استيقظنا اليوم على خبر رحيله المفاجئ فزلزل كياننا وأصابنا الهم والكدر، كان فاروق شوشة بالنسبة لجيلنا مايسترو ضبطت حواسنا على عصاته، ورقصت ألسنتنا على إيقاعه، وتربت آذاننا على صوته الهادئ الرخيم، فمنذ نعومة أظافري وأنا أتابع برنامجه "لغتنا الجميلة" وأحاول تقليد صوته وأدائه، وظل فاروق شوشة بالنسبة لي هو القدوة والمثل الأعلى ليس في صوته وأدائه فحسب، بل في سمته وأدبه وأخلاقه.. حتى التحقت بالإذاعة وانضممت إلى دورات تدريب المذيعين في بداية حياتي الإذاعية فكانت أمتع المحاضرات إلى نفسي محاضرة الأستاذ فاروق شوشة حيث كانت جرعة دسمة من الثقافة والبلاغة والأدب واللغة علاوة على جماليات الأداء والصوت، ناهيك عن الأدب الرفيع والتواضع الجم والأخلاق الكريمة فأنت أمام مثال حي لما يجب أن يكون عليه الإذاعي قلبا وقالبا.. وأشهد ويشهد غيري من زملاء المهنة أننا لم نسمع منه يوما سبا ولا شتما ولا تأنيبا ولا تجريحا، بل لم نره أبدا عابس الوجه مقطب الجبين يتحدث في ثورة أو انفعال أو عصبية، وإنما كان دائما محافظا على هدوئه وابتسامته الوديعة وخفة ظله فلا تفوته مزحة أو نكتة أو قفشة، حتى قفشاته كانت بالفصحى، ولم تكن فصحى ثقيلة متكلفة يشوبها التقعر والنفور، بل كانت فصحى جذابة محببة إلى النفس تود الأذن سماعها وتنساب داخل النفس كالأريج العطر.. وإذا أخطأ أحدنا في نطق لفظ لا يوبخه أو ينبهه بحدة، بل كان يعيد اللفظ مصححا في سياق الحديث دون أن يسبب له حرجا.. آخر مرة التقيته فيها منذ شهرين تقريبا في المجلس الأعلى للثقافة راح يسلم علي بحرارة وسألني عن آخر أعمالي الأدبية ثم ذكر أفراد أسرتي واحدا واحدا وبلغهم السلام.. برحيل فاروق شوشة فقدنا قامة أدبية وإعلامية رفيعة تقدر قيمة الحرف وأهمية الكلمة.. رحم الله أستاذنا ومعلمنا وقدوتنا فاروق شوشة وأسكنه فسيح جناته..