كاتب صحفي: البنية الأساسية في مصر عظيمة.. وشبكات الطرق بالمرتبة ال18 عالميا    كلية الإعلام بالجامعة العربية المفتوحة تناقش مشروعات تخرج طلاب الإعلام الإلكتروني    بايدن يتعهد بمواصلة دعم أوكرانيا أثناء لقاء مع ماكرون في باريس    نقيب الصحفيين الفلسطينيين يدعم قصواء الخلالي: لا ننسى مواقف الأوفياء    عاجل.. رئيس لجنة المنشطات يكشف كواليس هامة في عينة رمضان صبحي "غير الآدمية"    بالأسماء.. إصابة 23 شخصا إثر انقلاب سيارة ربع نقل بطريق العلاقي في أسوان    سفاح التجمع أمام جهات التحقيق: "زوجتي الثانية كانت تصور علاقتنا الزوجية"    تحريات مباحث دراو: مضطرب نفسي وراء واقعة ذبح طفلة رضيعة في أسوان    طارق الشناوي: «انفعال عمرو دياب على الشاب ضده نفسه واعتداء على جميع محبيه»    وكيل نقابة الصحفيين: نتعامل مع كيان صهيوني زُرع بالمنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية    وزيرة الثقافة تعلن انطلاق الدورة السادسة من «مواسم نجوم المسرح الجامعي»    الصحة: إحالة طواقم مستشفى مارينا للتحقيق.. وتطوير نقطة إسعاف الصحراوي خلال شهر    هيئة البث الإسرائيلية: احتمال استئناف مفاوضات الرهائن قريبا «ضئيل»    أول تعليق ل مقدمة البلاغ ضد زاهي حواس بشأن استغلال مكتبة الإسكندرية    الأحد أم الاثنين؟.. الإفتاء تحسم الجدل رسميا بشأن موعد عيد الأضحى 2024 في مصر    آسر ياسين يروج لفيلمه الجديد ولاد رزق 3    بشرى سارة من التربية والتعليم لطلاب الثانوية العامة بشأن المراجعات النهائية    جهود مكثفة لفك لغز العثور على جثة طفل بترعة الحبيل شمال الاقصر    علي فرج يتأهل لنهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    طارق الشناوى: نراعى الجانب الإبداعى وحقوق الإنسان فى تقييمنا للأعمال الدرامية    هيئة الدواء تكشف حصيلة حملاتها الرقابية في المحافظات خلال شهر مايو    النحاس يرتفع مجددا بنسبة 22% فى السوق المحلية خلال أقل من شهر    أفضل الأدعية في العشر الأوائل من ذي الحجة    منتخب مصر يتوج ب14 ميدالية في بطولة العالم لليزر رن بالصين    لمرضى السكر.. 8 فواكة صيفية يجب تضمينها في نظامك الغذائي    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    تقارير: نيوكاسل يضع حارس بيرنلي ضمن اهتماماته    القبض على سائق متهم بالتحرش ب "معلمة" في أثناء توصيلها أكتوبر    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة "صور"    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    المصري يطرح استمارات اختبارات قطاع الناشئين غداً    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    أول ظهور لكريم عبد العزيز بعد وفاة والدته    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    إثيوبيا تسعى لبيع كهرباء للدول المجاورة.. توضيح مهم من خبير مائي بشأن سد النهضة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    التشكيل الحكومي الجديد| وزراء مؤكد خروجهم.. والتعديل يشمل أكثر من 18 وزيرًا.. ودمج وزارات    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    «الإفتاء» توضح فضل صيام عرفة    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعة أفلام أوروبية عن «حضور الغياب»!
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 11 - 2016

تابعت على مدى أيام مجموعة من الأفلام المهمة التى قدمتها الدورة التاسعة لبانوارما الفيلم الأوروبى بالقاهرة. ربما لم تكن الأفلام بنفس قوة أفلام الدورة الثامنة، ولكنها لا تخلو أيضًا من أعمالٍ مهمة، تدفعنا للتأمل فى مصير الإنسان، وعالمه المعقد. اخترت أن أحدثكم عن أربعة أفلام هى الأفضل من الناحية الفنية، كما أنها أفلام تشترك تقريبا فى معالجتها لفكرة «حضور الغياب»، بمعنى أن الغائبين بالموت أو بالهجرة أو بالاختفاء فى هذه الأفلام، لا ينتهون أبدًا، ولكنهم يظلون فى قلب الحاضر، ويؤثرون فى الأحياء تأثيرا عميقا وغير متوقع.
الفيلم الأول، إيطالى، بعنوان «الانتظار» من إخراج بييرو ميسّينا، ومن بطولة الرائعة جولييت بينوش، وهو عمل رفيع المستوى يعتمد على روعة بنائه البصرى، وعلى براعة جولييت بينوش، وقدرتها التعبيرية، وحضورها الفائق، أما حكايته فهى لا تزيد على سطر واحد: أم تُدعى آنّا فقدت ابنها الشاب جوسيبى، ولكنها تخدع جان صديقة ابنها، وتوهمها بأن جوسيبى غائب وسيعود.
الفيلم كله لا يزيد على استضافة الأم لحبيبة الابن الميت فى قصر العائلة فى صقلية. الأم وجدت فى حبيبة الابن شيئا من ذكريات قديمة، وعبقا من ابن دفنته للتو، كما وجدت فى جان ما يذكرها بشباب الأم الغارب، فالاثنتان فرنسيتان تعلقتا بشابين إيطاليين، وتعرضت علاقتهما بالشابين لمشكلة مؤثرة: جوسيبى الراحل تعرضت علاقته مع جان لأزمة ذات صيف، وآنّا والدة جوسيبى انفصلت بالطلاق عن والده الإيطالى.
ليس فى الفيلم سوى هذه اللقاءات بين امرأتين، بينما يبدو بيترو عامل القصر العجوز مستاء لأن الأم لم تخبر جان بالحقيقة. ينتهى الفيلم بأن تعرف الفتاة حقيقة وفاة جوسيبى، ولكن بعد أن ظل حاضرا طوال الوقت، بل إننا نشاهد الأم وهى تتخيل حوارات معه. قوة هذا الفيلم فى أن الصورة شديدة الثراء سواء فى التعبير بالظلام عن لحظات الكآبة داخل القصر، أو فى التعبير عن جمال الطبيعة المشرقة حول القصر.
إنه أيضا فيلم يحضر فيه الجسد بقوة، باعتباره نقيض الفناء بالموت، ونقيض جسد الأم العجفاء، ولذلك نتأمل جسد جان الشاب، ونرى الجسد تمثالا فى الكنيسة وقت تأبين الابن، كما أن اختيار كرنفال عيد القيامة مقصود، للتأكيد على معنى قيامة الابن المستمرة من وجهة نظر أمه، ويبقى أداء بينوش التى استخدمت عينيها وحركة شفتيها لكى تعبر عن كلمات مكتومة، وعن سر تحجبه طوال الوقت، مع أنها تعانى بسببه معاناة داخلية مبرّحة.
الفيلم الثانى الذى يحضر فيه الغياب بالموت هو «حريق فى البحر»، وهو أيضا فيلم إيطالى فاز بجائزة الدب الذهبى فى مهرجان برلين 2016، ولكنه عمل وثائقى عن المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوسا. الجديد هنا ليس مشاهد نقل المهاجرين إلى الشاطئ بعد استغاثاتهم المتكررة عبر اللاسلكى، ولا مشاهد الموتى الذين تفشل السلطات فى إنقاذهم، ولكن فى مزج هذه المأساة بحياة سكان الجزيرة المنعزلين، والذين يحترفون الصيد، ويعتبرون البحر مصدرا للرزق، ولكنهم يكتشفون أنه يحمل إليهم بشرا من عالم آخر لا يعرفونهم.
قد يتقاطع الخطان من خلال طبيب مسئول عن إنقاذ المهاجرين، وعلاجهم من أمراضهم البشعة، بل ورعاية النساء والأطفال، ولكن معنى المعالجة هو تقديم عالم الإنسان بوجهيه المؤلم والعادى، ويسود الفيلم القطع المتوازى بين مشاهد إنقاذ المهاجرين، ومعظمهم من السود، ومشاهد سكان الجزيرة البسطاء، ومنهم الصبى الغلباوى صامويل الذى يصطاد الطيور والأسماك، والذى يعانى من كسل إحدى عينيه، ومع ذلك لا تفوته التعليقات الساخرة، ومثل الزوجة العجوز التى تطلب أغنية فى الإذاعة تحية لزوجها أو لابنها الغائب/ الحاضر، أو ذلك الغواص الذى يرتزق من عمله الشاق تحت الماء.
إننا أمام لوحة إنسانية مزدوجة تجمع بين المأساة والسخرية، وتؤكد على وحدة المشاعر الإنسانية. وهناك انقسام سردى بين عالم واقعى قاسٍ يمثله المهاجرون، وعالم برىء لا يدرك خطورة العالم يمثله صامويل وصديقه، وبينهما عالم متأمل ومثير للشجن يمثله طبيب المهاجرين، والمرأة التى تطلب الأغنيات، وجدة صامويل العجوز، والغواص الغامض. هناك مشاهد مؤثرة لموت المهاجرين، وهناك تعليقات صامويل الضاحكة، وكأن قسوة الحياة، التى دفعت 17 ألف مهاجر للموت فى 15 عاما، يعادلها تفتّح صامويل للعالم، وإن كان الفيلم ينتهى بصامويل وهو يوجه طلقات وهمية بذراعه، من بندقية وهمية تخيلها، احتجاجا على أوضاع العالم المعكوسة.
ويحضر الغياب بصورة مجسدة وبديعة فى الفيلم الكرواتى الذكى «على الجانب الآخر»، وهو الفيلم الذى سيمثل بلده فى مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى. لدينا مخرج ممتاز، وممثلة رائعة، وسيناريو مدهش: ذات يوم تتلقى الممرضة البدينة فيرنا تليفونا غامضا من زوجها زاركو الذى تركها أثناء الحرب ليقاتل فى الجانب الآخر. الآن يحضر الغائب بالصوت؛ لأنه يريد أن يرى زوجته، ويود أن يلتقى بابنه وابنته اللذين تزوجا وأنجبا. فيرنا تحب زوجها الغائب الذى يستمر فى الاتصال بها، ولكن الابن والابنة يرفضان فكرة حضور الأب؛ لأن موقفه فى الحرب يشكل عارا يمكن أن يفسد حياتهما.
يجهز الفيلم لمتفرجه ولبطلته الأم المسكينة مفاجأة مذهلة، حيث تكتشف فيرنا أن الذى كان يتصل بها طوال الوقت ليس زوجها الغائب من سنوات، ولكنه جارها العجوز، الذى يعانى من الوحدة، ويشعر بالذنب من موقف اقترفه أثناء الحرب. تبكى فيرنا، ويعود الجار العجوز إلى قوقعته، ويصبح مفهوم «الجانب الآخر» أقرب مما تصورنا. الحرب والغياب ما زالا حاضرين فى كل مكان. إنها حكاية عن امتداد أثر المأساة، وهى أيضا حكاية عن الحنين والوحدة، والتى عبر عنها مخرج الفيلم بتصوير فيرنا دائما من وراء الزجاج أو الأبواب والشبابيك والستائر، وكأن الحرب جعلتها مجرد ضباب، أو مثل شبح بدون تفاصيل.
ويبقى الفيلم الرابع المهم وهو الفيلم الجورجى «منزل الآخرين»، والذى سيمثل بلاده أيضًا فى مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى. إنه أيضًا عمل باذخ الثراء بصريا، نحن أمام تأمل لحالة مجموعة من البشر الذين احتلوا منازل أعدائهم فى قرية خاوية، وذلك على خلفية الحرب فى أوائل التسعينيات بين جورجيا وأبخازيا.
نشاهد أسرتين تعيشان أهوال الحرب ومخاوفها رغم ابتعادهما عن ويلاتها: زوج وزوجة ومعهما طفل وطفلة، وأخت ترتدى الزى العسكرى، ومعها شقيقتها وابنة شقيقتها المراهقة. يبدو الزوج مذهولا وغير قادر على التكيف، ويرى فى كل مكان أشياء وحاجات الغائبين عن منازلهم، بينما تبدو امرأة الزى العسكرى شديدة القسوة على شقيقتها، وعلى ابنة شقيقتها المراهقة. تنتهى التجربة القصيرة بعودة الزوج وأسرته إلى مدينتهم، وهروب الشقيقة وابنتها من امرأة الزى العسكرى الصارمة والمسترجلة. كل مشهد أقرب ما يكون إلى لوحة تشكيلية يسودها اللونان الرمادى والأبيض، حيث السحب والغيوم، وحيث مساحات هائلة من الجليد، يسير فوقها بشر صغار يرتدون اللون الأسود. ترى هل كانت القرية حقا خالية أم أنها كانت مسكونة بأشباح الغائبين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.