الرقابة أصرت على وضع جملة «موجهة» فى بداية العرض رغم أنها لم تحذف مشهدا واحدا حزنت من هجوم الإعلام المصرى على الفيلم فى وقت أشاد به نجوم عالميون يعتبر المخرج محمد دياب فيلم «اشتباك» بأنه بمثابة حلم تحقق بالنسبة له، ورغم لهجوم الذى واجه الفيلم، حتى قبل عرضه، يؤكد أن العمل لا يروج لأى وجهة نظر سياسية ولا يستقطب شريحة دون أخرى ولكنه محايد للغاية يدور حول الهيستريا التى نعيشها الآن وكيف أنها ممكن أن تدمر المجتمع. فى الحوار التالى يتحدث محمد دياب ل«الشروق» عن مشاعره المتناقضة بين الفرحة التى شعر بها وقت عرضه فى مهرجان كان وإشادة نجوم عالمين به وبين الانتقاد والهجوم الذى واجهه الفيلم حتى قبل عرضه أصلا – إضافة إلى محاولات التضييق عليه بشتى الطرق. ** هل صحيح أن فكرة فيلم «اشتباك» مقتبسة من حادث سيارة الترحيلات؟ بالطبع لا فهو ليس له علاقة بهذا الحادث على الإطلاق، وجاءت فكرة الفيلم أننا كنا نريد تقديم فيلم فى لوكيشن واحد وفى ذات الوقت يكون به تحدٍ إخراجى ومتعة بصرية وجذب درامى للجمهور وأكشن، وليكون الفيلم فيه تحدى إخراجى كبير فليس سهلا أبدا عمل فيلم فى لوكيشن واحد ويجمع عددا كبيرا من الممثلين، فالفيلم التحدى الحقيقى فيه هو الإخراج، ويكمن فى كيف يمكن للمخرج أن يجعل المشاهد مستمتع على مدى ساعة ونصف طوال أحداث الفيلم، الذى يدور فى مكان واحد، ومن هنا بدأت فكرة تقديم فيلم فى عربة ترحيلات، التى اخترناها بالذات لأنها تنطوى على تنوع كبير على مستوى الشخصيات ومستوى البصر لأنها سيارة متحركة. وكل هذا بالإضافة إلى أننا أردنا جمع عدد كبير من الناس المختلفين فكريا وعقائديا فى مكان واحد ضيق ومشاهدة كيف سيتصرفون مع بعضهم البعض. ** بالنسبة للعرض فى مهرجان «كان».. هل كنت تتوقع الموافقة عليه من إدارة المهرجان وكيف استقبلت الخبر؟ أنا كمخرج للفيلم قلت للكاست لو الفيلم تم عمله بحرفية عالية وخرج فى أبهى صورة فسنذهب بالتأكيد إلى مهرجان كان، وأريد أن أقول إن هذا الفيلم تم صنعه على مدى سنة ونصف السنة وتمت كتابته نحو 14 مرة، وكلها مختلفة تماما، وبالنسبة لعربة الترحيلات فقد بنيناها بالكامل من الخشب وتمرنا عليها لمدة 6 أشهر. أما اللحظة التى اختير فيها فيلمنا للمشاركة فى قسم نظرة ما فى مهرجان كان فقد كانت لحظة تاريخية فى حياتى أنا شخصيا لأنى شعرت أن حلمى تحقق. ** ألم تحزن لأنه خرج بدون جوائز؟ يكفينى عرضه فى مهرجان كان، فمجرد العرض فى مهرجان بهذا الحجم والسمعة كأنه أعطى ختم الجودة للفيلم، مثل الأعمال التى تترشح للأوسكار ولا تنال الجائزة، ولكن يبقى فى تاريخها أن هذا الفيلم رشح للأوسكار. وبالمناسبة يكفينى إشادة كبيرة من نجوم كبار وصحافة عالمية، فمجلة هوليود ريبورتر كتبت عنه أنه جوهرة مهرجان كان واخترته واحدا من أهم الأفلام المعروضة فى المهرجان، فضلا عن رسائل خاصة أرسلت لى من قبل توم هانكس ودانيال كريج يصفون لى مدى اعجابهم بالفيلم، ومدى أن الفيلم نور له وجهة نظره عن الوضع فى الشرق الأوسط ومصر. * هل هذه الاشادات عوضتك عن الهجوم الذى واجهه الفيلم فى مصر من التلفزيون الحكومى وقت العرض فى مهرجان كان؟ لا أنكر أننا حزننا للغاية من الهجوم والانتقاد الذى واجهه الفيلم بدون مشاهدته أصلا، وأنا متأكد أن أول من هاجموا الفيلم لو شاهدوه سيغيرون من رأيهم كليا، واللغط الذى دار حول الفيلم كان بدون مشاهدته أصلا، وفى الفيلم نحن لم نطرح أى وجهة نظر على الإطلاق، وهو يتحدث فقط عن حالة الهيستيريا الموجودة فى مصر، فالفيلم فكرته الوحيدة التى نريد توصيلها للجميع أن الاستقطاب الفكرى والأيديولوجى سيقضى على الجميع، والفيلم دعوة للتفكير ولا يطرح أى حل على الإطلاق، فقد وصلنا لحالة هيستريا ستقضى علينا جميعا، والسينما مهمتها أن تسلط الضوء على مشكلة ما وتترك الحل فى أيدى المسئولين عنها. ** لكن بالتأكيد أن يأتى الانتقاد من الإعلام المصرى الرسمى فهو أمر صعب؟ بالمناسبة أنا توجهت للإعلام الرسمى وشرحت لهم أن الفيلم يعيد كل البعد عما ينتقدونه فيه أصلا. وبالمناسبة الهجوم على الفيلم لم يأت من جهة واحدة فقط، ولكن أسبوعيا نفاجأ بمقالة أو اثنين عبارة عن هجوم ضارى على الفيلم، وكان هذا حتى من قبل نزوله فى دور العرض، فضلا عن حملة تشويه ضدى وضد معز مسعود. ** علمنا أنكم واجهتم صعوبات كثيرة لكى يخرج هذا الفيلم إلى النور؟ هذا صحيح فقد تأخير تصريح الرقابة كثيرا، والمصمم العالمى الذى صمم بوستر الفيلم لم يتم إعطاء هذا البوستر تصريح بعرضه، فضلا عن إصرار الرقابة على وضع جملة فى بداية الفيلم جعلته يبدو كأنه موجه مع أنه محايد للغاية، فأنا كسينمائى أرفض الاستقطاب وتوجيه الجمهور، ورغم ذلك فإن الرقابة لم تحذف مشهد واحد أو جملة واحدة من الفيلم، وأن السيناريو تم التصريح بتصويره بدون إبداء أى ملاحظات. أما بعدما شاهدوا الفيلم عقب انهاء تصويره لكى يعطوه تصريح العرض فإنهم أصروا على وضع هذه الجملة فى بداية الفيلم والتى تبدو موجهة لحد كبير. ** وهل صحيح أن موزع الفيلم انسحب قبل عرضه بأسبوع واحد فقط؟ هذا حقيقى فقد فوجئنا بانسحابه من التوزيع بدون إبداء أى أسباب على الإطلاق، ولكن الحمد لله الجمهور أنصفنا بعد ذلك. وكان هناك محاولات عديدة لكى يخرج الفيلم ميت ولا يشاهده أحد، بدأت بانسحاب الموزع ثم محاولات التضييق على الفيلم بدءا من الجملة الموضوعة فى البداية إلى عدد النسخ القليلة وعدم وجود دعاية مناسبة للفيلم، وبالتالى فإن الفيلم ينزل ميت ولا يشاهده أحد أصلا. ** هل دفعت ثمن وجهة نظرك خصوصا فى فيلمى اشتباك و678؟ لا أبحث عن الجرأة بقدر بحثى عن شىء أؤمن به وأحبه، وهذين الموضوعين الذى أخرجتهما كان لدى استعداد تام لأن أدفع ثمن وجهة نظرى فيهما لأنه مهم للغاية أن يعبر أحد عن حالات معينة ولا نسكت عنها، فمثلا فى فيلم اشتباك أردت أن أقول إن مصر حاليا تعيش حالة من الهيستيريا ولابد أن نقف مع أنفسنا لكى تتوقف هذه الهيستريا التى ممكن أن تقضى علينا. ** وماذا عن التصوير.. ما أبرز التحديات التى واجهتها فيه؟ التصوير كان صعبا للغاية لأنه يدور فى سيارة ضيقة وكيف يمكن للمصور أن يتحرك برشاقة من وسط 25 شخصا، وهذا بالطبع اقتضى منا تدريب لوقت طويل. وكان من أصعب المواقف هو تصوير مشاهد الأكشن والكاميرا داخل سيارة الترحيلات، فضلا عن التصوير فى مواقف صعبة كثيرة أخرى ومنها مثلا كيفية تصوير 800 شخص فى آن واحد داخل مشهد واحد ولا يبدو مملا أو متسرعا.