يحتاج الفرد سنويا لألف متر مكعب من المياه حتى يتجاوز خط الفقر المائي، و500 متر مكعب ليتجاوز خط "الشح المائي". وخط الفقر المائي هو الخط الذي يفصل بين المواطن الذي يستطيع تلبية احتياجاته الغذائية "نباتية وحيوانية ومُصنعة" واحتياجاته الأخرى أيضا من مسكن وملبس، من كل مصادر المياه في الدولة، أنهار ومياه جوفية وأمطار ومياه مُعاد تدويرها، وبين المواطن الذي لا تكفي المياه في دولته احتياجاته الأساسية. ويبلغ نصيب المواطن المصري حاليا من المياه حوالي 600 متر مكعب سنويا، ما يعني أننا لسنا فقط فقراء مائيا، ولكننا قريبين للغاية من "الشح المائي"، ورغم ذلك تقوم مصر بتصدير حوالي 1.4 مليار متر مكعب من المياه عبر تصدير الأرز. تستهلك زراعة الأرز حوالي 27% من إجمالي حصة مصر من مياه النيل التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، حيث يتم ري المحصول بالغمر، ليستهلك كميات كبيرة من المياه، خاصة في دلت مصر، ويبلغ الاكتفاء الذاتي من الأرز، في المتوسط، حوالي 110%، ونقوم بتصدير هذه ال10% سنويا، التي تستهلك 1.4 مليار متر مكعب من المياه، أو ربما أكثر، حيث نفاجأ بنقص الأرز المصري في الأسواق في أوقات متفرقة من السنة، ويلجأ بعضنا لاستهلاك البديل المستورد. تقوم وزارة الزراعة كل عام بتحديد المساحات التي يُسمح بزراعتها بالأرز، على أن تُفرض غرامات على المخالفين، وفي نهاية كل موسم زراعي يتوسط الفلاحون لدى أعضاء البرلمان لإلغاء العقوبات، ويتم إلغائها، وتكون النتيجة هي أن أسعار الأرز ترتفع في وقت "احتمالية" فرض العقوبات وتنخفض عند إلغائها، أي أن المواطن من يتحمل تبعات هذا القرار فقط، لا التاجر ولا المزارع، المستفيدون من هذا التخبط المتَوقع المتكرر. وحددت وزارة الزراعة المساحات المسموح بزراعتها بالأرز هذا العام عند 724 ألف فدان، مقارنة بأكثر من مليون فدان، تمت زراعتها بالأرز خلال المواسم الماضية، واعترضت نقابة الفلاحين كالعادة. والمختلف هذا العام هو اقتراب ملء خزان سد النهضة، الذي يحتاج ل74 مليار متر مكعب من المياه، سيُخصم جزء منها من حصتي مصر والسودان خلال سنوات الملء، لذلك تتشدد وزارة الري هذا العام، وينتظر أن تمنع الدعم عن الأسمدة والوقود والبذور للمخالفين. ومن المتوقع أن تنجح هذه السياسات كما نجحت سياسة د.جودة عبد الخالق، وزير التضامن الأسبق، في زيادة محصول القمح، بسبب سياسة تحديد الدولة المسبق لسعر شراء المحصول، كما انخفضت المساحات المزروعة بالقطن طويل التيلة، بعد توقف الدولة عن الاهتمام بزراعته، واعتماد القطاع الخاص على الغزول قصيرة التيلة. ولوجهة النظر الحكومية وجاهة، حيث يستهلك الأرز 2.7 مليون قدم مكعب من المياه للفدان، وهو معدل مرتفع للغاية إذا ما قارناه بفدان الذرة الذي يستهلك 2.2 مليون قدم مكعب من المياه، وفدان القطن الذي يستهلك 0.9 مليون قدم مكعب من المياه، وفدان البصل وبنجر السكر الذي يستهلك 0.2 مليون قدم مكعب من المياه، وفدان الطماطم والبطاطس الذي يستهلك 0.1 مليون قدم مكعب من المياه. ولا يتجاوز الأرز في استهلاكه للمياه في مصر، سوى البرسيم الحجازي، الذي يستهلك 5.2 مليون قدم مكعب من المياه، وتتركز زراعته في الوادي الجديد، اعتماداً على المياه الجوفية. في المقابل ترى نقابة الفلاحين أن أراضي الدلتا تزداد ملوحتها لو لم يتم غمرها سنويا بمياه النيل، كما أن الدولة تمتلك حلول أخرى غير تقليل مساحات الأرز، عبر تقليل حصص المياه المُهدرة في ملاعب الجولف وزراعة البرسيم الحجازي المُعد للتصدير للخليج، وهي وجهة نظر لها وجاهتها أيضا، ولكن من المؤكد أن لا أحد يستطيع أن يدافع عن تصدير الأرز للخارج.