القرار السعودى بإبعاد إياد مدنى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى من منصبه مساء الاثنين الماضى، خطوة دبلوماسية موفقة وسريعة وتستحق التحية والإشادة. مدنى ارتكب خطأ دبلوماسيا جسيما حينما أساء بصورة فجة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاحه مؤتمر منظمة التربية والثقافة والعلوم الإسلامية «الاسيسكو» فى تونس قبل خمسة أيام. الإساءة فهمها كثيرون باعتبارها متعمدة، بل ومفتعلة للإساءة إلى شخص الرئيس. خصوصا أنها تجىء وسط خلافات مصرية سعودية حادة للمرة الأولى منذ 20 يونيو 2013، بشأن كيفية التعامل مع الأزمة السورية، إضافة إلى تداعيات قضية جزيرتى تيران وصنافير. خلال الأيام الماضية جرت محاولات دءوبة ومكتومة لتسوية أزمة تصريحات إياد مدنى. هو شخصيا طلب زيارة مصر ومقابلة الرئيس للاعتذار العلنى، لكن القاهرة رفضت الفكرة. الموقف المصرى كان مترددا ومرتبكا حتى مساء السبت الماضى، إلى أن خرج بيان وزير الخارجية السفير سامح شكرى ليؤكد على أن مصر تراجع وتبحث موقفها من التعامل مع المنظمة، وتلك كانت رسالة واضحة بأن القاهرة لا تقبل بأقل من إقالة مدنى، وإلا فإن البديل هو عدم التعامل معه أو حتى تجميد عضويتها، وهو قرار خطير بالنظر إلى دور مصر أولا وإلى أن أنها دولة مؤسسة للمنظمة من جهة ثانية. الحكومة السعودية نظريا ليست لها صلة بالأزمة لأن مدنى هو موظف إقليمى حتى لو كان سعودى الجنسية، لكن الجميع يعرف أنه محسوب عليها فى كل الأحوال. استمرار مدنى فى منصبه كان يعنى رسالة واضحة بأن الرياض هى من أوعزت إليه أن يفعل ما فعله، أو على الأقل أن الرجل ترجم بتصريحاته المتهورة الأجواء التى يسمعها فى جدةوالرياض. وخطورة ما فعله مدنى أنه اسلوب غريب على الدبلوماسية السعودية خصوصا ايام الراحل الكبير سعود الفيصل، التى تميزت دائما بالهدوء بل والصمت وعدم اللجوء اطلاقا الى «الأسلوب المدنى» نسبة إلى اياد مدنى. عندما تأكدت السعودية أن الإدارة المصرية لن تقبل بأقل من إقالة مدنى، ارسلت الوزير ثامر السبهان وزير الدولة لشئون الخليج إلى القاهرة. السبهان كان متواجدا خلال الأيام الماضية فى بيروت للمساعدة فى هندسة الوضع اللبنانى الجديد الذى أثمر عن انهاء الشغور الرئاسى الذى استمر عامين ونصف العام، وانتخاب ميشال عون رئيسا واحتمال اختيار سعد الحريرى رئيسا للوزراء. بمجرد وصول السبهان للقاهرة مساء الاثنين جرى تسريب خبر من كلمات قليلة من مقر منظمة التعاون الإسلامى فى جدة يفيد بأن إياد مدنى قدم استقالته لأسباب صحية!. بالطبع ليست هناك أسباب صحية للإقالة، فالرجل عندما كان يتحدث ويمارس «مزاحه السمج» قبل أيام فى تونس كانت صحته «زى البمب». لكنه تعبير يستخدم فى عالم الدبلوماسية حتى لا يسمى الأسماء بمسمياتها. وبعدها أعلنت القاهرة دعمها لترشيح السعودية الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين وزير الشئون الاجتماعية الأسبق أمينا عاما للمنظمة خلفا لمدنى. يحسب للسعودية أنها لم تكابر أو تسمح للأزمة أن تتمدد أكثر، لتنضم إلى سلسلة من الأزمات الصغيرة والكبيرة بين البلدين منذ تولى الملك سلمان للحكم عقب وفاة شقيقه الملك عبدالله فى أول يناير 2015. ويحسب للدبلوماسية المصرية أنها تعاملت مع الأزمة بحكمة لا تسىء للعلاقات مع السعودية، وبكرامة حتى يكون الأمر عبرة لكل من يفكر فى التطاول مرة أخرى. السؤال الجوهرى، وبعد أن جرى إبطال مفعول قنبلة مدنى من دون خساىر هو: كيف يمكن إبطال بقية الألغام والقنابل والعبوات الناسفة التى صار الطريق بين القاهرةوالرياض ممتلئا بها، خصوصا أن الذين زرعوها وهم كثر ينتظرون انفجارها بفارغ الصبر؟!.