الاستيطان وأمريكا وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن لعاقل أن يتصور بالمطلق أن الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب يمكن أن تعمل على تقديم خطوات فعلية لعملية السلام المتوقفة بسبب الاستيطان وجرائم الإحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. وبين الفينة والأخرى تظهر تسريبات لجس النبض بان هناك أفكار أمريكية وأحيانا جلسات لطرح أفكار لعملية التفاوض، وكلها تدور في نفس الدائرة ولا توقف للاستيطان في ظل ذلك، ونلمس ذلك من خلال طرح المخطط الاستيطاني الكبير الذي أعده مجلس المستوطنات في الضفة الغربية ببناء حوالي 67 ألف وحدة استيطانية. فأي سلام يطرح تحت سيف الاستيطان، وأي خطط تطرح لن يكتب لها النجاح، خاصة أن نتنياهو تعهد بإبقاء السيطرة على الضفة بأي اتفاق مستقبلي. إن ما يقوم به نتنياهو وحكومته المتطرفة هو إعادة السيناريوهات القديمة وتأزيم المواقف ورفضا للمساعي الأمريكية وإفشال خطة الرئيس الأمريكي ترامب والدخول في مفاوضات بلا برنامج أو هدف أو مدة زمنية أو سقف ومرجعية دولية، ولهذا فانه من غير المتوقع أن نشهد تغيرا قريبا في المواقف الاسرائيلية وأتوقع دخولها في عزلة داخلية تنتهي بحكومة إسرائيلية جديدة، وهذا يعتمد على الخطوات التي يمكن ان يتخذها ترامب لتنفيذ ما تحدث به. أمام هذا التدهور والعنجهية الاحتلالية، نتطلع لان تأخذ الادارة الامريكية القضية الفلسطينية على محمل المسؤولية، والا تنحاز لصالح إسرائيل وأيضا الا تطالبنا بان نقدم تنازلات من أجل إنجاح خطتها او رؤيتها الغير معلنة والغير واضحة حنى الان، وبالتالي يمكن الوقوع في نفس الخطأ والخديعة التي مارستها الادارة الامريكية متعمدة بعد بدء تنفيذ اتفاق اعلان المبادئ أوسلو حتى وصلت الامور الى الصدام السياسي وتفريغ الاتفاق من مضمونة وتعطيل كافة المسارات وكان واضحا ان الهدف هو عدم الوصول الى الخطوة الثانية بما تمثل الملفات النهائية ومنها القدس والحدود والمياه واللاجئين، وملفات أخرى كان الهدف منها هو السيادة الفلسطينية على كافة الاراضي التي تتسلمها وبما يشمل كافة الحدود البرية والمائية والجوية، وحين تسلم نتنياهو الحكومة اعتبر ان الاتفاق بمثابة الكارثة على اسرائيل وان القدس هي العاصمة الابدية لإسرائيل وانه لا يوجد سيادة او دولة فلسطينية وبدأ في تكثيف البناء الاستيطاني حتى انفجرت الاوضاع كاملة . واليوم بعد تعاقب الحكومات الامريكية والاسرائيلية وفي نهاية فترة اوباما حصل الفلسطينيون على قرار اممي 2334 وهو يعتبر الاستيطان غير شرعي وما بني فوق الارض الفلسطينية يعتبر مخالفا للقرارات الدولية وفي بداية ولاية ترامب ايضا حصل الفلسطينيون على قرار من اليونسكو يعتبر حائط البراق فلسطيني ويمتد الى مساحة باب المغاربة وما امامها وان التهويد فيها غير شرعي ومخالف للقرارات الدولية. مواصلا حديثه، المساعي الامريكية للحل غير واضحة المعالم وتراجع ترامب بما يخص سفارة بلاده للقدس واعتبر هذا نجاح للدبلوماسية الفلسطينية ورغبة امريكية في ترتيب اوراق المنطقة والابتعاد عن تحويل الصراع من سياسي الى ديني كما حذر من ذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ليعود نتنياهو ليرد على ترامب محاولا القفز على نتائج زيارته ومتهما الفلسطينيون بانهم يريدوا انهاء اسرائيل ولكي يثبت الفلسطينيون حسن النوايا عليهم الاعتراف بالدولة اليهودية وانه في حال وجود اي حل مستقبلي يجب ان تكون السيادة الامنية لاسرائيل . وبالتالي تحويل التجمعات الفلسطينية الى كنتونات امنية تتناقض مع المطالب الفلسطينية لتحقيق السلام، والمتمثلة بحل الدولتين وان تكون الدولة الفلسطينية عاصمتها القدسالشرقية وتتمتع بالسيادة الكاملة وحق الحركة دون وصاية او استعمار امني احتلالي ، وفي نفس الوقت ووفق ما صرحت به القيادة الفلسطينية ان الدولة اليهودية لن نعترف بها وان اسرائيل تسمي نفسها بما شاءت فهذا امر غير ملزم للفلسطينين بالمطلق وان الامن بالمفهوم الفلسطيني هو اولا انهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ذات السيادة وحق العودة وتقرير المصير . د.مازن صافي / كاتب ومحلل سياسي