وجدت من واجبى كنسوية بعد قراءتى لمقال الأستاذ «محمد مصطفى مدنى» تحت عنوان «إلى كل نسوية مصرية» المنشور فى جريدة «الشروق» بتاريخ 12 سبتمبر 2016 أن أوضح التالى: أولاً: تدافع النسويات عن حق نساء مصر فى أن يحصلن على فرص متكافئة فى جميع مجالات الحياة وأن يتمتعن بالمساواة مع الرجال، وخاصة أن المؤشرات الدولية والمؤشرات الوطنية تشير كلها إلى تدهور مكانة المرأة المصرية فى السنوات الأخيرة وذلك بالمقارنة بنظيراتها ليس فقط فى بلاد العالم المتقدم ولكن أيضًا بالمقارنة بمثيلاتها فى أغلبية البلدان العربية. فى منتدى العالم الاقتصادى لعام 2015 والذى تحرص مصر على المشاركة فيه سنويًا قد صنفت مصر فى مقياس الفجوة بين الجنسين بأنها رقم 146 من مجموع 154 بلدًا؛ أى أنها فى ذيل قائمة دول العالم من حيث اتساع الفجوة بين الجنسين لصالح الرجال. كما أنه طبقًا للإحصائيات الوطنية يفوق معدل الأمية بين النساء عنه بين الرجال، بل وتتدنى مساهمة المرأة فى سوق العمل الرسمية ويكثر عملها فى القطاع غير الرسمى حيث تتدنى الأجور أو تعمل للأسرة فى الريف بدون أجر وبالطبع لا تتمتع بأى تأمينات اجتماعية أو صحية، ويضاف على ذلك ممارسة التحرش الجنسى ضدها. ويبلغ معدل البطالة بين النساء فى مصر أربعة أضعاف نفس المعدل بين الرجال. ولا ندعى كنسويات أن حال الرجال عظيم فى مصر بل ننادى بتحسين الحالة العامة للجميع ولكن نرى أن الفجوة بين الرجال والنساء كما تشير إليها المؤشرات الوطنية هى برهان على توجه موارد الدولة المحدودة إلى خدمة الرجال أكثر من خدمة النساء، ويرجع ذلك إلى أن من يملك توزيع الموارد كما سنرى لاحقًا هم الرجال وليس النساء. ثانيًا: مازالت المرأة المصرية هى المسئولة عن جميع الأدوار المنزلية إلى جانب عملها خارج المنزل فهى مسئولة عن إعداد الطعام وتنظيف المنزل والغسيل أو على أحسن تقدير الإشراف على هذه الأعمال ومسئولة عن تربية وتعليم وترفيه وصحة الأبناء وهى مسئولة عن العناية بكل من يمرض فى أسرتها. مع ذلك لا تعترف الدولة بعملها الرعائى هذا ولا توفر لها الإمكانيات لكى تجمع ما بين أدوارها المتعددة، وعادة لا يشاركها الزوج فى هذه الأعمال المنزلية أو الرعائية. وفوق ذلك تعانى النساء وخاصة الفقيرات من قانون الأحوال الشخصية الذى يسمح للزوج أن يتزوج عليها امرأة ثانية وثالثة وأن يطلقها بدون ذنب قد ارتكبته، وقد يطلقها غيابيًا بدون علمها، بل ويسمح للزوج أن يطردها من مسكن الزوجية إذا تعدى أبناؤها سن الحضانة أو لو لم تنجب وذلك حتى لو ظلت زوجته لعشرات السنين. وداخل هذه الأسرة المصرية تعانى ثلث النساء المتزوجات من عنف بدنى أو جنسى أو لفظى يمارسه الزوج، وتختن أيضًا البنات لأن 40% من رجال مصر يرغبون الزواج من امرأة مختنة (أرجو الرجوع إلى المسح الصحى الديموجرافى لعام 2015 ومسح التكلفة الاقتصادية للعنف للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2016). *** ثالثًا: أما إذا نظرنا إلى من يشغل مواقع اتخاذ القرار فى مصر فتشير أرقام الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2016 إلى أن نسبة الوزيرات 12٪ بينما نسبة الوزراء هى 88٪، وعادة لم تتعد نسبة النساء البرلمانيات 2٪ أو 3٪ فى معظم الدورات البرلمانية إلا فى الحالات القليلة. حين طبقت الكوتا النسائية مثلما حدث فى شأن البرلمان الحالى ارتفعت نسبة تمثيلهن إلى 12٪ وهى ما زالت من أقل النسب فى العالم حيث إن الرجال يمثلون 88٪ من البرلمانيين وهكذا احتلوا السلطتين التنفيذية والتشريعية. أما فى السلك القضائى فتبلغ نسبة النساء 0.8% بينما نسبة الرجال فتبلغ 99.2% ولا يسمح للعدد الأكبر من المتفوقات من كليات الحقوق إلا العمل فى النيابة الإدارية. وحتى فى القطاع الحكومى الذى يتميز بوجود الملايين من النساء العاملات فيه فإن نسبة النساء فى مواقع اتخاذ القرار فيه يبلغ 22٪ فقط. ولهذه الأسباب وغيرها فنحن النسويات نتكلم عن المجتمع الذكورى السلطوى، إن الأرقام تتحدث عن الوضع بوضوح وتظهر أن الرجال يسيطرون على جميع مواقع اتخاذ القرار فى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وليس هذا افتراء من النسويات بل هى حقيقة سائدة منذ فترات طويلة ولا تتغير بالرغم من التقدم الذى تحرزه النساء، ومن غير المنتظر أن تتغير طالما يتشبث الرجال بالمناصب ولا يتيحون للنساء أن تتقاسمها معهم. رابعاً: بخصوص التحرش الجنسى فهو بالفعل قد زاد لأسباب متعددة منها ارتفاع معدل البطالة وصعوبة الزواج ولكن أيضًا بسبب النظرة الدونية للمرأة واعتقاد الشباب أن من حقه التحكم فيها وفى جسدها وأن من حق الرجال تأديب النساء. لذا فالسؤال الآن هو أليست المرأة أيضًا تعانى من تدهور الحالة الاقتصادية ومن البطالة ومن تعذر الزواج؟ إلا أنها لا تمارس العنف، واعتمادًا على ذلك فهى قطعًا أمور لا تبرر ممارسة العنف والتحرش من جانب الرجال. ورغم أننا نتحدث كنسويات كثيرًا وننادى بأهمية تحسين الحالة الاقتصادية للجميع ولكننا فى نفس الوقت لا نقتصر على ذلك، لأن تحقيقه سيستغرق أعوامًا طويلة، وبالتالى فإننا نتحدث عن أهمية حماية النساء فى الأماكن العامة والخاصة وأهمية عقاب كل من يمارس العنف أو التحرش الجنسى. خامسًا: أما بخصوص الغارمات فإن كثيرًا منهن قد اقترض أزواجهن بأسمائهن أو طلبوا منهن أن يكن ضامنات لقروضهم حتى لا يقع ضرر عليهم حين يتعثرون فى سداد القروض، وتقوم الجمعيات النسوية بمساعدة بعض الغارمات بقدر مقدراتها المالية حيث إن الجمعيات الأهلية الآن لا تستطيع الحصول على تمويل داخلى أو خارجى إلا بموافقة الأمن والتى أصبحت موافقتها شبه مستحيلة الآن. وأخيرا فإن مصر لا تكون أم الدنيا بالكلام فقط ولكنها تكون أم الدنيا عندما تمنح فرصًا متساوية لنسائها الكفوءات، وعندما يؤمن رجالها الشاغلون لمواقع اتخاذ القرار أن احتكار هذه المواقع لأنفسهم بدون مساهمة النساء الكفوءات لن تبنى وطنًا صالًحا.