قليل من السياسيين من يكون لهم أكثر من دور خلال رحلتهم السياسية، فيظهرون في المواقف والأزمات ويكونون فاعليين ومؤثرين على المستويين العام والخاص، فالمعتاد أن يؤدي كل منهم دوره فيخطئ ويصيب، ثم يتوارى بإرادته أو بإرادات أخرى ولا يظهر ثانية.. يحدث هذا مع كثيرين إلا مع المستشار الدكتور يحيى الجمل.. عندما كنا طلبة في الجامعة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كان اسم الدكتور يحيى الجمل مدويا كأستاذ للقانون، ثم عميدا لكلية الحقوق ووزيرا بعد ذلك، وقد شارك "د. يحيى الجمل" في الحياة السياسية من خلال مجموعة من المقالات في الصحف المصرية والعربية، واشتهر بالعديد من مواقفه ومقالاته السياسية الجريئة في عهد الرئيس السابق "حسني مبارك"، منتقداً النظام السابق وما نتج عنه من فساد وانحدار في كافة المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية. دخل للتصوف بسبب مقولة "أدين بدين الحب"، للإمام محيى الدين بن عربي وأبدى إعجابه بآرائه في وحدة الوجود وعاش مقتنعا بها، وقال: على الدرب سار محيى الدين بن عربي وعليه أسير، وصلتي بمحيى الدين بن عربي ترجع إلى عدة عقود مضت. وكان له موقف من التدين الظاهري وقال: هل هذا نوع من التقرب إلي الله، أم هو في الحقيقة نوع من الضوضاء التي تنفر الإنسان المتدين حقيقة من هذه الأصوات العالية، هل يتصور أحد أن هناك أكثر من فضائية، تبث علي الناس، ولا يظهر فيها إلا وجوه عليها غضب ولا تعرف إلا النذير والشر المستطير وعذاب القبر والثعبان الأقرع؟ ". كما أعلن أكثر من مرة عن محبته وتقديره للبابا شنودة الثالث وقال عنه: من الضمانات الحقيقية ضد الفتنة والانحراف والتطرف، استكمل "يحيي الجمل" مشواره السياسي عقب اندلاع ثورة 25 يناير المصرية التي أطاحت برموز نظام الرئيس السابق "مبارك"، وشارك بالتعاون مع مجموعة من السياسيين والمفكرين منهم الدكتور "أسامة الغزالي حرب" و"علي السلمي" في تأسيس حزب "الجبهة الديمقراطية" الذي تولى رئاسته ثم تولى منصب نائب رئيس وزراء مصر للحوار المجتمعي في أعقاب ثورة 25 يناير أثناء وزارة عصام شرف.. وكان يرى أن المجلس العسكري تولي السلطة في ظروف صعبة، وعاب على المجلس العسكري تردده في اتخاذ القرارات وتخليه عن فكرة "الدستور أولاً" . ثم تقدم باستقالته من منصب نائب رئيس الوزراء، وقبلها عصام شرف منه، إلا أن المجلس العسكري رفضها واستمر في منصبه حتى استقالة الحكومة برمتها. لكن لا شك أن هذه الفترة القصيرة الذي تولى فيها منصب نائب رئيس الوزراء كانت من أهم الفترات التي مرت بها مصر وأفاد مصر كثيرا في هذه المرحلة بآرائه وخبراته.. آخر لقاء معه كان في الاحتفالية التي أقمناها بمكتبة مصر العامة في ديسمبر من العام الماضي في ذكرى رحيل الكاتب الكبير يحيى حقي وألقى فيها الدكتور يحيى الجمل كلمة بهذه المناسبة.. نحن بحاجة شديدة إلى كتاب وسياسيين وإعلاميين وأصحاب رأي من نوعية الدكتور يحيى الجمل.. نتفق معهم ونختلف معهم ونثور عليهم أحيانا، لكننا في النهاية نحترمهم ونقدرهم، رحم الله الفقيه الدستوري الكبير المستشار يحيى الجمل..