يقول المستشرق "أرنست رينان" في كتابه "تاريخ اللغات السامية": "من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتصل إلى درجة الكمال عند أمَّة من الرُّحَّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها؛ بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها"[1]، وينقل عن "وليم ورك" قوله: "إن للعربية لينًا ومرونةً يمكِّنانها من التكيف وفقًا لمقتضيات العصر"[2].وتمتاز اللغة العربية بعدد من السمات والخصائص، من أهمها: السعة والمرونة: يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في أوائل الرسالة: "لسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي"[3]، ويؤكد المنصفون من علماء العرب والغرب أن اللغة العربية تمتاز عن سائر أخواتها من اللغات السامية، وغيرها من لغات البشر، بوفرة كلماتها، والاطراد في قياس أبنيتها، وتنوع أساليبها، وعذوبة منطقها، ووضوح مخارجها… إلخ، يقول "بروكلمان": "معجم العربية اللغوي لا يجاريه معجم في ثرائه، إنه نهر"[4]، وأكد الألماني "فريتاغ" ذلك بقوله: "اللغة العربية أغنى لغات العالم"، ويقول "الإسباني "فيلا سبازا": "اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوروبا؛ لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها"[5]. ويصف "فيكتور بيرار" اللغة العربية في القرن الرابع الهجري، بأنها أغنى، وأبسط، وأقوى، وأرق، وأمتن، وأكثر اللهجات الإنسانية مرونةً وروعةً، فهي كنز يزخر بالمفاتن، ويفيض بسحر الخيال، وعجيب المجاز، رقيق الحاشية، مهذب الجوانب، رائع التصوير[6].والذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تُبارى، فالألماني المعاصر – مثلًا – لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة، بينما العرب المُحدَثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كُتبت في الجاهلية قبل الإسلام[7]. كما أنَّ اللغة العربية تتميز بثبات الأصول، ومرونة الفروع، وثبات أصول الألفاظ، ومحافظتها على روابطها الاشتقاقية يقابل استمرار الشخصية العربية خلال العصور، فالحفاظ على الأصل واتصال الشخصية واستمرارها صفة يتصف بها العرب، كما تتصف بها لغتهم، إذ تُمكِّن الخاصية الاشتقاقية من تمييز الدخيل الغريب من الأصيل، وبهذه المرونة عولجت مسألة المصطلحات، وقد لاحظ "ألفرد غيوم" هذه الخصائص، فعلق عليها بقوله: "صلح اللسان العربي للتعبير عن العلاقات بإيجاز أكثر من اللغات الآرية؛ لمرونته، وقابليته الاشتقاقية الفائقة في الاسم والفعل"[8]، فاللغات الأوربية تتغير معاجمها بين الحين والحين، ولا يمر قرن واحد إلا ويصيبها تغيير أساسي في مفرداتها وقواعدها، بينما للعربية قدرتها الفائقة على استخدام أكثر من طريقة لتثبيت ألفاظ جديدة في قاموسها؛ كالقلب المكاني، والنحت، والتعريب، وغيرها. ومن مرونتها كذلك: الظواهر الصوتية؛ من إبدال، وإدغام، وإظهار، وإخفاء، ورَوْمٍ، وإشمام، وأيضًا: كاسم المكان والزمان، والسببية، والحرفة، والأصوات، والآلة، والتفضيل… إلخ، تلك المرونة التي أتاحت لها أن تغدو لغة الحضارة في القرون الوسطى. الحواشي: [1]الجندي، أنور، اللغة العربية بين حماتها وخصومها، (ص 25)، ومجلة اللسان العربي (24/85). [2]نقلاً عن مجموعة مقالات نشرت على (شبكة الألوكة) على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). [3]الشافعي، الرسالة، (ص28)، وينظر: السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها (1/52 – 53). [4]ينظر: فقه اللغات السامية (ص31). [5] ينظر: اللغة العربية، ولسان الحال من علماء الغرب، موقع جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات، بتاريخ: 3/2/2009م. [6]ينظر: العلمي، إدريس بن الحسن،"اللغة العربية وآراء المفكرين الغربيين"، صوت العربية على شبكة المعلومات. [7]الجندي، أنور، الفصحى لغة القرآن (ص 301). [8] النبهان، عبدالإله أحمد، بحوث في اللغة والنحو والبلاغة (ص54).