عزيزي .. هذا العالم لم يعد يليق بي هل أخبرتك من قبل بأنني قد ولدت بجناحين؟ وقدرة على التجول بين النجوم؟ هل حكيت لك عن أول مرة أخطو فيها فمشيت حتى وجدت نفسي داخل حلم؟ هل وصفت لك من قبل حجرتى التى عشت بها؟ كان بها نافذة فضية ذات إطار مرصع بالألماس. كان المنظر من خلالها ساحرًا؛ قمر مكتمل دائمًا، وقوس قزح لا يغادر السماء .. ألوانه تضوي حتى يمكن رؤيته ليلاً. ولأني أحب الشمس أيضًا، فقد كان لي واحدة أعلقها فى منتصف الحجرة تمامًا. كنت أسمع هدير البحر وزقزقة العصافير من كل زاوية بالحجرة. لقد مكثت في هذه الغرفة زمنًا لا أدرك له حدودًا، وعشت بها قصصًا خيالية عدة، كانت -فى أغلبها- تدور حول تصوري عن الحياة عندما أغادر تلك الحجرة. كنت أتصور عالمًا رحبًا يشبه حجرتي، ولكنه يتسع لمزيد من الأحلام. لا أتذكر بالتحديد متى غادرت تلك الغرفة؟ كنت أود، بكل تأكيد، أن أحكي لك عن ذاك اليوم. لابد وأنه كان يومًا هامًا جدًا بالنسبة لي، يملؤه الحماس والخوف ربما .. ولكن يمكنني أن أخبرك بكل تأكيد وثقة أن العالم خارجها لم يكن ذاك الذى أنتظره وأتخيله؛ فلقد سلبنى جناحى وأثقل قدمى .. وأنا لم أعتد على تلك الخطوات الثقيلة التى تترك أثرًا فى الأرض. كذلك حرمني من ماضىَّ ولم يعطني مستقبلاً فى المقابل، فوجدت نفسي حبيسة لحظة راهنة متكررة، حفرت تجاعيدًا وندوبًا واضحة على قلب لا يزال غضًا، أخذته الغفلة فلم يدرك اللحظة. لم أكن أعرف أن هذا العالم لا يعرف الأحلام ولا يعترف بالقصص الخيالية .. ولم أكن أعلم أني سوف أندم بشدة على مغادرتي تلك الحجرة التي كانت، على صغرها، رحبة، قادرة على احتضان الخيال، وصناعة الأمل. آه أعتقد أني نسيت أن أخبرك أيضًا بأني قد حاولت بناء غرفة جديدة مماثلة ولكنى فشلت .. لابد أنني قد أغفلت هذا الجزء عمدًا .. فأنا لا أحب تذكر الفشل حتى أتيح مساحة ولو ضئيلة من القدرة على الحياة. يا عزيزي .. أين أنت؟ آه لقد نسيت أنك لم تعد هنا .. على ما أتذكر إنك كنت تسكن ذات الغرفة معي .. أو ربما غرفة مجاورة؟! وقد غادرتها قبل مني، أو ربما لم تغادر .. لعنة الله على تلك الذاكرة .. ماذا كنت أقول؟ آه كنت أقول لك أن هذا العالم لم يعد يليق بى .. هل أخبرتك من قبل بأنني قد ولدت بجناحين؟