بدعوة كريمة من المهندس طارق الملا حضرت صباح السبت الماضى افتتاح تشغيل مشروع إنتاج الإيثلين والبولى إيثلين بشركة ايثدكو فى مدينة العامرية بالإسكندرية، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء شريف إسماعيل وعدد كبير من الوزراء والمسئولين والشخصيات العامة، وبعض الإعلاميين. فى الفترة الأخيرة حضرت العديد من الاحتفالات واللقاءات والمناسبات الرسمية، لكن ما رأيته أمس الأول كان أمرا مختلفا، لأنه مشروع حقيقى، يمكن أن نطلق عليه مشروعا كبيرا وضخما والأهم مفيد للاقتصاد القومى، وليس فقط مجرد مشروع خدمى. إحدى مشكلات مصر الرئيسية الآن أن مصانع كثيرة توقفت أو تعطلت أو تعثرت بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة، وبالتالى فعندما يتم تشغيل مشروع ضخم مثل مشروع شركة الإيثلين، فعلينا أن نحيى كل من ساهم فى إطلاق هذا المشروع من أكبر رأس حتى أصغر عامل. طبقا لكلام المهندس طارق الملا فإن المشروع هو أكبر القلاع الصناعية من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط، باستثمارات وصلت إلى 1.9 مليار دولار، وهو شركة مصرية خالصة تساهم فيها وزارة البترول ب51٪ وبعض البنوك المصرية ب49٪، وينتج 480 ألف طن سنويا من الإيثلين و400 ألف طن من البولى إيثلين عالى ومنخفض الكثافة «70% من هذا الإنتاج سيغطى السوق المحلية، و30% يتم تصديره للخارج، بقيمة منتجات سنوية تصل إلى 660 مليون دولار». هذا المصنع يوفر نحو عشرة آلاف فرصة عمل فى مرحلتى الإنشاء والتشغيل. وهو العمود الفقرى للعديد من المشروعات المهمة التى نستخدمها يوميا. هذا المصنع ينطبق عليه مصطلح صناعة القيمة المضافة، فبدلا من تصدير الغاز أو أى منتجات بترولية أخرى، يتم تحويلها إلى منتجات صناعية، يقلل الاستيراد ويزيد التصدير ويعظم قيمة المكون المحلى فى مثل هذه الصناعة التى تدخل فى العديد من الصناعات المهمة، بدءا من الأكياس البلاستيك والمواسير ونهاية بصناعة الأجهزة الكهربائية والسيارات إضافة إلى الزراعة والإسكان. ومن النقاط الإيجابية أيضا أن هذا المصنع متوافق مع البيئة تماما طبقا لما شرحه باقتدار الدكتور خالد فهمى وزير البيئة خلال الاحتفال. المشروع الجديد لا يبدد الدولارات فى سلع ترفيهية او مستفزة، هو ليس مصنع شيبسى أو حتى مياه غازية. هو مصنع يسد جزءا مهما من الاستهلاك، خصوصا فى صناعة البتروكيماويات. لو أننا نجحنا فى إقامة وتشييد عشرات المصانع الرئيسية الكبرى مثل مصنع العامرية، فالمؤكد أن هناك أملا فى غد أفضل، خصوصا للأجيال القادمة. مشهد العمالة الفنية المدربة فى هذا المصنع، وهى تمارس عملها صباح يوم السبت، أمام الأجهزة الحساسة، يدعو إلى التفاؤل، بشرط أن ننجح فى جعل مثل هذا المصنع نموذجا يمكن تعميمه، ليس فقط فى صناعة البتروكيماويات، لكن فى العديد من مجالات الحياة. بعد انتهاء الحفل، انشغل البعض فى وسائل التواصل الاجتماعى بالجدل حول متى بدأ عمل هذا المصنع أومن الذى أطلقه؟ لن أدخل فى هذا الجدل العقيم، فالمهم بالنسبة لى هو أن هذا المجمع الضخم صار يعمل بالفعل الآن ويوفر فرص عمل للكثيرين ويجلب لنا العملة الصعبة، فى وقت نشكو فيه من تزايد البطالة. ما الذى سيفرق إذا كان هذا المصنع قد تم تدشينه فى عصر الإخوان، لكنه بدأ الإنتاج الكبير فى عهد السيسى أو أى عهد، وما هذه الخفة فى تناول الموضوعات الجادة؟!!. مشروع عملاق مثل هذا هو مكسب لكل المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم أو أفكارهم أو أديانهم. مثل هذا النوع من الجدل، يكشف أن هناك فريقا لن يكون سعيدا أو مستريحا لأى مشروع إنتاجى حقيقى طالما أنه يتم تدشينه الآن. لو صح مثل هذا الظن، فتلك كارثة كبرى، لأنها تكشف أن الاستقطاب والكراهية وصلا إلى مرحلة خطرة، صارت تبحث عن تشويه أى إنجاز حتى لو كان مفيدا للجميع. اختلفوا مع الحكومة كما تشاءون حين تخطئ، وهى تخطئ كثيرا بالفعل، لكن حين تنجح وتجيد قولوا لها: أحسنتم.