والإنسان النوبي معروف بكبريائه وعزة نفسه لذا لم يكن هناك من يسأل الناس الحافا وفي النوبة الغريقة كانت البيوتات التي لم يكن لهم عائل معروفة للكافة ولرفع الحرج عنهم اذكر ان منا من كان يحمل غذاؤه كي يتناوله معهم وكانت تلك الحالات تظهر جليا في الشتاء بعد ان تبتلع مياه النيل اراضينا الزراعية وبالتالي لم يكن هناك مجال يقتات منه العامة الا ما تم ادخاره الناتج من تجفيف الخضروات مثل البامية والملوخية والطماطم او من ناتج المواشي والطيور . وكانت هذه الحالة قد بدأت في التلاشي بعد ظهور ثمار المشروع الزراعي المشترك بين قريتي توشكي وارمنا الذي كان قد ساهم في تحسين مستوي المعيشة في النوبة الغريقة قبل الهجرة بسنوات قليلة وكان ذلك المشروع الزراعي يبعد عن قريتنا بحوالي ست كيلو مترات وكنا نخرج مبكرا من بيوتنا ونبقي هناك حتي قرب المغرب . واذكر بعد عودتنا من المدرسة وكنت لازلت في الابتدائية كان عمي (العمدة حاليا) يطلب مني ومن ابني عمي شهاب الذهاب هناك حاملين معنا علي ظهر الحمير السماد البلدي (ايبوو) اي مخلفات الماشية بعد تحللها .. وقد بذل اهلنا في قريتي توشكي وارمنا مجهودا مضاعفا في استصلاح اراضي ذلك المشروع وبدأنا نشعر بناتج ذلك المجهود وثم كان قرار الهجرة الي كوم امبو لبداية فترة معاناة اخري مع الارض ولكن هذه المرة بعيدا عن النيل وفي وسط الصحراء مع وهج الشمس التي غيرت حتي ملامحنا التي جئنا بها من النوبة الغريقة .. وقد كان الرجال في النوبة الغريقة يتناولون طعامهم في المضايف المفتوحة حتي يشاركهم عابري السبيل وكان نساء شارعنا يتناولون طعامهم معا ايضا . وبعد الهجرة والاستقرار في النوبة المستنسخة كانت تلك العادة متبعة ايضا ولكنها قلت او تلاشت الان وخاصة بعد انتقال المعظم من الرعيل الأول الي رحاب الله .رحمهم الله …يحيي صابر