منذ إطلاقها مطلع مارس الماضي، نجحت مبادرة "صناع الأمل" في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة "صناع الأمل" أكثر من 50 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم. سعياً لمشاركة الناس هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج. القصة الأولى: من خلال شركة دروب الوقفية في السعودية سلافة بترجي تفتح باب العلم والمعرفة لمئات الأطفال سلافة بترجي نموذج للسيدة السعودية العربية الناجحة؛ فهي أم ومعلمة وناشطة في تنمية المجتمع. تولت في العام 2014 منصب الرئيس التنفيذي لشركة "دروب" السعودية، وهي شركة وقفية تخدم التعلم والتعليم تقوم رؤيتها على صناعة الإرث وتخليد الأثر، وتنطلق رسالتها من تمكين الجيل الحالي لإحداث تغيير إيجابي في كل زمانٍ ومكان. وعملت سلافة في الشركة على مبادرة "منح دروب" الخاصة بتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية والأكاديمية وتطوير المهارات. حتى اليوم، قدمت الشركة منحاً ل250 طالباً في تسع دول، ووفرت مساكن ل34 أسرة في السودان، واحتضنت 165 مستفيداً. وبلغ حجم الاستثمارات التعليمية في دروب أكثر من 240 مليون ريال سعودي في 9 دول هي: السعودية والسودان واليمن والصومال وكينيا وأريتريا وأثيوبيا ونيجيريا وتشاد. وساهمت المشاريع الهادفة لتحسين حياة الأفراد ورفع مستوى سعادتهم في التأثير على ما يقارب 4000 شخص، من بينهم أيتام. في العام 2015 شكّلت "دروب" أول مبادرة أهلية مجتمعية لرعاية طلاب التعليم العام في المملكة العربية السعودية، حيث قدمت عشرة ملايين ريال سعودي لدعم الطلاب ذوي الدخل المحدود بالمملكة من خلال منح دراسية، إلى جانب تنفيذ مجموعة من الأنشطة الإضافية من رحلات خارجية وبرامج تدريب متخصصة في تطوير المهارات والقدرات للطلبة لتأهيلهم للحياة العملية. إضافة إلى ذلك، تبنّت بترجي العديد من المبادرات مثل: مبادرة يوم اللجوء العالمي، ومبادرة يوم حقوق الطفل العالمي، والذكاء العاطفي لعالم أفضل. كرًست سلافة بترجي حياتها لدعم وتمكين الطلبة الأذكياء من الأسر ذات الدخل المحدود، مخالفةً العرف السائد بتقديم المنح لطلبة الجامعات، متوجهةً نحو اليافعين والأطفال لإيمانها العميق بمبدأ "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر"، حيث سعت بترجي في هذا الخصوص إلى التركيز على التعليم النوعي الذي يمكِّن الطلبة من تحصيل العلوم بطرق مبتكرة وجديدة وأكثر متعة تسهم في ترسيخ المعلومة في أذهان الصغار مدى الحياة فيظل تأثيرها أعمق وأبعد مدى. تؤمن سلافة بأن التعليم، كقيمة متوارثة في عائلة "البترجي"، أداة تمكين وتغيير، وترى بأن الاستثمار في التعليم يتقدم في أهميته على أي شكل من أشكال التنمية الاجتماعية أو الإنسانية الأخرى. إن العمل المبدع الذي قامت به "دروب" ورئيستها التنفيذية سلافة بترجي سيبقى حاضراً في أذهان وقلوب كافة الأطفال الذين نالوا فرصةً لتحصيل علمي أفضل، وستبقى بصمة هذه الفكرة الرائدة محفورة في وجدان مجتمعات العديد من الدول التي استفاد أبناؤها من هذه المبادرة، التي فتحت لهم الباب نحو آفاق العلم والمعرفة. القصة الثانية: تضم جيشاً من الصيادلة والأطباء والمتطوعين من مختلف أنحاء مصر "صيدلية الفيسبوك"…تجمع الأدوية من الناس والصيدليات لتوزيعها على المرضى المحتاجين قد يصبر المرء على قلة الطعام وتواضع الكساء وغياب معظم أساسيات الحياة، لكن شيئاً واحداً قد يشكّل خطاً فاصلاً وفارقاً بين الصحة والعجز، وأحياناً بين الحياة والموت: الدواء! هذا ما التفت إليه الدكتور سامح سمير، وعدد من رفاقه، الذين راعتهم أزمة نقص الدواء التي تواجهها مدن ومناطق عدة في مصر، إلى جانب الارتفاع الكبير في الأسعار، الأمر الذي عصف بآلاف المرضى المحتاجين في مصر، خاصة أولئك الذين يعانون أمراضاً مستعصية تحتاج إلى رعاية ومتابعة صحية ودوائية مستمرة. اهتدى سامح وزملاؤه إلى فكرة، على بساطتها، من شأنها في حال توفرت الإرادة المثابرة والمعطاءة أن تحقق نجاحاً كبيراً، فأسّس بمساعدة آخرين صيدلية افتراضية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بعنوان "صيدلية الفيسبوك"، تشكل آلية عملها أجمل تجسيد لمفهوم التكاتف المجتمعي، بحيث يتم توفير الدواء للمحتاجين من مختلف مناطق البلاد، عبر تبادل الأدوية بين الناس، أينما كانوا، كأن يحصل مريض من الإسكندرية مثلاً على دواء ينقصه من جار له في أسوان لديه دواء فائض عن حاجته. منذ انطلاق "صيدلية الفيسبوك" في منتصف نوفمبر من العام 2016، استطاعت أن تحقق نجاحاً لافتاً، مع انضمام جيش من المتطوعين للصيدلية، مهمتهم التواصل مع الناس ومع الصيدليات وشركات الأدوية لتوفير الأدوية للمرضى المحتاجين والعمل على إيصالها لهم، حيث يتم توزيع الأدوية مجاناً للمرضى الفقراء، العاجزين عن سداد ثمن الدواء، أو بسعر رمزي. إلى جانب التواصل مع الصيدليات وشركات الأدوية، يحرص أعضاء "صيدلية الفيسبوك" والمتطوعون على التواصل مع أشخاص لديهم أدوية يودون التبرع بها بعدما لم يعودوا بحاجة لها، بحيث يتم إيصالها مجاناً لأولئك الأشد حاجة إليها من غيرهم. خلال أكثر من عام من تدشينها، نجحت "صيدلية الفيسبوك" في توفير الأدوية الضرورية لآلاف المرضى، خاصة ممن يعانون أمراضاً حرجة، مثل ضمور العضلات والوهن العضلي وأمراض الكبد والكلى والسرطان، مع الحرص على تطوير وتوسيع النطاق الجغرافي لخدمات الصيدلية، سواء لجهة توفير الأدوية وجلبها من مختلف المدن والمحافظات، ومن مختلف المصادر، أو لجهة توزيعها على من هم بحاجة لها، وفق أولويات محددة تأخذ في الاعتبار حالة المريض ووضعه الصحي والمادي. ولا يقتصر دور "صيدلية الفيسبوك" على توزيع الأدوية وإنما مراقبة أسعار الأدوية في السوق وإرشاد الناس لها، وتوجيه المقتدرين لشراء الأدوية التي تنقصهم من صيدليات تطرحها بأسعار معقولة نسبياً قياساً بأسعار الأدوية في السوق، مجنِّبيهم التعرض لاستغلال تجار الأدوية في السوق السوداء. كذلك، يحرص القائمون على الصيدلية الرقمية، ومعظمهم أطباء وصيادلة مشهود لهم بالخبرة، على استغلال منصة الفيسبوك التواصلية للقيام بدور توعوي وإرشادي للمرضى وعائلاتهم، في ما يتعلق بالاستغلال الأمثل للدواء وسبل الاستفادة منه، وكيفية الحفاظ عليه، أو استخدام أدوية متوفرة في البيت لعلاج أمراض بعينها، لم يكونوا يلتفتوا في السابق إلى إمكانية ذلك. كما يقوم الصيادلة المساهمون في "غروب" صفحة الصيدلية باقتراح بدائل لأدوية مفقودة أو باهظة الثمن، تكون فعالة بذات القدر. يوما بعد آخر، يتسع نشاط "صيدلية الفيسبوك" مع انضمام عدد كبير من المتطوعين إليها، ليسوا صيادلة بالضرورة، وإنما أناس متحمسون لخدمة مجتمعهم، من بينهم أساتذة أكاديميون ومدرّسون وطلبة جامعيون وموظفون، يتطلعون إلى توفير الدواء لكل فرد في المجتمع، كل حسب حاجته. القصة الثالثة: أكثر من 1200 متطوع يسعون لغرس بذار الأمل في مجتمعهم "نحن من أجلكم".. مبادرة خيرية إنسانية موجهة للأيتام والمسنين والعائلات الفقيرة انطلقت مبادرة "نحن من أجلكم" التي تأسست في العاصمة الأردنية عمّان في العام 2011، قبل أن يتم تسجيلها رسمياً كجمعية خيرية في العام 2013. صاحب الفكرة ومؤسسها هو المهندس الشاب عادل غنيم، الذي كان حريصاً بالدرجة الأولى على التركيز على الأطفال الأيتام من خلال تصميم فعاليات ترفيهية تعليمية لهم، تسهم في صقل شخصياتهم وغرس أفكار بناءة وملهمة في نفوسهم، وتوجيهم لما يساعدهم على النمو في بيئة طبيعية، ذات أجواء إيجابية، بعيداً عن الكراهية والتعصب والعنف والتطرف. حتى اليوم، تبنت جمعية "نحن من أجلكم" العديد من المبادرات والفعاليات المخصصة للأطفال، من بينها "مهرجان الطفولة" الذي يهدف إلى تعليم الأطفال الأيتام والفقراء مهارات حياتية متنوعة، و"مهرجان قدوتنا" وهو مهرجان سنوي يهدف إلى تعليم الأطفال الأيتام والفقراء سيرة نبينا محمد (ص) بطريقة مبتكرة، ومبادرة "زدني علماً، وهي مبادرة سنوية تتبنى مجموعة من الأطفال الأيتام لتعليمهم القراءة والكتابة، وغيرها. لكن "نحن من أجلكم" لا يقتصر نشاطها على الأطفال، فهي تقوم بتنظيم العديد من الأنشطة والمبادرات من أجل شرائح مجتمعية مختلفة، كالمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والعائلات الفقيرة والمستورة، حيث يحرص متطوعو الجمعية على تقديم الرعاية والدعم النفسي لكبار السن المحتاجين في مجتمعهم المحلي، إلى جانب توزيع وجبات إفطار في شهر رمضان الفضيل على العائلات الفقيرة والمتعففة، علاوة على تبني الجمعية مبادرتي "كسوة الشتاء" و"كسوة الربيع" عبر جمع الملابس المستعملة وتوزيعها على المحتاجين وما إلى ذلك من مبادرات إنسانية وخيرية تهدف إلى رفع المعاناة عن الشرائح الأقل حظاً والأكثر معاناة في المجتمع. رغم حداثة عهدها بالعمل الإنساني والخيري، إلا أن جمعية "نحن من أجلكم" نجحت في أن تترك بصمتها، ولعل ما يميزها عن مبادرات عدة مشابهة أنها شبابية بامتياز، حيث نجحت في جمع أكثر من 1200 متطوع ومتطوعة تحت مظلتها، كشباب متحمس مدفوع بحب العطاء ونشر بذار الأمل في كل مكان في وطنهم.