من أحاديث النفس : [[ الشيخ الجليل / عبد الباسط عبد الصمد ،، رحمه الله تعالى ، فى ذكرى وفاته ]] : هوالشيخ الجليل / عبد الباسط محمد عبد الصمد ،، من مواليد قرية ( المراعزة ) التابعة لمدينة ( أرمنت ) محافظة ( قنا ) في أول يناير من عام( 1927م ) ، وكان ترتيبه الثالث بين أشقائه ، ألحقه أبوه رحمة الله عليه بكتاب الشيخ الأمير في البلدة مع أخويه الأكبر محمود وعبد الحميد فى عام ( 1943 م ) ، فأتم حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة ، وفي ( أصفون المطاعنة ) نال إهتمام شيخه العالم الأزهري الشيخ محمد سليم حمادة المنشاوي رحمه الله [ وهو من مدينة المنشاة بمحافظة سوهاج ] ، وكان الشيخ محمد سليم يحفظ القرآن الكريم بالقراءات السبع ، حيث ذهب إليه وراجع عليه القرآن الكريم كله ، وأيضا ( الشاطبية ) التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع ، فتعلم علي يدي شيخه القراءات وعلوم القرآن الكريم . وزاد اهتمام الأستاذ بتلميذه النجيب ، فكان يصطحبه معه ليقرأ في الحفلات المتعددة ، حتى أصبح الفتي عبد الباسط شهيرا في نجوع وقرى ومدن الوجه القبلي المصرية ، فكان يجوب المحافظات بدعوات خاصة من كبار الأسر والعائلات ، إذ تُعقد السرادقات الكبيرة ليتلى فيها القرآن الكريم ، وإذ كان الناس قديما يتنافسون في استقدام مشاهير القرّاء لإحياء ليالي وأيام شهر رمضان . وهكذا بدأت شهرة الشيخ في أنحاء صعيد مصر تتصاعد تتري مع إحياء ليالي شهر رمضان الكريم ، وفي المناسبات المتنوعة ، ولم يطل به الأمر ، حتي أصبح يدعى إلى إحياء الحفلات والسهرات القرآنية بمفرده ، وبدون مرافقته لشيخه . وعن بداية الشهرة الواسعة كان رحمه الله يقول : إن بركة أهل البيت هي سبب شهرتي وذيوع صيتي . ففي الاحتفال بذكرى مولد السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها في عام ( 1950م )، إذ كان يحييه كوكبة جليلة من كبار القراء وهم الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي ، والشيخ مصطفي اسماعيل ، والشيخ عبد العظيم زاهر ، دخل الشيخ عبدالباسط المسجد الزينبي ، وجلس يستمع إلى تلاوة القرآن ، وفي أثناء ذلك رحب به الشيخ علي سبيع رحمه الله ( إمام المسجد الزينبي آنذاك ) ، ثم عرض عليه أن يقرأ لمدة عشر دقائق علي سبيل البركة ،، وليتعرف عليه المسلمون الحضور من شتي بقاع مصر في تلك الليلة ، على أن يكون ذلك بعد أن يفرغ الشيوخ من تلاواتهم . وقبل الشيخ عبدالباسط ، وقرأ لمدة عشر دقائق فقط ، فلما أراد أن يختم ، فوجىء بالناس الذين يملئون جنبات المسجد يستزيدونه ، بل ويلحّون في ذلك ، فما كان منه إلا أن واصل القراءة ، وكلما أوشك علي أن يختم يستزيدونه ، ويستزيدونه ،، وهكذا استمر على تلك الحال حتى ساعة متأخرة من هذه الليلة المباركة الميمونة . وكان الشيخ علي محمد الضباع المتوفى فى سنة (1960م) رحمه الله فى لجنة اختبار الأصوات ، واختيار القراء بالإذاعة حينئذ ، وكان قد حضر ذلك الاحتفال المبارك ، فبعد أن استمع إلى صوت الشيخ عبدالباسط في تلك الليلة ، وأعجب بتلاوته المتقنة المحكمة ، وبصوته العذب المميز، طلب منه أن يتقدم إلي الإذاعة المصرية ، فكانت بمثابة مفاجأة للشيخ ، وبعد إقناع واقتناع بينهما ، ذهب الشيخ إلى مبنى الاذاعة في الموعد المحدد بقدر الله تعالي ، ودون أن يعلم الشيخ عبدالباسط ، كان الشيخ الضباع قد سجل له تلك القراءة كاملة ( في شريط كاسيت ) ،، وعرض هذا الشريط على اللجنة ، فأجازته بناء عليه ، بدون أن يعقد للشيخ امتحان ، وبذلك تم إعتماده قارئا بالإذاعة في ذلك العام ، وتم تعيينه قارئا للسورة فى مسجد الإمام الشافعي رضي الله عنه . فظل فيه حتى عام ( 1981م )، ثم انتقل من بعد ذلك إلي المسجد الحسيني ، خلفًا لزميله الشيخ محمود علي البنا رحمه الله ، وحتى رحيله في سنة ( 1988م ) . وقد كان من أخلاق الشيخ رحمه الله و كريم طباعه وسجاياه التي أثرت عنه أنه كان متخلقا بخُلُق القرآن ، فكان دمث الخلق ، يجلله التواضع ، ولا يتكلم في أمور الدنيا إلا إذا طُلب منه الكلام ، وكان طويل الصمت ، كثير الذكر ، شديد الحياء ، دائم التأمل والتدبر ، وبذل المعروف إلي الآخرين . وقد جعلته كثرة أسفاره محبا للتجديد والتغيير المتواصل .. فكثيراً ما غير محل إقامته ، من حي السيدة زينب ، إلى جاردن سيتي ، إلى حي المنيل ، إلى حي العجوزة ، ثم إلي حي المهندسين . وكان نادرا ما يشاهد التليفزيون ، إلا أنه كان يستمتع بمشاهدة المسرحيات الكوميدية فقط ، وكان الأستاذ "فؤاد المهندس" رحمه الله هو نجمه المفضل . وكانت هوايته "السباحة" حتى إنه في سبيل ذلك اشترى فيلا في نهاية فترة الستينيات بحي جناكليس بمدينة الإسكندرية ، ليقضي فيها بعض أيام الصيف مع أسرته … وكان لا يشرب الماء المثلج ، وكان يعشق اللون الأخضر، فقد كانت مسبحته خضراء ، ولون مكتبه أخضر، ولما اشترى سيارة فضّل أن يكون لونها أخضر أيضاً . أما عن رقيه في لباسه وزيه وهندامه ، فحدث ولاعجب ، فقد حباه الله جمالا وجلالا ونورا وضياءً ، طبق فيه الشيخ قول الله تعالي : " وأما بنعمة ربك فحدث " ، فتأنق في ملبسه ، واهتم بزيه ، واعتني بهندامه ، وداوم علي استعمال أطيب العطور وأنفسها ، وكأنه ينشر رسالة محسوسة عظيمة ، أن هكذا كونوا معاشر المسلمين عامة ومعشر حفظة كتاب الله خاصة . ومن آثاره الطيبة النافعة ، السعي الحثيث الدءوب حتي بلوغ الهدف وتحقيق النجاح في إنشاء نقابة لمحفظي القرآن الكريم ، وقد انتُخب نقيبًا للقرّاء في عام ( 1984م ) . فكان أول من ولى نقابة قراء مصر . و كانت له قراءة منتظمة في مساء كل يوم سبت على موجات إذاعة البرنامج العام ، من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً . و من ثم خلّف وراءه أكثر من تسجيل كامل للقرآن الكريم ، بقراءات متعددة في أكثر من جهة ، تلاوة وتجويدا . وقد أخذ الشيخ رحمه الله علي عاتقه مهمة تقديم القارىء الشيخ أحمد الرزيقي رحمه الله إلي المسلمين ، ونجح في إبراز هذه الموهبة الغالية وانتشارها ، حتي إنه كان يصحبه معه في كثير من تنقلاته وأمسياته القرآنية الخالدة ، ليصدح الرزيقي بجوار الشيخ الجليل ، ولم يقتصر هذا الصنيع من الشيخ تجاه الرزيقي علي مصر فقط ، بل تعداه إلي خارجها في كثير من الدول . وكما علمه أبوه القرآن الكريم ، علم الشيخ أبناءه القرآن الكريم ، ذكورا وإناثا ، فحفظوه بإتقان ، وكأنها رسالة متوارثة ، أحسن الشيخ الجليل رحمه الله تعالى فى أدائها غاية الإحسان ،، وإنك لتسمع قراءة ابنه طارق ( أحد كبار ضباط الشرطة في وزارة الداخلية المصرية ) ) أو ابنه هشام ( المدير بأحد فروع بنك مصر ) أو ابنه ياسر ( قاريء السورة في مسجد سيدي حسن الأنور بالقاهرة ) ، فتقف فورا علي واقع محسوس من هذه الحقيقة الطيبة . ومن أهم السمات الفنية في قراءات الشيخ رحمه الله : * دقة الإتقان، و التحكم في مخارج الألفاظ ، وإحكام الوقف والابتداء ، وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع و تلفتها إلي الإنصات . * معايشته للمعاني القرآنية معايشة روحية وجدانية عاطفية ، فكأنه يتمثل نفسه في ذاك الموقف والمشهد القرآني ، كما في قراءته قوله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } ،، أو : { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ } ،، أو : { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } ،،، وغير ذلك كثير وكثير . * الاغتراب بالصوت إلى الحد الذي يجعل المستمع وإن كان مجاورا للشيخ يظن أن الصوت قادم من مكان بعيد ، كما في قراءته في سورة القصص { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } . * المرونة والانسيابية، والاسترسال المتنوع الموسيقى المصحوب بذبذبات منضبطة متباينة ، تهدأ حيناً، وتعلو حيناً آخر … كما نلمس ذلك في سور القصص القرآني في كثير من قراءاته المتعددة . * المفاجآت ،، بمعني وقوفه في الوقت الذي يخيل إلى المستمع أنه سيصل القراءة ، ويصل في وقت يخيل إليه أنه حتماً سيقف ، وأوضح مثال على ذلك تسجيلات الحرم الشهيرة ، التي يأتي في مقدمتها سور التوبة ، والحج ، وإبراهيم ، وغيرها. * طول النفس، ووصل الآيات ، التى يكون الوصل فيها أولى ،، دونما إرهاق أو تكلّف على الإطلاق ، فقوة صوته في أواخر الآية ، لايختلف عن قوة صوته في مطلعها .. ولعل تألقه في قراءة قصار السورهو أبلغ دليل ، وأصدق شاهد على ذلك . * التميز الواضح الجلي ، إذ ما ان يبدأ في التلاوة ،حتي يعلم السامع أن القاريء هو الشيخ / عبد الباسط عبد الصمد . قال عنه الإمام الأكبر الأستاذ دكتور/ عبد الحليم محمود ، شيخ الأزهر الأسبق رحمة الله عليه : ( لقد أُوتي الشيخ عبد الباسط مزماراً من مزامير آل داود ) . آه . وصدق الإمام الأكبر فيما قال عن الشيخ الجليل . أما عن أسفاره وتنقلاته ، فقد طاف الشيخ رحمه الله بين ربوع مصر يتلو القرآن الكريم ، وقرأ في معظم مساجد مصر الكبري في شتي البلاد ، فكان قارئا متقنا متميزا ، ذا مدرسة متفردة ، يشهد بها ولها القاصي والداني من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها . فقد دعي للتلاوة في أحد مساجد بورسعيد بدعوة من إسماعيل رمزي وزير الأوقاف آنذاك ، وكان الملك فاروق يقوم بافتتاح هذا المسجد . وكذلك زار الشيخ رحمه الله كثيرا من الدول الأجنبية ، فضلا عن معظم الدول العربية والإسلامية ، قدم المملكة العربية السعودية حاجاً ، وكانت هذه هي أول سفرة له خارج مصر من بعد التحاقه بالإذاعة المصرية ، فطلبت منه المملكة أن يسجل لهم عدة تسجيلات ، وحقق الشيخ عبد الباسط ما طلب منه ، وكان هذا أول تسجيل له بالإذاعة السعودية . وقرأ الشيخ أمام الملك سعود رحمه الله ، فأعجب به أيما إعجاب . وقرأ أمام الملك فيصل رحمه الله ، وقرأ أمام الملك حسين رحمه الله ، وقرأ أمام الملك محمد الخامس رحمه الله ، وقرأ أمام كثير من رؤساء وأمراء البلاد المختلفة ووزرائها ومواطنيها . ونال إعجاب وتقدير الجميع . وتعددت رحلات الشيخ مع أصحاب الفضيلة الأئمة شيوخ الأزهر وكذا وزراء الأوقاف المصريين ، فسافر مع الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله إلى ( أبو ظبي ) والشارقة وقطر والهند ، ومع الدكتور عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله إلى باكستانوماليزيا ، ومع الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله إلى دولة المالديف ،وقد نال الشكر والتقدير من رئيسها آنذاك مأمون عبد القيوم ، ثم إلي البحرين ، ثم في رحلة أخرى إلى نيجيريا ثم إلى الصومال ، ومع الدكتور عبد المنعم النمر وزير الأوقاف الأسبق رحمه الله إلى باكستان وإلي الهند ، لإفتتاح بعض المؤتمرات الدينية بجامعة العلوم في ديوبن ، ويعد الشيخ عبد الباسط أول قارئ يصل إليها ، ومع الدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف الأسبق رحمه الله إلى أورانج ، لافتتاح مؤتمر السيرة النبوية الرابع عشر هناك ، وسافر إلي جنوب أفريقيا مرتين بدعوة من المركز الإسلامي في جوهانسبرج ، وقرأ القرآن في بريتوريا ودرين وليدي سميث وكابتون ، و قام بزيارة اندونيسيا وبورما وأوغندا والسنغال ، وسافر إلى باريس وقرأ فى القسم الإسلامي بها ، وأيضاَ في اسبانيا وفي لندن ، وغيرها. وكانت أول زيارة له إلي الولاياتالمتحدة الأمريكية فى عام ( 1967 م ) بدعوة من المركز الإسلامي بواشنطن ، زار خلالها أربعة عشر ولاية أمريكية ، قرأ فيها جميعها القرآن الكريم ، وقد اعتبر القاريء الوحيد الذي قرأ القرآن الكريم في 14 ولاية أمريكية بحسب ما ذكره الدكتور / حسين مؤنس ، رحمه الله ، في بعض كتاباته في مجلة ( الهلال ) المصرية. ثم قام بزيارتها مرة ثانية في عام ( 1981م ) بدعوة من المركز الإسلامي بلوس أنجلوس ، ثم زيارة أخرى عام ( 1987 م )، وفي العام نفسه سافر إليها عندما دعي إلي إفتتاح أول مدرسة إسلامية لتعليم القرآن الكريم فى مدينة فرجينيا بواشنطن . ومن بعض الطرائف في سيرته العطرة ، أنه في إحدي زياراته إلى الحرم المكي ، كان إمام الحرم المكي في ذلك الوقت يقرأ بقراءة ورش ، فرتل قائلا : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا } . البقرة 247 ،، وقرأ في الركعة الثانية : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } . المزمل 6 ،، فحرص الشيخ على أن ينبهه إلى سهوه في القراءة ،، وانفرد به ، وقال له : كان ينبغي أن تقرأ : { نبيئهم } بدلا من { نبيهم } ،،، و { أشد وطائا } بدلا من { أشد وطئا } ، فقد قرأت فيهما بقراءة حفص ، ولم تقرأ بقراءة ورش ، فأقره على هذا السهو في القراءة ، وطلب منه أن يبقى معهم في الحرم المكي . وفي السنغال ،،، من فرط جمال وحلاوة وطلاوة صوت الشيخ وقراءته ، أعلن سبعون شخصا إسلامهم ، مع أنهم لايعرفون العربية ولم يتعلموها من قبل . وفي "جوهانسبرج" كان الناس يستشرفون إلي زيارة الشيخ لهم ، فلما زارهم استقبلوه بحفاوة بالغة ، لدرجة أنه بمجرد وصوله إلى هناك تجمعوا حول السيارة التي كانت تقله ، وكادوا يحملونها على أكتافهم . بل أكثر من ذلك طرافة ، أنه عندما ذهب إلى إحياء إحدى المناسبات الإسلامية فى الهند ، ولم تكن القاعة المخصصة لتتسع للحفل بآلافه المؤلفة ، اضطروا إلى أن يكون"الاستاد" مكانا للاحتفال ، لكي يستمتع كل الحضور بحلاوة وطلاوة الأداء القرآني العظيم ، ومن تقديرهم للقرآن العظيم ، ظل كثير منهم وقوفاً طيلة تلك الليلة ، يستمعون إليه ، وهم حُفاة الأقدام . ولما سافر إلى باريس لإحياء ليالي شهر رمضان فى المركز الإسلامي بها اشترى بدلة ثمينة ، ولكنه عدل عن ارتدائها بعد ذلك ، وفضّل البقاء بزيه الأنيق الوقور. وعن تسجيلات الشيخ يُذكر أنه قام بتسجيل المصحف الشريف لبعض الإذاعات العربية والأجنبية ، وكانت بعض تسجيلاته بالقراءات السبع ،،، فقد سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم لإذاعة جمهورية مصر العربية ، كما شارك بتسجيل المصحف المرتل برواية حفص أيضاً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية . و قام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية ، ومن أشهرها تلك التي سُجلت فى الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف ( ولقب بعدها بصوت مكة ) ،، وسجل لإذاعة الكويت ،، و سجل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع لإذاعة المملكة المغربية ، كما قام بتسجيل القرآن الكريم مجودا للقسم العربي بالإذاعة البريطانية فى عام ( 1971م ) . وقد كرم الشيخ رحمه الله من الكافة بلا استثناء ، ونال من التكريم والجوائز والأوسمة والنياشين ما هو أهل له وجدير به ، ولقي الشيخ رحمه الله كل أنواع الحفاوة والإجلال والتقدير من الجميع ، فكان يستقبل في الدول استقبال الملوك ، ومن ذلك أن الملك فيصل رحمه الله يكون في مقدمة مستقبليه بالرياض والرئيس الباكستاني ضياء الحق رحمه الله يستقبله في أرض المطار ويصافحه وهو ينزل من الطائرة ، وملك الأردن رحمه الله وحاشيته ينتظرونه في مطار عمّان . وعرض عليه الملك محمد الخامس ملك المغرب رحمه الله أن يقيم معه في المغرب إقامة كاملة ، لكنه اعتذر بلباقته المعهودة فيه . وحصل على شهادة تقدير من وزارة الإعلام المصرية بمناسبة عيدها الذهبي فى عام ( 1983م ) ، وحصل على وسام الكفاية الفكرية المغربي ، وفي سوريا كرمه الرئيس صبري العسلي رئيس مجلس الوزراء السوري فى عام ( 1956م ) ومنحه وسام الاستحقاق ، وفي لبنان قلده الرئيس سامي الصلح وسام الأرز أعلي أوسمة لبنان ً، وكذلك قلدته الحكومة السنغالية أرفع الأوسمة , كما منحه رئيس حكومة ماليزيا ( تنكو عبد الرحمن ) الوسام الذهبي في افتتاح المسجد الكبير بالعاصمة الماليزية ( كوالالمبور) في احتفال مهيب ضم ألوفا من الناس فى عام ( 1956م )… ومنحه الراحل ياسر عرفات في فلسطين وساما . ولم يتوقف التكريم له رحمه الله بعد رحيله ، بل امتد من بعد ذلك ولايزال ، فقد منحه الرئيس محمد حسني مبارك وساما في الاحتفال بليلة القدر فى عام ( 1990م ) وفاء له ، وتقديرا لتراثه الخالد . علي أن من أعظم الأوسمة ، وأهم النياشين التي حازها الشيخ الجليل رحمه الله التفاف الناس ، على اختلاف أماكنهم وثقافاتهم ومشاربهم حول بدائع قراءته ، وإجماعهم علي جمال وجلال صوته ، وعظمة وخلود مدرسته ، وترحمهم عليه دائما أبدا . ومن نافلة القول وترصيع البيان مع ضيق المقام نذكر عبارة سائرة منتشرة بين أهل العلم تقول : [ القرآن الكريم نزل فى الجزيرة العربية ، وكُتب في إستانبول ، وقُرِئ في مصر ] ،، وقد بلغ من صدق هذه العبارة أن صارت حقيقة يصدقها التاريخ ، ويؤكدها الواقع . نعم نعم ،، من الأعلام في دنيا الإسلام والمسلمين ، أولئك الشيوخ المصريون العظام الأجلاء ، أصحاب المدارس المتميزة في قراءة القرآن الكريم ، من مثل : الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، الشيخ محمد رفعت ، الشيخ مصطفى إسماعيل ، الشيخ محمود خليل الحصري ، الشيخ محمد صديق المنشاوي ، الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي ، الشيخ أبو العينين شعيشع ، الشيخ عبد العظيم زاهر، الشيخ محمود علي البنا ، الشيخ كامل يوسف البهتيمي ، رحمة الله عليهم جميعا أجمعين . وعن مرض ووفاة الشيخ الجليل ، في حديث لابنه الأستاذ / هشام ( وهو من حفظة كتاب الله المتقنين المجودين) ، يذكر أن الشيخ رحمه الله كان يعاني من كسل بالكبد لفترة طويلة من حياته ، ولكن ذلك لم يكن يمثل له شيئاً خطيراً بالنسبة له ، إذ كان يعالج بالأدوية ، إلا أنه أصيب بإلتهاب كبدي قبيل وفاته بثلاثة أسابيع تقريباً ، دخل على أثره مستشفى الدكتور إبراهيم بدران بالجيزة ، ومكث فيه أسبوعاً ، فلما ساءت حالته الصحية ، نصحه طبيبه المعالج بضرورة السفر إلي الخارج ، فسافر إلى لندن ، ومكث هناك فى إحدي مستشفياتها أسبوعاً أخر ، ولم تتحسن صحته بعد ، فطلب من إبنه طارق ، الذي رافقه في تلك الرحلة أن يعود به إلى مصر ، لشعوره بعدم جدوى العلاج ، وبمجرد أن دخل بيته ،،،،، قال : الحمد لله . ويكمل الأستاذ / هشام قائلا : ولأنه كان يشعر بدنو أجله ، جمعنا وجلس معنا ، وأوصانا ببعضنا البعض خيراً، وأوصى بأن تكون صلاة الجنازة عليه فى مسجد محمود بالمهندسين ، وأن يُدفن في مقبرته في حي البساتين ، بجانب مسجد سيدي أحمد الدندراوي رحمه الله ، وأن يكون العزاء في مسجد الحامدية الشاذلية بجوار سور نادي الزمالك . وقد وافته المنية عصر يوم الأربعاء ( 21 من شهر ربيع الآخر 1409 ه الموافق 30 نوفمبر 1988م) ، عن عمر يناهز واحدا وستين عاماً ، وشيّعه عشرات الألوف من المحبين لصوته وأدائه ومدرسته وشخصه ، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم ومواقعهم ، فكانت جنازته جنازة وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي، إذ حضر تشييع الجنازة كثير من سفراء دول العالم ، نيابة عن شعوبهم وملوك ورؤساء وأمراء دولهم . ومازال قُرّاء القرآن الكريم يجيئون إلي الدنيا ويذهبون ، وستأتي أجيال أخري وأجيال ،،، و مع كل ذلك ،،، يبقى ويظل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد صاحب الحنجرة الذهبية الفريدة ، والأداء المتقن المحكم ، صوتا عذبا متميزا ، وعلامة بارزة مضيئة في مسيرة قرّاء القرآن الكريم في دنيا الناس أجمعين . رحل الشيخ الجليل عن دنيانا تاركاً ميراثاً عظيما خالدا ، أعزّ وأغلى من أي ميراث ، وثروة غالية نفيسة تربو وتسمو على كل الثروات والمواريث . فسلام عليه في الخالدين . وحقا وصدقا ،، كان ولايزال الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد رحمه الله تعالي جديرا بأن تُخصص لسيرته العطرة وتراثه الخالد ومدرسته المتميزة في تلاوة القرآن الكريم كثيرٌ من المؤلفات والدراسات ، وهو الأمر الذي جعلنى أفرد له فصلا غاليا خاصا به ، من بين فصول كتابى ( مسلمون يخلّدهم التاريخ ) ، وكذا كتابى ( من أهرامات مصر العظام ) ، وهما من مصنّفاتى التي أعتز بها ، وأحمد الله علي التوفيق إليها . ثم اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان على ملته وسنته إلي يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين ، واغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولأصحاب الحقوق علينا وللمسلمين أجمعين ، اللهم آمين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .