681 شكوى بشأن البنزين المغشوش.. متحدث البترول: أغلبها في منطقة جغرافية واحدة    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    منتخب مصر للشباب يلدغ تنزانيا ويتأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    "الكل يلعب لصالح الأهلي".. تعليق مثير للجدل من عمرو أديب على تعادل الزمالك وهزيمة بيراميدز    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    من هو السعودي حميدان التركي الذي أفرجت عنه أمريكا بعد 20 عاما في السجن؟    «زي النهارده».. نيلسون مانديلا رئيسًا لجنوب أفريقيا 10 مايو 1994    جريح جراء إلقاء مسيرة إسرائيلية قنبلة على بلدة جنوبي لبنان    النائبة سميرة الجزار: أحذر من سماسرة يستغلون البسطاء باسم الحج    غدا انطلاق هاكاثون 17.. وحلول تكنولوجية لأهداف التنمية الاكثر الحاحا التعليم والصحة والطاقة والتنمية والمناخ    حزب الجيل بالمنيا ينظم جلسة حوارية لمناقشة قانون الإيجار القديم.. صور    إعلان حالة الطوارئ في الغربية للسيطرة على حريق شبراملس    مدرس واقعة مشاجرة مدرسة السلام: «خبطت طالب علشان يتعلم بعد ما رفض ينقل من السبورة»    كنت عايشة معاهم، سوزان نجم الدين توجه رسالة غير مباشرة إلى محمد محمود عبد العزيز بعد أزمة بوسي شلبي    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    حبس المتهم بإلقاء زوجته من بلكونة منزلهما بالعبور.. والتحريات: خلافات زوجية السبب    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    الكرملين: الجيش الروسي يحلل الهجمات الأوكرانية في ظل وقف إطلاق النار    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    «بنسبة 90%».. إبراهيم فايق يكشف مدرب الأهلي الجديد    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    وزير سعودي يزور باكستان والهند لوقف التصعيد بينهما    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة    محاكمة 9 متهمين في قضية «ولاية داعش الدلتا»| اليوم    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    مصر في المجموعة الرابعة بكأس أمم إفريقيا لكرة السلة 2025    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم السبت 10 مايو في الصاغة (تفاصيل)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 10 مايو 2025    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أحوال التنوع الثقافي المضطربة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2009

في حديث حول إدارة التنوع الثقافي أنتقد السيد ياسين عدم حداثة الخرائط المعرفية التي تضم أشكال التنوع العرقي والديني واللغوي في المنطقة العربية. وذهب الدكتور جابر عصفور إلي القول بأنه لا توجد خريطة من الأصل لتضاريس التنوع الثقافي في المحيط العربي.
دار حوار حول كلا الرأيين. وكان واضحا أن مفهوم "الأقليات" هو الغالب علي النقاش، رغم أنه تحول إلي مفهوم "سيئ السمعة"، يعتري من يستخدمه حالة اعتذاريه.
بصرف النظر عن هذا السجال الذي لا محل له الآن، فإن النتيجة التي يمكن أن نخلص إليها هي أن هناك حاجة إما إلي تحديث خريطة أشكال التنوع الحالية، أو وضع خريطة للتنوع تأخذ في اعتبارها ما شهدته المنطقة العربية من تحولات في الفترة الأخيرة، والتي من أهم ملامحها تصاعد النزعات الطائفية والمذهبية علي نحو غير مسبوق، وتحولها إلي مشروعات إيديولوجية وسياسية متكاملة، بعضها عابر للحدود، تقدم الهوية وشبكات الآمان الاجتماعي، والقيادات الشعبية غير الفاسدة، والدعم المالي لأعضائها في مقابل أن يتخلي رعاياها عن الولاء للدولة، أو علي الأقل يضعون الولاء للطائفة أو للجماعة الدينية أو المذهبية في المقدمة. وهناك حالات تحولت فيها مؤسسات الدولة إلي مجرد إطار لا أكثر لضبط التفاعلات بين الكيانات الطائفية، وتوزيع الأنصبة فيما بينها.
(1)
هناك بالفعل حاجة إلي وضع خريطة لتضاريس الجماعات العرقية والدينية والمذهبية، والتي يعبر صعودها، وعلو صوتها، عن عدم اكتمال عمليات بناء الدولة القومية الحديثة، علي نحو جعلها في خدمة الجزء، واستغراب، وملاحقة، وربما تصفية بقية مكونات المجتمع. الإشكالية الحقيقية التي سوف ترتطم بها أية جهود بحثية لرصد أشكال التنوع هو تباين الوزن النسبي للتكوينات المعبرة عنه، مما يجعل وضعها جميعا في سلة واحدة مسلكا غير علمي.
من ناحية أولي، الأقليات في المنطقة العربية متباينة في نظرتها إلي الدولة القومية. هناك أقليات تريد ذاتية سياسية مستقلة، أو علي الأقل يطرح فريق من أبنائها ذلك مثل الأكراد وقبائل جنوب السودان، وهناك جماعات دينية أخري مثل المسيحيين في المنطقة العربية، وأكبرهم عددا الأقباط في مصر، أقصي ما يطمحون إليه هو المساواة والمشاركة في مشروع الدولة القومية.
ومن ناحية ثانية، الأقليات في المنطقة العربية متباينة فيما تمتلكه من مؤسسات. هناك أقليات تمتلك مؤسسات سياسية تمثيلية وتعبوية وخدمية متطورة، قوية، ومتغلغلة، تنازع الدولة في ولاء المواطنين لها، وهناك أقليات فقيرة في التكوين المؤسسي، يدور جٌل اهتمامها حول تقديم خدمات رعائية لأتباعها، وإظهار الولاء المطلق للنظام الحاكم.
ومن ناحية ثالثة، الأقليات في المنطقة العربية متباينة فيما يتوفر لها من مظاهر "القوة الخشنة"، هناك أقليات لديها قوات نظامية، وأجهزة استخبارات، وأسلحة متطورة قد تفوق ما يتوفر لدي الدولة ذاتها، وهناك أقليات تخشي أن يكون لديها بعضا من مظاهر القوة الخشنة، بل قد تسارع إلي نفي واستنكار أية أصوات تدعو إلي ذلك.
ومن ناحية رابعة، الأقليات في المنطقة العربية متباينة فيما تمتلكه من "امتدادات خارجية"، هناك أقليات لديها جماعات متحدثة باسمها في الخارج، قوية وفاعلة، نافذة لمستويات صناعة القرار في العواصم الغربية المهمة، وهناك أقليات أخري تخشي مجرد اتهامها بأنها تسعي إلي التواصل مع "مراكز التأثير" في الخارج عبر الجماعات المنتمية لها، والمعبرة عنها.
ومن ناحية خامسة، الأقليات في المنطقة العربية تشهد حالات من التباين الداخلي، يصل إلي حد الخلاف العميق، لا يصح اختزاله أو تجاوزه. المنطق "الاختزالي"، وسياسات "التنميط" التي تحكم النظرة لكل ما هو مختلف عرقيا أو دينيا أو مذهبيا تطمس حالات شديدة من التباين الاقتصادي والسياسي والثقافي بين المنتمين لذات العرق أو الدين أو المذهب، مما يجعل اللون الواحد للجماعة العرقية أو الدينية أو المذهبية غير واقعي.
(2)
المشهد معقد، بما لا يحتمل التهوين منه، ولاسيما أن التكوينات العرقية والدينية والمذهبية حين تبلغ لحظة من التبلور، والتطور، رأسيا وأفقيا، تتجه تلقائيا إلي إنتاج ما سماه –روبرت بوتنام- "الوجه المظلم من التضامن الإنساني"، ويعني خلق حالة من العزلة لدي المنتمين لها، وتحويل المختلفين إلي أعداء، ينبغي استرابتهم وإن اقتضي الأمر مواجهتهم، والشعور بالتضامن الاستبعادي المتمحور حول "العرق" أو "الدين" أو "المذهب"، بما يلغي كافة أشكال التباين في المجتمعات الحديثة التي تقوم علي العضوية الاختيارية السياسية، والنقابية، والتطوعية. ومما يزيد من تعقيد الموقف أن هويات الأفراد تصبح أكثر فأكثر "هويات جامدة"، لا تعرف قبولا للتنوع، أو تسامحا مع الاختلاف، والذي يتحول في ذاته إلي عيب نداريه، أو مرض نكافحه، أو علي أحسن تقدير حالة استثنائية نسعى إلي الإفلات منها.
(3)
نخلص مما سبق أن التنوع حقيقة إنسانية، والمشكلة تكون في "إدارته". إذا كانت إدارة رشيدة يصبح التنوع تلقائيا أحد عناصر "القوة الناعمة" التي تمتلكها الدولة، وحين تكون إدارة التنوع غير رشيدة نجد أشكالا من التفسخ الاجتماعي تترواح بين الاحتقانات الطائفية، وبين الحروب الأهلية في ساحات القتال، وفي مؤسسات السياسة. في "مؤتمر إدارة التنوع الثقافي"، الذي عقده "منتدى حوار الثقافات" في بيروت الأسبوع الماضي، أنصب حوار المثقفين العرب حول الأشكال الرشيدة، وغير الرشيدة لإدارة التنوع، وعوامل الاندماج وأسباب التفكيك. ولكن تظل الإشكالية، التي تحتاج إلي تصميم لهندسة سياسية اجتماعية عربية، هي كيف يمكن أن يتحول التنوع الثقافي إلي حالة من التعددية السياسية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.