منذ نحو شهرين أو يزيد؛ دار حوار بيني وبين الأخ الفاضل أحمد المهري. دار الحديث حول السؤال المهم التالي: هل الحرف العربي بمفردة له دلالة، أم أنها أصوات اعتباطية؟ بتعبير آخر: هل عندما ننطق باللفظ "فَعَلَ "، وهي تتكون من ثلاثة حروف الفاء والعين واللام، فهل يكون لكل حرف من الحروف الثلاثة معنى (= دلالة) مستقل، ويكون المعنى (= دلالة) الإجمالي للكلمة هو مجموع الدلالات لكل الحروف؟ لا يستطيع إنسان أن يفكر في هذه المشكلة ويجيب عن هذه الأسئلة إلا أن يمر بسؤال احتار فيه علماء اللغة إلى وقتنا الحاضر. والسؤال هو: كيف نشأت اللغة الإنسانية؟ فمن المعروف إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يتواصل مع الآخرين بلغة فائقة التطور، فهي تتكون من أصوات (= حروف)، ثم كلمات (مكونة من حروف)، ثم جمل لها دلالة يفهمها المتحدثون من بني البشر. فكيف نشأت اللغة إذا؟ وضع اللغويون أربعة نظريات، وهي – باختصار شديد: النظرية الأولى: اللغة الإنسانية إلهام إلهي هبط على الإنسان فعلمه النطق وأسماء الأشياء. النظرية الثانية: بالتواضع والاتفاق وارتجال ألفاظها ارتجالا. النظرية الثالثة: ترجع اللغة إلى غريزة خاصة زود بها في الأصل جميع أفراد النوع الإنساني للتعبير عن مدركاته بأصوات مركبة ذات مقاطع، كما زُود باستعداد فطري للتعبير عن انفعالاته بحركات جسمية وأصوات بسيطة. النظرية الرابعة: نشأت اللغة من تقليد الأصوات الطبيعية … والتعبير الطبيعي عن الانفعالات، وأصوات الحيوان، وأصوات مظاهر الطبيعة الأخرى. [ أخذت هذه النظريات من كتاب علم اللغة، د. علي عبد الواحد موافي، نهضة مصر 2004، ص 98 من النسخة الإلكترونية. والكتاب موجود على الانترنت] . بالنسبة لي لم أفكر في هذه القضية الفكرية قبل ظهور معجم في 2012 م يسمى "المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم"، والمعجم موجود على الانترنت لمن يحب البحث عنه والاطلاع عليه والاحتفاظ بنسخة الكترونية منه. كان هذا المعجم يعرض تفسيرا لألفاظ القرآن الكريم بأسلوب مغاير لما تعودنا عليه سابقا، ويمكن الاطلاع على أسلوبه المتبع من الصفحات الأولى من المعجم تحت عنوان بين يدي المعجم، أو قراءة الملحق الذي كتبته عنه ومرفق مع هذه الرسالة. المهم أني أعجبت بهذا الأسلوب وأردت أن أشارك الأخ الكريم أحمد المهري والأخ الكريم قصي الموسوي في مجموعة المودة الحوار في هذا الموضوع، فأرسلت لهم رابط لكتاب يسمى "فقه الحروف". لم يكن هذا الكتاب الأخير يدعم نظرية دلالات الحروف الواردة في المعجم المؤصل؛ إلا أنني أردت فتح الحوار في هذا الموضوع الشيق المهم. ولكن كانت المفاجئة. لقد كان أخونا وشيخنا الكريم أحمد المهري من الذين يعتقدون بفساد هذا الأسلوب وينكر تماما أن للحروف العربية دلالة، وبالتالي دار بيني وبينه حوار في أكثر من رسالة، طلب مني مشاركة الآخرين في الحوار، وهاأنا أفعل ذلك، ولكن بعد دراسة للموضوع. فقد طُلب مني كتابة شيء عن المعجم الاشتقاقي المؤصل وكنت مشغولا في دراسة هذا الموضوع، ووصلت إلى نتيجة مفادها إن اللغة العربية قد نشأت بالفعل على مراحل بدأت بثنائية الأفعال ثم تطورت إلى الثلاثية، وأترك القارئ الفضيل أن يطلع على ما كتبت ويتفكر فيه ويبين ما يوافقني عليه أو ما يعارضني فيه، وأعد الجميع بموضوع غاية في الإثارة والأهمية من حيث المساعدة في تفسير القرآن، خاصة الآيات العلمية فيه. وبالمناسبة فإن ما كتبت ينهي مشكلة كانت قائمة ويجيب عن سؤال لم نقدم الدليل على صحة الإجابة عليه، والسؤال هو : هل يحمل القرآن الكريم بعض التعليم العلمي للبشر؟ أم إن القرآن كتاب أمي نزل على قوم أميين فليس من المعقول أن يتحدث عن علوم ونظريات علمية لم يكتشفها الإنسان إلا بعد أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. أرجو من القارئ الكريم الذي يريد المشاركة في هذا الحوار أن يقرأ الملف المرفق مع هذه الرسالة، وهي بعنوان "عن المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم"، ولنبدأ بعدها الحوار.