرين. ويدافع عنها أسولين قائلا: «حتى وإن كان الموسم الأدبى يشوبه أحيانا الكيل بمكيالين أو الإنتاج الزائد عن الحد، إلا أن ما يحسب للعودة الأدبية أنها نجحت فى جذب الجمهور العريض للكتب، حتى وإن كان أول من نظم للحدث كانوا مأخوذين بفكرة السوق والاستهلاك على حساب الأدب، فمن الذى يمكنه أن يشكو كثرة الجهود المبذولة لمحاباة الكتب والكتّاب؟». فهى أشبه باحتفال تتركز فيه فى لحظة واحدة كل طاقات الناشرين والصحفيين والنقاد وجزء كبير من الجمهور، أو كما تؤكد رافائيل ريرول: «»فهى فرصة خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية، أى إن وفرة الإنتاج تعد ترفا حتى وإن لازمها مشكلات اقتصادية من جانب الناشرين، أما بالنسبة للقارئ، فالموسم الأدبى الذى يضم 659 رواية يتيح له مخزونا هائلا من الاختيارات».