- الفيلم الفلبينى يؤكد توغل فساد الشرطة فى قلب المجتمعات الفقيرة - ميندوزا يعود بقوة الواقعية المدهشة.. وأداء مبهر لجاكلين جوسى لأم تكافح من أجل البقاء بدون شك يأتى الفيلم الفلبينى Ma'Roza أو «ما روزا» إحدى أهم مفاجآت مهرجان «كان» السينمائى الدولى، فرغم أنه كان ضمن عروض المسابقة الرسمية، إلا أن المعلومات المتوفرة عنه كانت قليلة للغاية حتى قبيل انطلاق المهرجان، ولذا كان هناك شغف كبير لمعرفة ماذا سيطرح المخرج بريلانتى ميندوزا فى عمله الجديد، والذى شارك فى «كان» ثلاث مرات سابقة، نال فى إحداها جائزة أحسن مخرج عام 2009 عن «كيناتاى Kinatay»، والواقع إن ميندوزا قدم على مدى 110 دقائق، قنبلة سياسية واجتماعية فى صورة تحفة سينمائية، قلبت بحق الهاجس الذى يتردد بداخلنا من الفساد والعنف، وأصبح متوغلا فى صفوف الشرطة إلى حقيقة كبرى، ويبدو أن هذا القبح والفساد أصبح متوغلا فى المجتمعات الفقيرة والمكافحة، كما لم يخلو الفيلم أيضا من الإشارة إلى الدولة الغائبة عن كل شىء. «ميندوزا» كان صادما فى طرحه للقضية، كان حواره مؤلما، وصورته أكثر شفافية من الواقع نفسه، وكان السيناريو شديد الإحكام والذكاء وهو يقدم القصة وشخوصها، زمانها ومكانها، بإيقاع هو إيقاع الحياة، وزمن نحياه جمعيا مع أنفسنا وأبطال العمل. قصة فيلمنا تدور حول أم مجتهدة لأربعة أولاد «روزا» تدير بجانب زوحها الكسول متجرا صغيرا فى أكثر المناطق فقرا بمانيلا وتلجأ لبيع المخدرات بشكل سرى فى منطقة أخرى من أجل الإيفاء باحتياجات أسرتها من حلوى وحليب وارز من أجل البقاء، وفجأة نرى سيارة البوليس، وقد جاب صوت صافرتها الشهير أرجاء المنطقة، لتداهم منزل روزا ويتم القبض عليها وزوجها، ويتم تقيدهما من الخلف بالكلبشات، فى مفاجأة أولى للمشاهد، الذى شاهد السيدة، وهى تكافح تحت الأمطار فى إحضار طلبات عائلتها، وفى قسم الشرطة كشفن ميندوزا، كيف أصبح الوضع خطيرا، وكيف توغل الفساد، فحينما وصلت السيدة طلب منها الضابط أن تخبرهم عن من يمولها، وفى المقابل سيتركها هى والزوج، وتحت الضغط تخبرهم روزا بالفعل، وتساعدهم فى القبض على الشاب بائع المخدرات «جومار»، ويتم إحضاره إلى القسم، وهناك يأخذون منه الأموال التى معه، ويعطونها للضابط المسئول، والذى نراه يذهب بها إلى ضابط أكبر، وهنا يبدو الفساد لم يقتصر فقط على ضابط القسم، بل متورط به آخرون كبار، ثم يساوم الضابط نفسه تاجر المخدرات بعد تعذيبه، بأنه لابد أن يحضر خمسون ألفا من الأموال ثم يطلبون مائتى ألف كرشوة من روزا وزوجها، كبتزاز صريح، وهنا يتجه بنا ميندوزا إلى مرحلة أخرى هى الأجمل، وكأن خط الجمال أصبح تصاعديا فى العمل، حيث نرى الأبناء الثلاثة لروز، وهم مجتمعون كيف سيدبرون المبلغ من أجل إخراج أمهم وأبيهم، الابن الأكبر «جاكسون» الفهلوى بعض الشىء، يقوم ببيع جهاز التليفزيون الخاص به فى السوق وبثمن رخيص، والابن الصغير «راكيل» يستسلم للممارسة الشذوذ الجنسى مع رجل وجيه من أجل جمع جزء من المال للمساعدة، بينما الابنة «نيستور» تلجأ للاستدانة من أشخاص لا تحبهم، وبالفعل يستطيعون جمع المبلغ إلا خمسة آلاف، ويرفض الضابط كل المحاولات. وهنا تقول له الأم سأذهب لإحضارها، وتسير فى الشارع بلا هدف، وكم كان التصوير رائعا عبر الكاميرا المحمولة المهتزة التى تشير إلى اهتزاز المجتمع، وأخذنا المخرج إلى داخل الأحياء المزدحمة بالبشر والجريمة والضعف الإنسانى، وكأنها كاميرا فيديو قديمة، لكن الأمطار كانت حاضرة طوال لتزداد الصورة جمالا واقعيا فى دهاليز وشوارع مانيلا الحقيقية، وتحت إضاءة طبيعية لتبدو الصورة ضبابية بكل تفاصيلها الجوهرية، سارت روزا فى أداء رائع لتحصل على الخمسة آلاف المتبقية بعدما باعت إحدى زينتها، وتضعها فى جيبها وتسير منهكة، وتقف لتشترى حلوى وتأكلها ببطء والدموع تملأ عينيها بنظرة شاردة إلى لا شىء، والكاميرا مسلطة على وجهها لتقول كل شىء، وكأنها تتوجه بكل آلامها وصمتها ووجعها للمجتمع كافة، وحتى هذا المشهد تفوقت شاعريته على رسالته، وهو ما جعل تأثيره الفنى قويا. تعاطفنا كثيرا مع البطلة طوال الوقت، هكذا أراد المخرج، رغم أن هناك سلوكا خطأ بتوزيع المخدرات، لكنها دراما الحياة وسط هذا الحجم من الفساد والظلم داخل الشرطة، وقد تستسلم أنت بأن «روزا» لم يكن لديها سوى هذا الطريق فى هذه الدراما العائلية السياسية بواقعيتها المفرطة والفضل أيضا يعود لكاتب السيناريو تروى إسبيريتو الممثلة جاكلين جوسى قدمت أداء مبهرا ورائعا فى دور روزا، حيث توغلت فى أعماق الشخصية فى عدة مشاهد، بالإضافة إلى المشهد الأخير الذى صفق له الجمهور طويلا، وتستحق به جائزة كبرى، وكذلك ميندوزا العميق. بينما أجاد فى الأداء أيضا جولى دياز فى دور الزوج نيستور، وفيلكس روكو «جاكسون» وأندى إيجنيمان فى دور راكيل، وتاجر المخدرات الشاب جومار.