أكثر ما يمكن أن يلفت الانتباه في الجدل الدائر حول جوائز الدولة هذا العام، خاصة تشجيعية الشعر، هو عدم المعرفة. وعدم المعرفة الذي أعنيه هنا، متعدد الأوجه. فهناك عدم معرفة باللوائح التي تحكم الجوائز، وهناك عدم معرفة بالفارق بين لجنة الشعر ولجنة تحكيم الجائزة، وهناك عدم معرفة بآليات التحكيم، وهناك عدم معرفة بالأعمال المقدمة للتسابق. فالذي يتقدم لجائزة الدولة التشجيعية، لا يُقبل عمله المقدم أصلا لو ان فيه إخلالا بواحد من الأشراط المنصوص عليها في نص المسابقة الذي ينشر في الجرائد في الأول من أكتوبر من كل عام، وليس من بين هذه الأشراط عضوية اللجان، فهو أمر غير منطقي، ومن الطبيعي أن يكون المبدع عضوا في لجنة أو نادي أدب أو بيت شعر أو آتيلييه، والحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها، أنه في كل عام يكون كثير من الشعراء الحاصلين على جوائز الدولة أعضاء في لجنة الشعر، ولنراجع معا – على سبيل الأمثلة – بعض الأسماء: أحمد عبد المعطي حجازي حصل على جائزة النيل عام 2013 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من بيت الشعر. عبد الرحمن الأبنودي حصل على جائزة النيل "كان اسمها مبارك" عام 2010 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من أكاديمية الفنون. فاروق شوشة حصل على جائزة النيل عام 2016 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من بيت الشعر. محمد إبراهيم أبوسنة حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2013 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من بيت الشعر. محمد أبودومة حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2013 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من اتحاد الكتاب. أحمد سويلم حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2016 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من دار الأدباء. سيد حجاب حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2013 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من بيت الشعر. حسن طلب حصل على جائزة الدولة للتفوق عام 2012 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من جامعة حلوان. حسن طلب حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2014 وهو عضو في لجنة الشعر، مرشحا من بيت الشعر. والأمثلة أكثر من أن تحصى، أما إذا فتحنا الباب على مصراعيه وتحدثنا عن بقية الجوائز لاكتشفنا أن هذا الأمر متكرر في لجنة القصة وفي لجنة الدراسات الأدبية وفي لجنة الترجمة وفي لجنة الطفل، باختصار في جميع لجان المجلس الأعلى للثقافة، ولا أحد يعترض على هذا لأنه ببساطة شديدة أمر طبيعي ولا شبهة فيه. لماذا لا شبهة فيه؟ الأمر يحيلنا إلى عدم المعرفة بالأمر الآخر، وهو الفارق بين لجنة الشعر ولجنة تحكيم الجائزة، فكما أن لجنة الشعر تشكل بقرار خاص، فإن لجنة فحص جوائز الدولة تشكل بقرار خاص، هذه لجنة، وتلك لجنة أخرى تماما، ومن الوارد أن تضم لجنة فحص الجوائز أعضاء من لجنة الشعر، ومن الوارد أن تضم أعضاء ليسوا أعضاء في لجنة الشعر، هي لجنة مستقلة تماما، وتغلب عليها السرية، وفي كثير من الأحيان لا يعرف أسماء أعضائها إلا بعد إعلان الجوائز. أما عن آليات التحكيم في لجنة فحص جوائز الدولة التشجيعية، فهي وحدها تحتاج بالفعل إلى تحية خاصة، لأنها الجوائز الوحيدة التي تحكم علميا بشكل حقيقي، ويتم فيها تصعيد الأفضل بموضوعية وشفافية، وهي محكومة بالأعمال المقدمة، وقد يكون هناك أعمال أفضل من العمل الفائز بالفعل، لكن صاحبها لم يتقدم للجائزة، والذين يعترضون على منح الجائزة للفائز عليهم أولا أن يقرأوا جميع الأعمال المقدمة، ويفاضلوا بينها، قبل إصدار حكمهم. يتبقى أمران بالغا الخطورة في ظني: الأمر الأول: أن كثيرا من الذين هاجموا جائزة الدولة التشجيعية في الشعر هذا العام والتي ذهبت للشاعرة سلمى فايد، كانوا غير منصفين، لسببين: أولا: هذه الجائزة من المرات القليلة التي ذهبت لمستحقيها شكلا ومضمونا بالفعل، فالمعتاد أن تذهب لمبدع حقيقي لكن متأخرة، كما هو الحال مع سمير الفيل هذا العام، ومع غيره في أعوام سابقة مثل محمد مهران السيد وعبد المنعم عواد يوسف ومفرح كريم وغيرهم ممن شارفوا على السبعين، (هل أذكركم بأن التشجيعية ذهبت من قبل لأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله بعد موتهما، وكأن الدولة تشجعهما على الموت!)، لكنها ذهبت لمبدعة حقيقية قبل بلوغها سن الأربعين، ألا يعد هذا أمرا يستحق التحية للشاعرة وللجنة التحكيم معا؟. ثانيا: الاعتراض جاء – في غالبيته – مشفوعا بكلام ثقيل الوقع، وأتمنى من المعترضين أن يضعوا أنفسهم مكان الشاعرة، ليروا كيف يمكن أن تستقبل هذا الكلام الثقيل؟ وما هو أثره عليها؟ وهل يمكن – والحال كذلك – أن تثمر التشجيعية في نفسها ثمارها المرجوة، أم تراها ستلعن اليوم الذي حلمت فيه بالحصول على الجائزة؟. الأمر الآخر: أقول لجميع المعترضين، كيف ارتضيتم أن تهاجموا جائزة حقيقية، ذهبت لشاعرة حقيقية، حكم فيها شعراء ونقاد حقيقيون، وتتركوا جائزة الدولة التقديرية التي ذهبت للشاعر مصطفى الضمراني! وحجبت عن الشاعر محمد سليمان؟.