كأنها كانت المعركة الكبرى.. الحاسمة والفاصلة.. التي سعت إليها الكرة المصرية وأرادت خوضها والانتصار فيها لتسترد مكانتها القديمة وكل نفوذها الذي أوشك أن يضيع بعد يناير.. لكن المعركة انتهت للأسف بهزيمة الكرة وخسارتها لما تبقى لها عند المصريين من أرصدة الحب والاحترام والاهتمام.. وبعدما كانت الكرة بالنسبة لكثيرين منا فرحة نخاف ألا نلحق بها.. باتت الآن فضيحة نخاف أن تلحق بنا.. وعلى عكس ما كان متوقعا.. لم تأت ردود الأفعال على فضيحة ما جرى في استاد القاهرة أثناء مباراة الزمالك والإفريقي كما هو المعتاد والمتوقع.. تبادل للاتهامات وتناثر آراء وتضارب مواقف حسب الهوى والمزاج الشخصي والانتماء للألوان والأسماء، وإنما كانت ردود أفعال ضاقت في معظمها باللعبة نفسها.. شعور جماعي بالاستياء والقرف والأسى والخجل.. حتى إن رئيس الوزراء قرر في لحظة إلغاء الدورى العام لهذا الموسم فلم يلق هذا القرار اعتراضا أو استياء من أحد حتى من أصحاب المصالح المباشرة المرتبطة بالدوري.. فقد الجميع أي حق وأي رغبة في الدفاع عن الكرة التي خذلتهم كلهم.. وعلى الرغم من أنني في هذا المكان، وقبل أيام قليلة وكثيرة، طالبت بإلغاء الدوري لأنه مستحيل أن يكتمل في الظروف التي نعيشها.. فإنني لن أستطيع مثل غيري إعلان الخصومة مع الكرة وإنهاء علاقتي بها.. وسأبقى عاشقا لهذه اللعبة الجميلة.. لكن لن يدفعني العشق للقبول بأي شيء ولن يمنعني من رؤية العيوب، ولهذا أصرخ اليوم مطالبا بتحقيق حقيقي فيما جرى في استاد القاهرة.. تحقيق عادل ونزيه دون أي مجاملة أو خوف أو استثناء.. من الذي حرض وخطط وقاد ومن الذي فتح الأبواب ومن الذي أسهم وشارك وأراد وكسب بهذه الفوضى.. وأيا كان من تثبت إدانتهم فلا رحمة أو تهاون وغفران ولا اختلاق لأعذار وتفاسير تعفي من المساءلة والعقاب.. لدينا تصريحات سبقت المباراة ودعاوى للتحريض والجنون والأهم لدينا لقطات كثيرة ترصد تفاصيل ما جرى وكل الذين نزلوا إلى الملعب يريدون تحطيم وتشويه كل شيء والاعتداء على أي أحد في سلوك همجي فاضح ومشين.. ولست هنا أريد القيام بدور القاضي فأستبق هذا التحقيق وأحدد الجناة وأختارهم حسب هواي ورؤيتي الشخصية.. ولكنني سأسكت احتراما لهذا التحقيق وانتظارا لنتائجه.. ولن أسكت بعدها إن قيل لي إنهم بسطاء مضحوك عليهم أو طلبة قد يضيع مستقبلهم.. كما أرجو أن يحترم التحقيق أيضا ويسكت كل هؤلاء الذين بدأوا يعلقون كل الخطايا على الشماعات الجديدة في حياتنا.. الثورة المضادة.. فلول الحزب الوطني.. المجرمون الذين ليسوا وراء القضبان ولا يريدون الخير لهذا البلد.. فنحن بهذا الفكر نسهم في مزيد من تخريب هذا البلد وتدميره.. فما جرى في استاد القاهرة جريمة ولابد من متهمين نحاسبهم وهم داخل قفص الاتهام.. وجوه وشخوص وأسماء حقيقية وليس مجرد تلك التعابير والشماعات والتبريرات سابقة التجهيز التي أصبحت جاهزة وحاضرة على ألسنة الكثيرين.. وأرجوكم ألا تخلطوا بين ما جرى في الاستاد وأي قضايا كروية أخرى حتى لا تختلط الملفات وتضيع الحدود والفواصل.. انتظروا أولا التحقيق الجنائي فيما جرى حتى تتأكد الإدانة وتنتهي المحاكمة العادلة ثم التفتوا لإصلاح نظام كروي فاسد أو إصلاح أحوال إعلام رياضي يحتاج هو الآخر إلى ثورة تطهير وتغيير.. أرجو أيضا أن تكونوا قد أدركتم زيف ما كان يقال لكم حول لجان شعبية وروابط مشجعين هي التي ستحمي الكرة وملاعبها ومبارياتها.. فأصحاب تلك الدعاوى تعاملوا مع الأمن وكأنه من رفاهيات الحياة التي من الممكن الاستغناء عنها وثبت أن ذلك غير صحيح. وفي النهاية.. إذا كان رائعا أن نتوجه كلنا بألف اعتذار صادق وحقيقي لتونس وأهلها ولأي ضيف كان في بلادنا وعجزنا عن استضافته بأمان واحترام.. فإنني أتقدم باعتذار أهم ولكن إلى مصر نفسها.. فالإساءة الأكبر كانت لمصر والوجع الحقيقي والباقي هو وجع مصر وكل المصريين. *