لم تكن ليلة الاثنين الماضى عادية على نشطاء حقوق الإنسان والمرأة بالسودان، تلك الليلة التى ترقب فيها الجميع الحكم المنتظر بحق الصحفية السودانية لبنى أحمد الحسينى التى كانت مهددة بالجلد 40 جلدة بتهمة ارتكاب الفعل الفاضح بسبب ارتداء البنطلون الذى اعتبرته شرطة النظام العام السودانية زيا فاضحا. إفطار جماعى فى منزل لبنى قبل الحكم فى هذه الليلة استقبل الحقوقيون والنشطاء السودانيون الوفد الحقوقى المصرى الذى ضم محسن بهنسى، المحامى ورئيس جمعية المساعدة القانونية، وإيهاب ناجى، المحامى وعضو مجلس أمناء المركز المصرى لحقوق المرأة الذى يقود حملة حقوقية مصرية، شاركت فيها أكثر من 20 منظمة مصرية تطالب بإلغاء المادة 152 من قانون العقوبات السودانى والتى تعاقب لبنى بصددها. اكتظ منزل لبنى بالنشطاء والمتضامنين المشاركين فى حفل الإفطار الجماعى الذى نظمته لبنى قبل الحكم عليها بيوم واحد، وشارك فى هذا الحفل أثيم قرنق، نائب رئيس المجلس الوطنى السودانى، الذى انتقد القانون السودانى الذى تواجهه لبنى وغيرها من نساء السودان وقال «القانون يطبقه رجل شرطة نصف متعلم». وطالب قرنق بإلغاء القانون الذى يتعارض مع الحقوق الإنسانية للبشر. أما ياسر عرفان، رئيس الهيئة البرلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان، فوصف الموقف بأنها محاكمة من قبل لبنى للنظام، التى تواجه دولة تمارس الاضطهاد على مدى 20 عاما، على حد قوله. وقالت لبنى إن قهر النساء فى السودان يتم باسم الدين والقانون، وتساءلت ما الذى يمكن أن يقوم به هذا النظام فى دارفور فى الوقت الذى ينتهك فيه كرامة النساء بسبب الزى. الاعتداءات الأمنية يوم الثلاثاء رصدت الشروق إغلاق قوات الأمن السودانى للشوارع المؤدية للمحكمة ومنع السيارات من الدخول وتوقيف المارة وسؤالهم عن سبب توجههم للمحكمة، وكاد رجال الأمن، الموجودون على مدخل المحكمة حاملين السلاح النارى والعصى الكهربية، يمنعون الوفد المصرى من الدخول، الا أنه نجح فى إقناعهم بالدخول بعد مفاوضات. وأمام القاعة تجمع عدد من الدبلوماسيين الأجانب ممثلى سفارات فرنسا وهولندا وكندا وسويسرا، وممثلى الأممالمتحدة الذين حرصوا على حضور كل جلسات المحاكمة التى مثلت إليها لبنى. وفى المقابل منعت قوات الأمن السودانية عشرات النساء السودانيات من دخول المحكمة للتضامن مع لبنى واستخدمت ضدهم كل أشكال القمع بدءا من الترهيب وحتى ضربهم بالعصى الكهربية. أدت هذه الاعتداءات إلى كسر ساق إحدى المتضامنات وكسر يد أخرى ودخول ثالثة فى غيبوبة. وأعقب هذه الاعتداءات احتجاز 48 شخصا من بينهم 46 فتاة وامرأة، وشابان احتجزتهم الشرطة وأفرجت عنهم عقب صدور الحكم ضد لبنى. وامتدت العصى الكهربية والعصى الخشب إلى المحكمة واستخدمها الأمن فى إرهاب الصحفيين والمحامين الموجودين بمقر المحكمة. وعن إمكانية الاتصال بنقيبى المحامين والصحفيين لحمايتهم من الغطرسة الأمنية أجمع المحامون أن كلا منهم غير مهتم بقضية لبنى ولا يلتزم بسياسات الحزب الحاكم ولا جدوى من الاتصال بهما. ولم تقتصر الغطرسة الأمنية على الاعتقال والاعتداء على المتظاهرين بل امتدت لقاعة المحكمة حيث دخل المحامون والوفود الدبلوماسية للقاعة ذات المقاعد المحدودة، ليجدوا ثمانية من الضباط يحتلون المقاعد. ورغم وقوف أعضاء هيئة الدفاع والمحامين المصريين، الذى أثبتوا حضورهم مع لبنى، إلا أن القاضى لم يأمر الضباط بإخلاء المقاعد لهيئة الدفاع. وبعد مرور نصف ساعة من بدء المحاكمة طلب إحضار كراسى من خارج القاعة ليجلس عليها الوفد المصرى والدبلوماسيون. «الشروق» ترصد تناقض أقوال الشهود بقاعة المحكمة بدأ القاضى جلسته بسماعه لشهود الإثبات المنتمين لشرطة النظام العام التى ألقت القبض على لبنى يوم 3/7 الماضى، ولاحظت هيئة الدفاع تناقض أقوال الشهود، فى وصف ألوان الملابس التى ترتديها بنى، ما بين الأخضر الفاتح والزيتى واللمونى. واستفاض القاضى بشكل كبير فى الأسئلة التى تطلب من الشهود وصف الملابس التى ترتديها لبنى والأماكن التى ادعوا أنهم رأوها من جسدها وألوان ملابسها الداخلية. ووجه القاضى سؤالا للعريف الذى قال إنه شاهد بطنها، قائلا «هل كرشها كبير أم صغير»، إلا أن الشاهد الواقف بجوار هيئة الادعاء لم يتمكن من الإجابة إلا بعد وصول ورقة مكتوبة من رئيس شرطة النظام العام الذى حضر الجلسة، وقال بعدها «لحد ما». واتهم الشهود لبنى بارتداء زى شفاف يظهر ملابسها الداخلية وأجزاء من جسدها، وفى المقابل ردت لبنى نافية ارتداءها هذه الملابس وقالت «أحتاج إلى تخسيس نفسى نحو 20 كجم لأتمكن من ارتداء ما يتحدثون عنه وحتى لو كنت نحيفة ما كنت ارتدى ما يصفونه من ملابس». وحاول محسن بهنسى، المحامى المصرى، التدخل وطرح بعض الأسئلة على الشهود إلا أن القاضى واجه طلبه بالرفض، كما رفض القاضى طلب محام سودانى بالاستماع لشهود نفى للاتهامات الموجهة للبنى. ولم تقتصر أسئلة القاضى على يوم الحادث فقط بل سأل الشهود الثلاثة عن رأيهم فى الزى الذى ترتديه لبنى أثناء الجلسة، وكان يأمرها بالوقوف وينظر إليها الشاهد ويقول رأيه، وقد تباينت آراؤهم فى هذا الشأن ولم تفلح الأوراق التى يرسلها رئيس شرطة النظام العام فى إجماع آرائهم على موقف واحد، فاثنان منهم قالا إنه زى محتشم والآخر قال لحد ما. منطوق الحكم رفع القاضى الجلسة على أن تستكمل بعد ساعة، تصور خلالها المحامون المصريون والسودانيون أنهم سيبدأون مرافعة عن لبنى وتفنيدا لأقوال الشهود، إلا أن القاضى فاجأهم بتلاوة نص الحكم. وجاء الحكم مخيبا للآمال والتوقعات، فرغم إقرار القاضى بعدم نص الدين الإسلامى على زى معين للمرأة إلا أنه قال إن الفقه استقر على أن الزى الإسلامى هو ما يستر مفاتن المرأة عدا الوجه والكفين وغير ذلك اعتبره القاضى زيا فاضحا. واستند القاضى فى حكمه لأقوال الشهود رغم تناقضها وقال «أسفرت المبادئ الثابتة للشاكى والشاهدين أن المتهمة ارتدت زيا فاضحا». وغرم القاضى لبنى 500 جنيه سودانيا بما يعادل 200 دولار أمريكى، أو السجن شهر، وهو ما فضلته لبنى. حملة لا لقهر النساء عقب الحكم اجتمعت المنظمات السودانية المشاركة فى حملة «لا لقهر النساء بالسودان»، واتفقن على استمرار الحملة التى تطالب بإلغاء المادة 152 من قانون العقوبات السودانى والتى واجهت لبنى بموجبها عقوبة الغرامة والحبس، بينما عشرات المئات من السودانيات يتعرضن للجلد بسببها. كما أكدت المنظمات المصرية التى قادت حملة التضامن مع لبنى أن هذا الحكم يعد تصعيدا ضد حركة حقوق الإنسان بالسودان. وأعلنت المنظمات استمرار دعمها للمرأة السودانية.