النفط يهبط وسط مخاوف بشأن النمو في أمريكا والصين    حماس: تصريحات سموتريتش اعتراف صريح بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بنية مبيتة لا تقبل التأويل    ملك بريطانيا يبعث برسالة دعم لبايدن بعد تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا    قمة خامسة.. الزمالك يهزم الأهلي في نصف نهائي دوري السوبر للسلة    الإسماعيلي: سنحل ازمة القيد بعد البقاء في الدوري    مباحث الجيزة تكشف ملابسات فيديو "خناقة المنيب"    رفع وإزالة 230 حالة إشغال بالسوق التجارى وشارع 23 يوليو بإدفو    ب"طعنة في القلب".. إعدام قهوجي قتل شابًا أمام مقهى بالجيزة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة يكشف سبب إيقاف معاش والده وتفاصيل حالته الصحية    "بيقولو اني مش شبه بابا".. نجل كريم عبدالعزيز يكشف حقيقة الشبه بينه وبين والده    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    حقيقة انتشار فيروس خطير في مزارع الدواجن.. فيديو    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    شعبة مستحضرات التجميل تدعو لاجتماع لمناقشة تحديات المصانع غير المرخصة    خالد الجندي: الحجاب فرض على المرأة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية    بشروط وضوابط.. هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟    الإغاثية الطبية في غزة: لا يمكن للاحتلال أن يكون موزعًا للمساعدات وهو يقتل المدنيين    مجانًا ضمن مبادرة «حياة كريمة».. جامعة سوهاج تطلق قافلة طبية ب«الكوامل بحري»    العثور على 5 جثث أثناء تنقيبهم عن الذهب في منطقة العلاقي الجبلية بأسوان    إصابة صاحب فرن بطعنة نافذة في مشاجرة على الخبز    احتجاجا على زيادة الرسوم القضائية..المحامون يواصلون إضرابهم عن حضور جلسات محاكم الجنايات    الموساد يكشف عن 2500 وثيقة وصورة وممتلكات للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين    عرض الوصل يضيء خشبة مسرح قصر ثقافة الزعيم بأسيوط حتى الخميس المقبل    "منتصف النهار" يسلط الضوء على هدنة ال60 يوما بغزة وقمة مصر ولبنان بالقاهرة    ب 157.1 مليون جنيه.. مصر على قمة شباك تذاكر السينما في السعودية (تفاصيل)    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    رسوم ترامب الجمركية تلقي بظلال سلبية على توقعات نمو الاقتصاد الأوروبي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يطلق خطة تحويل «القاهرة» إلى مدينة خضراء    أيقونة "رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر" هدية للبابا لاون الرابع عشر    إيمان العجوز نائبًا لأمين عام حزب الجبهة الوطنية - (تفاصيل)    على نفقته الخاصة.. الملك سلمان يوجه باستضافة 1000 حاج وحاجة من الفلسطينيين    الإسراع بتعظيم الإنتاجية.. وزارة البترول تكشف معدلات إنتاج حقول بدر الدين    قتلى وجرحى بانفجار في جنوب غرب باكستان    وزير الإنتاج الحربي: نعمل على تطوير خطوط الإنتاج العسكرية والمدنية    الكاتب الصحفي كامل كامل: تقسيم الدوائر الانتخابية يضمن العدالة السياسية للناخب والمرشح    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    «لا نقاب في الحرم المكي».. عضو مركز الأزهر توضح ضوابط لبس المرأة في الحج    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    مانشستر يونايتد يقترب من الإعلان عن أولى صفقاته الصيفية    روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    الموافقة على دخول المساعدات لغزة بشكل عاجل وفوري    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى تشريح جمهورية الخوف
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 06 - 2016

بسرعة هائلة، تتراكم السوابق السلبية المتصلة بقضايا الحقوق والحريات فى بر مصر. تتعدد حالات «الوفاة» داخل السجون وأماكن الاحتجاز، توثق المنظمات الحقوقية المستقلة لأسماء تتزايد لضحايا القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، تستطيل قوائم القابعين وراء الأسوار لأسباب سياسية لتجعل «الحالة المصرية» (عدد الأفراد المسلوبة حريتهم بالنسبة إلى إجمالى عدد السكان) من بين الأكثر سوءا عالميا. وإلى هذه السوابق الكمية يأتى طيف من السوابق النوعية كعزل المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزى للمحاسبات ثم إحالته إلى المحاكمة، والاقتحام الأمنى لنقابة الصحفيين متبوعا بإحالة النقيب وبعض أعضاء مجلس النقابة إلى المحاكمة، والتوسع فى توظيف قرارات المنع من السفر والحجز على الأموال لإنزال العقاب بغير الممتثلين من المواطنات والمواطنين.
هذا التراكم الكمى والنوعى لسوابق انتهاك الحقوق والحريات يعنى، أولا، الاستحالة الموضوعية لإنكار الظلم والمظالم من قبل الحكم ومؤيديه «بفاعلية» تتماثل مع وضعية صيف 2013 حين تمكنت من أغلبية المصريات والمصريين هيستيريا نزع الإنسانية وعمليات غسل الأدمغة وتزييف الوعى التى أدارتها مؤسسات رسمية وأذرع إعلامية، ودفعتهم إلى هاوية إنكار الظلم والانتهاكات والدفاع عن سجل حكم متورط منذ مجيئه فى استباحة كرامة المواطن. اليوم، وبعد مضى ثلاثة سنوات على البدايات البائسة، لم يعد يصدر لا عن الحكم ولا عن مؤيديه الكثير مما يفيد إنكار انتهاك الحقوق والحريات. على النقيض من ذلك، تصر المؤسسات الأمنية ومؤسسات أخرى على مواصلة انتهاك الحقوق والحريات دون مبالاة بإنكار، وبلسان حال هو إلى الإفصاح بتعمد إيذاء المعارضين والمختلفين وغير الممتثلين أقرب. أما جموع المؤيدين فقد استداروا بعيدا عن خانات التبرير، لينفتحوا على ادعاءات متوهمة بشأن «صراعات الأجهزة والأجنحة» وكون الحقوق والحريات تذبح من قبل البعض داخل «بنية الدولة» ويتبناها البعض الآخر. ينفتحون على مثل هذه الادعاءات، بينما الحكم يتصرف وفقا لنص سلطوى وقمعى واضح لا لبس فيه ولا تضارب فى مواقف منفذيه.
●●●
ثانيا، يؤشر التراكم الكمى والنوعى للسوابق السلبية لانتهاك الحقوق والحريات إلى إدراك الحكم لمحدودية فاعلية أدواته غير القمعية، وصعوبة التعويل على حديث «الإنجازات القادمة» بمفرده لإقناع الناس بحتمية تأييد الحاكم والامتناع عن معارضة قراراته وسياساته. لم يعد الترويج الرسمى «للمشروعات الوطنية ولعوائدها الكبرى» كافيا لكى يتوقف المواطن عن طرح تساؤلات بشأن أسباب التدهور المستمر فى ظروفه المعيشية أو عن الحقائق المتعلقة بمحاربة الفساد والحد من تأثيره السلبى على حياة الناس. لم يعد تغليب قطاعات شعبية ليست بالصغيرة لثقتها فى الحكم على الخوف والقلق من أفعاله كافيا لأن يتجاهل هؤلاء اقتراب المظالم والانتهاكات من دوائر حياتهم اليومية وإفسادها لفرض الصمت دون وخز الضمير أو تمرد العقل. لم يعد أمام حكم يرى فى إخضاع الناس «ضرورة للاستقرار» وفى تغييب أصوات المعارضين «دفاعا عن الأمن القومى» وفى إنزال العقاب بالمختلفين وغير الممتثلين «ضمانة لإدارة شئون البلاد بكفاءة»، لم يعد أمامه غير الأدوات القمعية التى تستطيع أن تطول الجميع.
يدلل تراكم الانتهاكات، ثالثا، على عدم انزعاج الحكم فى مصر من ردود الأفعال الدولية (حكومية وغير حكومية) المحتملة. قد يستند عدم الانزعاج إلى قراءة واقعية لمصالح القوى الغربية التى تعانى الأمرين فى الشرق الأوسط إن من داعش أو من أزمة اللاجئين أو من انهيار الدول والمجتمعات فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، ولا تريد لمصر سوى البقاء بعيدة عن الانهيار.
قد ينبنى عدم الانزعاج على اعتراف ضمنى من قبل الحاكم والمؤسسات الرسمية بخطورة التحديات التى تواجهها مصر بسبب الإرهاب فى سيناء ومناطق أخرى وبسبب قسوة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم المطالبة «الفعالة» لحكومات الغرب بالتركيز على دعم الجهود الرسمية المصرية لمحاربة الإرهاب والمساعدة فى احتواء الأزمات التى تحاصر البلاد. قد يتأسس عدم الانزعاج على إدراك الحكم لمحدودية دور المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان النشطة فى الغرب فيما خص صياغة السياسات المتعلقة بمصر فى لحظة داخلية تبدو بها السلطوية دون بديل والديمقراطية دون طاقات للتغيير، وفى لحظة إقليمية بها عديد الكوارث الأخرى التى تتجاوز المظالم والانتهاكات التى تسببها على هوامش الدماء والدمار مجمل ما يحدث فى مصر، وفى لحظة غربية بها صعود للفاشية غير المكترثة بالحقوق والحريات إلا داخل الغرب. لكل ذلك لا يتردد الحكم فى تعميم توظيف الأدوات القمعية وصناعة الخوف غير مبالى بردود الأفعال المحتملة من غرب يبحث أيضا عن حماية مصالحه الاقتصادية والتجارية مع مصر.
●●●
رابعا وأخيرا، ليس للتراكم الكمى والنوعى لسوابق المظالم والانتهاكات التى يتورط بها الحكم من عنوان عريض سوى «لم تتعلم السلطوية الجديدة فى مصر لا من عبر سقوط سابقتها ولا من دروس انهيار الحكومات المستبدة فى عالمنا المعاصر»، والعبر والدروس هذه لا تستعصى على الاستخلاص. يستحيل إنكار الانتهاكات إلى ما لا نهاية، يستحيل تزييف وعى الناس بحديث إنجازات أو مقولات تآمر إلى ما لا نهاية، تستحيل ممارسة القمع وصناعة الخوف إلى ما لا نهاية، يستحيل تصور إيجابية نظرة الغرب والأطراف الخارجية الأخرى إلى حكم يرتكب مظالم وانتهاكات غير مسبوقة إلى ما لا نهاية.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.