سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025    وقف المعاشات ومخالفات البناء أمام الدستورية 4 أكتوبر    وزير الاتصالات يبحث سبل تعزيز التعاون مع الشركات الأمريكية    رصاصة فى قلب الديمقراطية الأمريكية    «نيلى» الوريث الجديد لاغتيالات الموساد    قبل لقاء أرسنال.. برناردو سيلفا: غريمنا الأكبر هو ليفربول    جيوكيريس: بعدما بدأت الاحتفال بتلك الطريقة سجلت مزيدا من الأهداف    4 % من السائقين يتعاطون المخدرات    تكريمات مهرجانات السينما 2025 «للنساء فقط»!    كتب ممنوعة (3) .. نقد كتاب.. الإسلام وأصول الحكم!    محافظ الفيوم يتابع انتظام العملية التعليمية مع بدء العام الدراسي    في أول يوم دراسي.. توجيه عاجل من محافظ القاهرة بشأن الكتب المدرسية    سيناريوهات محاكمة "بوبا اللثغة" بعد حبسها 6 أشهر وغرامة 100 ألف جنيه    مصلحة الضرائب تسعى لإيجاد حلولًا متكاملة لدعم مجتمع الأعمال بالحزمة الثانية من التسهيلات    بحضور 9 وزراء.. بدء فاعليات إطلاق مبادرة "صحح مفاهيمك" لتصحيح المفاهيم    أمين الفتوى يوضح أوقات استجابة الدعاء    موعد أذان الظهر ليوم الأحد ودعاء النبي عند ختم الصلاة    ميسي يقهر فايلر في مباراة مثيرة بالدوري الأمريكي    انطلاق العام الدراسي الجديد بمعاهد مطروح الأزهرية.. و"حب الوطن" رسالة اليوم الأول    استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال المتواصل على مدينة غزة    الكرة الذهبية 2025.. لماذا يُترقّب محمد صلاح ودور ديمبلي؟    دراسة تنفي "الفاعلية السحرية" لعلاج مخصص للسكتة الدماغية    مستشار الرئيس للصحة: الزيادة الحالية لنزلات البرد متوقعة.. وحالات كورونا ليست كثيرة    ياسر ريان: حسام غالي "أخل بمبادئ الأهلي".. ولن يكون له دور الفترة المقبلة    ضياء السيد: الجمعية العمومية للأهلي داعمة دائمًا.. والفوز على سيراميكا أعاد الثقة للاعبين    بالعمة والقفطان.. انتظام المعاهد الأزهرية في أول يوم دراسي بالقليوبية    تليجراف: بريطانيا تفرض عقوبات جديدة على حماس اليوم    استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    كسوف الشمس 2025 في السماء اليوم.. تفاصيل أطول حدث فلكي يستمر أكثر من 4 ساعات    وزارة الداخلية تكشف ملابسات فيديو يزعم طلب فرد شرطة بمطار القاهرة مبلغا ماليا من راكب صيني    تجديد حبس ربة منزل أجنبية متهمة بسرقة شقة مخدومتها في السلام    رئيس الوزراء يتوجه إلى نيويورك لتمثيل مصر في مؤتمر حل الدولتين    لهذا السبب.. مي كمال الدين تتصدر تريند "جوجل"    ترامب مطالبا بمقاضاة خصومه: حاكموني مرتين ووجهوا ضدي 5 لوائح اتهام    بالبلالين والأغاني، استقبال طلاب المدارس في أول أيام الدراسة بالدقهلية (فيديو وصور)    مواعيد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025: كل ما تحتاج معرفته    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 21-9-2025 في محافظة قنا    اليوم.. وزارة الأوقاف تطلق مبادرة «صحح مفاهيمك».. ومحافظون: «مشروع وطني متكامل»    بتكلفة 8.2 مليون جنيه.. محافظ الشرقية يفتتح مدرسة كفر أبو جبل الإبتدائية بالزقازيق    «الصحة» تُطلق الدبلوم المهني لسلامة المرضى وإدارة مخاطر الرعاية الصحية    طريقة أسهل وأسرع نوتيلا اقتصادية وصحية للمدارس    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 21 سبتمبر 2025    التمريض الركيزة الأساسية لنجاح المنظومة الصحية بالأقصر    «أغلى من الياقوت».. مي كمال تكشف تفاصيل علاقتها بأحمد مكي وترد على الشائعات    صعود جماعي لرأس المال السوقي وتباين في مؤشرات البورصة المصرية خلال الأسبوع الماضي    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب.. تعرف على طريقة أداء صلاة الكسوف    مصدر من الزمالك ل في الجول: غياب بانزا عن المباريات لقرار فني من فيريرا    ترامب يهدد أفغانستان بعواقب "وخيمة " إذا رفضت تسليم قاعدة باغرام الجوية للولايات المتحدة    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 21 سبتمبر 2025    لم يزره أحدًا منذ أيام.. العثور على جثة متحللة لموظف في شقته بالبحيرة    إياك وتداول الشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 21 سبتمبر    أحمد سعد يطلب من الجمهور الرقص على «اشيلك بين وريدي» في مراسي.. ورضوى الشربيني تشعل الحفل بالرقص (صور)    وزير السياحة عن واقعة المتحف المصري: لو بررنا سرقة الأسورة بسبب المرتب والظروف سنكون في غابة    رئيس جامعة قناة السويس يتفقد كليات التربية والطب والتجارة مع بداية الدراسة    سيد رجب يلجأ لمباحث الإنترنت بعد ابتزازه في "لينك"    عبير عادل: «بقالي 7 سنين غايبة عن الفن وبشتغل سواقة»    حسام الغمري: خبرة بريطانيا التاريخية توظف الإخوان لخدمة المخططات الغربية    منتخب مصر تحت 20 سنة يتفوق على نادي سان لويس التشيلي بخماسية استعدادًا لمونديال الشباب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع موت غير معلن
نشر في شموس يوم 16 - 03 - 2018


بوابة شموس نيوز
وقائع موت غير معلن
محمد عبد الجابر يرحمه الله
تابعت مع آلاف المصريين في المملكة العربية السعودية و في مصر قصة وفاة المدرس المصري محمد عبد الجابر الذي توفي قبل أيام في العاصمة الرياض وسط ظروف مأساوية بالغة التعقيد و أسأل الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحماته و أن يلهم زوجته و صغيريه جهاد و عبدالرحمن و عائلته الصبر و السلوان و يخلف عليهم بخير .
وفاة المصري المغترب في أرض بعيدة ليست كوفاة أحد في مصر وسط أهله و ناسه و معارفه , و في الحالين هي مصيبة لا شك لكن الغربة لها قانونها الخاص الذي لا يرحم , ويصبح هذا القانون صارما حين يكون المتوفى مدرسا صغيرا أو عاملا بسيطا يأكل من كدّ يده و يعول أسرة هناك في البلد البعيد .
مأساة محمد عبد الجابر يرحمه الله جمعت كل مآسي الغربة بلا رحمة أو تعاطف أو رعاية فمات محمد عبد الجابر يرحمه الله مريضا مبطونا وحيدا لا يشعر به أحد وسط غياب تام للقنصلية المصرية في العاصمة الرياض اللهم إلا زيارة شكلية لمستشار منها ودون حضور فاعل لها في مرضه أو مماته رغم علم مسؤوليها بقضيته ولدي ما يثبت علمهم اليقيني بحالته بكل تفاصيلها وأن إقامته منتهية الصلاحية و بينه وبين كفيله مشاكل وقضايا وأن مرضه عضال و آلامه شديدة ولا يجد من يعالجه .
محمد عبد الجابر يرحمه الله مدرس مصري بسيط من صعيد مصر – المنيا – يعمل في التدريس وتجاوز الخمسين خريفا بعامين و يعول أسرته في مصر , مرض محمد عبد الجابر يرحمه الله و تعرض لآلام رهيبة جراء هذا المرض , ورغم أن أنظمة المملكة العربية السعودية تلزم كل صاحب عمل سعودي بالتأمين الطبي على موظفيه و عماله إلا أن التأمين في غالبه صوري لا يقدم و لا يؤخر لكن يلزم وجوده الوهمي لإتمام إجراءات إصدار رخصة الإقامة والعمل و غيرها من المعاملات الأخرى , إذا لا تأمين حقيقي يفيد المريض و يفتح له أبواب المستشفيات و المستوصفات اللهم إلا إذا كان تأمينا فعالا وذلك يستلزم مبلغا كبيرا لا يقوى عليه البسطاء من العمال , أضف إلى ذلك أن رخصة إقامته النظامية كانت منتهية مما يعقد الأمور كثيرا , وعليه فلم يكن تأمين محمد عبد الجابر يرحمه الله ذا نفع أو قيمة أو فائدة فلم يستطع إدخاله إلى مستوصف أو مستشفى فاحتال و ارتمى في شارع و اتصل على سيارات الإسعاف فنقلوه إلى المجمع الطبي في حي الشميسي بالعاصمة الرياض لكن سرعان ما كتب له الطبيب خروجا رغم مرضه الشديد و آهاته العالية , خرج ليموت مبطونا و يترك ورقة صغيرة في جيبه ذكر فيها قصته الأليمة و ذكر صغيريه جهاد و عبدالرحمن أن جواز سفره في جيبه لاستخراج شهادة وفاة من بلده المنيا في صعيد مصر .
وهذا نص رسالته :
(معلش بقى مضطر أسيبكم واروح عند ربنا …هناك أوسع وأرحب
والله ما كنت عايز حاجة /من دنيتكم غير إني أعيش بينكم …تلات أيام ومحدش راضي يستقبلني في غربتي ولا يحن عليّ
بصراحة حاجة زعلتني من الناس كلها …
مسامحكم والله ومسامح كل مصري في الرياض …كتر خير اللي سأل وسعى
وربنا مكنتش عايز أتعب حد منكم ..أنا أديلي سنة تعبان ولادي ولا زوجتي في مصر يعرفوا عن حالتي حاجة
أقولكم والله العظيم الشباب اللي كانوا معايا في السكن بمنفوحة وفي نفس الغرفة
مكنوش يعرفوا ولا حبيت أتعبهم معايا
شلت الوجع لوحدي سنين ..كنت بقول حتفرج ..حتروق
بس يوم الاتنين اللي فات 19/2/2018 مقدرتش استحمل ..الاقامة كانت منتهية ومفيش تأمين
بقى يا ناس أتعب يوم الاتنين وأموت اليوم الاربعاء صباحا ..
يالا الله يسامحكم ..
قالوا لي يوم الاتنين الاسعاف مش حتقبل تشيلك من البيت ..روح ارمي نفسك في شارع واتصل عليهم يجوا يشيلوك من الشارع
عملت والله كده ورضيت بده كله وانا جسمي مكشوف من ورم شديد في بطني
خدتني الاسعاف لمستشفى الشميسي قلت حتفرج
أنا مسامحكم
وكنت عايز اقول الدكتور اللي كتب لي خروج وهو عارف اني بموت …كتر خيرك
كنت حتخسر ايه ..لو سبتني أعيش حتى أشوف جهاد وعبد الرحمن وأسلم عليهم في مصر
مش زعلان والله
مصر!!
بالمناسبة حتلاقوا في جلابيتي جواز سفر لسه ساري المفعول ..ابقى خلوا عبد الرحمن ابني يروح به سجل مدني المنيا عشان يطلع بيه شهادة الوفاة
حد يقول لعبد الرحمن أبوك مات فيالغربة عشانك انت والعروسة جهاد
يالا بقى أستودعكم الله ..ونشوفكم على خير في الجنة
حبيبكم / محمد جابر ).
هذا نص رسالته و آثرت تركه كما هو بلا تصحيح أو مراجعة ..
رسالة محمد عبد الجابر يرحمه الله شهادة أليمة تدين الجميع بلا استثناء , كتبها بدمه النازف قبل أن يكتبها بحبر أزرق قان , قرأت رسالة محمد عبد الجابر يرحمه الله وبكيت وبكى كل مصري مغترب يظن الناس أن هذا المغترب لا يفعل شيئا غير تعبئة الفلوس في شوال أو زكيبة وأن هذا المغترب لا هم لديه و لا شغل إلا تعبئة الفلوس في زكايب و خزائن ليست موجودة إلا في خيال الناظرين للمغترب تلك النظرة البائسة و لا يعلم هؤلاء أن كل أموال الدنيا لا تعدل دمعة تسيل في صمت من عين مغترب شوقا لصغاره أو حبا لزوجته أو شفقة على والديه الكبيرين هناك في المحروسة البعيدة .
مات محمد عبد الجابر يرحمه الله و دفن في مقابر النسيم في العاصمة الرياض , مات محمد عبد الجابر يرحمه الله لكنه مات قبل موتته الأخيرة مرات عديدة …
مات يوم خرج من مصر بحثا عن لقمة عيش لم يجدها في وطنه القاسي المثقل بالسياسات الغبية التي جعلت مصر وطنا طاردا و بالديون و الفساد و المحسوبية و الرشاوي وكل سوء .
مات يوم وصل أرض غربته فلم يجد صديقا ناصحا و لا زميلا مشفقا و لا جارا أوصي به حتى ظن الوراثة لا محالة تدركه .
مات يوم تخلت عنه قنصليته الفاشلة و تركته يواجه كل شيء وحيدا مفردا بلا سند من وطن بعيد و لا قنصل فاشل وصلته كل تفاصيل قصة محمد عبد الجابر كاملة لكن كل همّه كم دولارا راتبه الشهري وكم مقابلة تليفزيونية سيجري للحديث عن المصريين و إنجازاتهم ولا ينسى في نهاية المقابلة توجيه الشكر للسيد الرئيس و لمعالي رئيس الوزراء و لمعالي السفير و للجميع إلا لهذا العامل البسيط الذي لا يشعر به أحد ,وتلك القنصلية اللعينة تجمع مع كل معاملة يجريها المغترب أموالا مضاعفة تكفي رعاية و احتواء لكل المصريين , ويوم كان للمصريين في الغربة صندوق رعاية اجتماعية يرعى أمراضهم و أوجاعهم و مشاكلهم كانت الأمور أفضل قليلا مما هي عليه بعد إغلاق هذا الصندوق و تجميد ملايينه بقرار غبي من مسؤول جاهل بعدما تشبث جماعة الإخوان الفاسدة به .
مات محمد عبد الجابر يرحمه الله حين لم يعلم به رفاق الغرفة والسكن ولم يقدموا له عونا أو مساعدة أو علاجا ولهم بعض عذر لكن اللوم طائلهم لا شك في ذلك ومن الإنصاف ذكر موقف الشاعر الصديق هشام أبوخلاد الذي رافق الشهيد محمد عبدالجابر في لحظاته الأخيرة و وقف معه موقفا نبيلا غير مستغرب من شاعر مثله .
مات محمد عبد الجابر يرحمه الله يوم علم بمرضه و لم يغادر فورا عائدا لمصر مهما كانت النتائج فلن تكون أسوأ من موت في غربة قاسية وسط رفاق عندهم ما يشغلهم من همومهم ومشاكلهم و ذواتهم و قنصلية لاهية و قنصل فاشل أولى اهتماماته المصري في بلاد الغربة حسبما تنص عليه مهام وظيفته ولن أذكر مواقف مشرفة لسفارات الفلبين و الهند في مواقف مشابهة حدثت لعمالتهم هنا فالمقارنة لا تصلح أساسا .
مات محمد عبد الجابر يرحمه الله يوم دفن غريبا في أرض غريبة و شيعه غرباء ليس فيهم مسؤول قنصلي أو شبه قنصلي و غاب اللذين صدعوا رؤوسنا بالجالية و رعايتها و ممثليها اللذين يملؤون الفضاء ضجيجا و صورا و جعجعة ولا نرى طحنا .
مات محمد عبد الجابر يرحمه الله و سيموت غيره لكنها وقفة تستحق التأمل , لم تعد ديار الغربة كسابق عهدها لظروف كثيرة متشابكة , ومصر المشغولة عن نفسها و أبنائها لا تعي حجم المشكلة فلا تعولوا على أحد هنا أو هناك إلا أنفسكم و أنفسكم فقط لا غير , التفكير في البدائل صار فرض عين على كل مغترب و العودة أولى البدائل مهما كانت الظروف هناك .. فمصر لا ينام مصري بها جائع مهما بلغت الأمور سوءا , أعلم علم اليقين أن القرار صعب و الخوف منه أصعب لكن لو دامت ديار الغربة للمغتربين فحدها الأقصى عاما أو عامين على أحسن تقدير وعلى مصر رئيسا و حكومة و شعبا أو يدركوا أن مال المصريين و تحويلاتهم من الخارج إلى بدأ في التناقص و أنه إلى زوال و أن عليهم التخطيط لاستيعاب ملايين العائدين بأمراضهم و همومهم و مشاكلهم و بعض مال قليل قد يفيد لزمن قليل .
رحم الله محمد عبد الجابر و رحم كل غريب و رحم الله وطنا أردناه خير بلاد الله , و حلمنا به جنة و نيلا أبيا و دلتا خصيبة فلم يكن بردا و لا سلاما .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.