النيل والنخيل والاشجاروالجبال عنوان النوبة الغريقة الرقة مع القوة والصلابة حتي الاشجار في النوبة الغريقة كانت معظمها من السنط اشجار ذات شوك وهي تلك الاشجار التي تفرز الصمغ العربي . ولا ادري من الذي اطلق عليه الصمغ العربي (جوليسي) رغم ان هذه الاشجار لا تنمو الا في افريقيا وهذه الاشجار كانت كثيرة وتنمو بكثافة في المناطق الغير مستصلحة للزراعة. وكنا نستفيد من ثماره المعروف باسم القرض في دباغة الجلود اما الاشجار بعد تقطيعها فكانت اخشابها صلبة فكانت تصنع منه (العنقريب) السرير النوبي وكذلك اساس المراكب الشراعية لانها تستعصي علي الماء والرطوبة وأيضا لم تكن تتعرض للتسوس وتصمد لعوامل التعرية وحتي الان يوجد لدينا بعض الابواب المصنوعة من الواح شجر السنط موجوده في سطح منزلنا كنا قد جلبناها معنا اثناء التهجير ولا تزال كما هي تتحدي اشعة الشمس الحارقة !!.. وايضا كان يتم تصنيع الفحم منها وقد كانت قمائن الفحم منتشرة وكان عمي (عمدة توشكي شرق حاليا ) لديه العمال الذين يجيدون حرقه لاستخراج الفحم اذكر منهم ماهر الفحام وكذلك ادريس مهدي حيث لم يكن مصريا ولا سودانيا ويبدو انه كان صوماليا او ارتريا وكانت لغته العربية ركيكة واستقر في قريتنا واستخرجنا له بطاقة شخصية !! .وتم تعيننه غفيرا وهاجر معنا واستلم بيتا وارضا رغم انه لم يكن يملك شيئا !! ولكن كان النظام الاشتراكي العجيب الذي أعطي لمن لايملك وحرم من كان يملك ..سبحان الله ..وكان عمي يقوم بتصدير الفحم الي القاهرة اما اعواده الرفيعة (سينتي ) فكنا نستخدمها كحطب ومشهور لدي النوبيين ما يعرف ب(سينتي نيغ ) أي النار او اللهيب الناتج من تلك الاعواد وقد تغني الشعراء بالشاي الذي يعد علي الجمر الناتج منه .. واذكر ونحن صبية كنا نعمل القمائن علي سبيل اللهو وكنا نجيد صناعة الفحم وبنفس الاسلوب الذي يتم به القمائن الكبيرة .. وايضا كان هناك اشجار السيسبان وهي اشجار جميلة ورقيقة ومنتظمة العود كما تغني به الفنان وردي واصفا حبيبته (سيسبان عودك منظم ) وايضا كانت هناك اشجار(المور) وكذلك اشجار (الأبد) ولا اعرف الاسم العربي له وهي اشجار ذات اوراق عريضة وغليظة تفرز سائل لبني عند قطعها ولها ثمار مثل ثمار المانجو شكلا فقط.والاشقاء في السودان يطلقون عليه شجر العشر . واذكر ان الاهل كانوا يحذروننا من الاقتراب من هذا الشجر علي اساس ان السائل اللبني يصيب الانسان بالعمي وكانوا يقولون ايضا (شيتاني تاوتنا نوووينا) أي ان الشياطين والعياذ بالله تتظلل تحتها ولكن كانوا يقومون بعقد اعوادها بعد قطعها عقدا صغيرة حيث انها مجوفة ويعلقونها علي رقبة الاطفال الذين يعانون من الغدة !!.. والغريب ان الطفل كان يتعافي !!.. ولكن الذي كان يكثر وبدون تدخل بشري ايضا نبات العاقول الشوكي الذي كان يغطي الاراضي التي لم تكن تزرع لوعورتها حيث كانت مرعي للابل ….يحيي صابر