رئيس جامعة سوهاج يتفقد تجهيزات الجامعة الأهلية استعدادًا لبدء الدراسة    انطلاق ماراثون امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل بالبحيرة    جامعة بنها الأهلية تنظم اليوم العلمي الأول لكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال    «القومي للمرأة»: استحداث اختصاص اضافي للجنة البحث العلمي    «مصر القومي»: التعديلات المقترحة على قوانين الانتخابات محطة مفصلية ضمن مسار التطوير السياسي    السيسي يؤكد أهمية تكثيف شركة "شل" لأنشطة الاستكشاف والتنمية بمناطق الامتياز التابعة لها    سعر الأرز اليوم الخميس 22 مايو 2025 في الأسواق    توجيه رئاسى بشأن البنزين المغشوش: محاسبة المتسببين واتخاذ التدابير اللازمة    «القابضة لمياه الشرب» تنفذ مشروعات بقيمة 8.5 مليار جنيه خلال 2023-2024    كامل الوزير: تأهيل ترام الرمل سيقلل زمن الرحلة من 60 دقيقة إلى 35 فقط    وزير الاستثمار يلتقي وزير الدولة الإماراتي لاستعراض تطورات المفاوضات الخاصة باتفاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    وزير البيئة: ربط التنوع البيولوجي بأهداف التنمية المستدامة أولوية قصوى    استشهاد 23 فلسطينيا بنيران الاحتلال في غزة منذ فجر اليوم    رئيس اتحاد المحامين العرب يُدين جرائم الاحتلال في غزة وجنين    وزير الخارجية: يجب وقف إطلاق النار بغزة فورا ونفاذ المساعدات الإنسانية    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات    موعد مباراة الأهلي وفاركو في الدوري والقناة الناقلة    موعد مباراة الأهلي ومنتدى درب سلطان في نصف نهائي البطولة الأفريقية لكرة اليد    سون هيونج مين يقود توتنهام لتحقيق لقب الدوري الأوروبي ويصف نفسه ب"أسطورة ليوم واحد"    شوبير يكشف موعد إعلان الأهلي عن صفقة "زيزو".. ومواجهة ودية للفريق    مباشر مباراة الأهلي والمنتدى المغربي في نصف نهائي الكؤوس الأفريقية لكرة اليد    مواعيد مباريات الخميس 22 مايو 2025.. نصف نهائي كأس الكؤوس لليد وصراع الهبوط بالسعودية    «سيدات يد الأهلي» يواجهن الجمعية الرياضية التونسي بكأس الكؤوس الإفريقية لليد|    ميدو: لاعبون في الدوري المصري يتقاضون أكثر من 14 لاعبا بنابولي.. وعرضنا التجديد للسعيد    قرار جديد بشأن تشكيل عصابي تخصص في تزوير العملات بالقاهرة    قرارت النيابة في مقتل سيدة على يد زوجها عقب وصلة تعذيب وحشية بأوسيم    «غزال» و«أبو نسب».. القبض على شخصين بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    انطلاق أعمال تصحيح الشهادة الإعدادية الأزهرية بمنطقة الأقصر    اكتشافات أثرية جديدة في العساسيف بالأقصر    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الأزهر للفتوى يوضح أحكام أداء المرأة للحج    المستشفيات الجامعية تنظم الاحتفالية السنوية لنظافة الأيدي    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    طب بني سويف تنظم أول مؤتمر علمي طلابي    طريقة عمل البسبوسة، مرملة وطرية ومذاقها لا يقاوم    تعدى على الملكية الفكرية.. سقوط مدير مطبعة غير مرخصة في السلام    ارتكبوا 4 جرائم مشابهة.. القبض على لصوص المساكن في الحي الراقي    مؤيد لفلسطين وتبرع لحملة بايدن.. من هو مطلق النار على موظفي سفارة إسرائيل ب واشنطن؟    حيش الاحتلال ينذر سكان 14 حيا في شمال غزة بالإخلاء تمهيدا لتوسيع عملياته العسكرية    كريم محمود عبدالعزيز: دخلت في إكتئاب.. ووحيد حامد أنقذني باتصال واحد    الأحد.. وزير الثقافة يدشن تطبيق "ذاكرة المدينة" الخاص بجهاز التنسيق الحضاري    الليلة.. قصور الثقافة تقيم معرض تجربة شخصية بالعريش ضمن مشروع المعارض الطوافة    معاريف: إطلاق النار بواشنطن ثاني فشل ل الموساد خلال عام    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    ارتفاع سعر الريال السعودى مقابل الجنيه وسط تعاملات اليوم الخميس 22-5-2025    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    عامل ينهي حياة زوجته ب«عصا خشبية» بسبب خلافات أسرية بسوهاج    وزير الصحة يُهنئ رئيس هيئة «الاعتماد والرقابة» لحصوله على جائزة الطبيب العربي ل2025    عاصي الحلاني يختتم مهرجان القبيات الفني في لبنان أغسطس المقبل    وزارتا الشباب و «التربية والتعليم» تبحثان تطوير استراتيجية عمل المدارس الرياضية الدولية    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    "صحانا عشان الامتحانات".. زلزال يشعر به سكان البحيرة ويُصيبهم بالذعر    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    لماذا زادت الكوارث والزلازل خلال الفترة الحالية؟.. أمين الفتوى يوضح    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    خالد الجندي: الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة «جائزة» بشروط شرعية    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبه الجمعة – الخطبة 0046 : دعاء النصف من شعبان
نشر في شموس يوم 19 - 05 - 2016

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1975-08-22
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك ، إقراراً بربوبيته و إرغاماً لمن جحد به و كفر ، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و ذريته و من تبعه ذي إحسان إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
مصداقية دعاء النصف من شعبان .
اللهم إن كنت كتبتني عندك في أمِّ الكتاب شقياً أو محروماً مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي ، وحرماني وتقدير رزقي !..
أيها الإخوة المؤمنون ؛ هذه فقرات من دعاء يدعو به الناس في النصف من شعبان ..
هل ورد هذا الدعاء في القرآن الكريم ؟!
أم هل أوثر عن رسول الله صلوات الله عليه ؟ !
أم هل نُقل عن صحابة رسول الله رضوان الله عليهم ؟!
لا يا إخوة الإيمان .. إنه من وضع رجال يخطئون مثلما يصيبون وتزل قدمهم مثلما ينهضون ، والقرآن هو الحكم والفيصل والحجة والبيان.
أيها الإخوة ؛ إن الله تعالى الذي وسعت رحمته كل شيء ، والذي قال في حديث قدسي :
(( لو يعلم الكافر حبي له لتقطعت أنفاسه حياءً ))
والذي قال في حق عباده العاصيين :
(( إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ))
إن الله تعالى أرحم من الأم بولدها ، بل أرحم بعبده من نفسه ، إنه تعالى قد خلق الخلق ليسعدهم ، وليرحمهم ، إن الله تعالى وهذه رحمته لا يُعقل أن يكتب على إنسان أن يكون شقياً محروماً مقتراً عليه في الرزق قبل أن يأتي إلى هذه الدنيا ، وقبل أن يظهر خيره من شره ولكنه يكتب عليه ، ما قدم من عمل ، ولا يجبره على عمل ما ، فالمسؤولية لا تكون إلا بالحرية ، وأنت لا تحاسب أحداً على عمل ألزمته بفعله ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾
[ سورة يس الآية : 12 ]
﴿ َنَكْتُبُ ﴾
فعل يدل على الزمن الحاضر .
﴿ قَدَّمُوا ﴾
فعل يدل على الزمن الماضي .
أي أن الله يكتب على الإنسان ما قدم فعله من أعمال ، وليس العكس .
وإذا أصاب الإنسان شقاء ، أو حرمان ، أو تقتير في الرزق ، فمن عمله ، ومما كسبت يداه .
جاء في الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ :
(( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ ))
[أخرجه مسلم]
وقد يسأل سائل ما الحكمة من دعاء النصف من شعبان ؟
بل ما حكمة الدعاء أي دعاء ؟
فإذا كان الله جلَّ وعلا رحيماً بخلقه ، بصيراً بأحوالهم ، عليماً بما تصلح به نفوسهم ، قادراً على إنقاذهم مما هم فيه .
فهل ينتظر دعاءهم ليمدَّ إليهم يده الكريمة !!..
وهل يصرف ربنا عن عبده المؤمن خيراً نسي أن يسأله إياه ؟!.
وهل يسوق إليه مصيبة نسي أن يسأله النجاة منها ؟!.
والحقيقة يا أخوتي ، إن الله سبحانه وتعالى أعظم وأكرم وأرحم من أن يصرف عن عبده المؤمن خيراً ، أو يسوق إليه مصيبة إلا بالدعاء .
الأب الرحيم يسوق لأولاده كل خير ، ويصرف عنهم كل سوء سألوه أم لم يسألون ، علموا أم لم يعلموا ، ولله المثل الأعلى .
حقيقة المصيبة .
ولكن الحقيقة إن المصائب والمحن والشدائد هي في غايتها علاج رباني للنفوس المريضة ، قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
[ سورة السجدة الآية : 21 ]
فلا تبرأ النفس من أمراضها ؛ من الحسد ، والضغينة ، من الحقد والكراهية ، من اللؤم والبخل ، من السرف والكبرياء ، من الكذب والنفاق ، من الأثرة والجشع .
لا تشفى النفس من كل هذه الأمراض ، إلا بصلتها بالله والتجائها إليه وتوجهها نحوه ، وكلما كانت الصلة محكمة كان الشفاء عاجلاً ، ومن هنا كانت المصائب والمحن دافعاً إلى هذه الصلة المشافية ، والدعاء قمة هذه الصلة ، وهو أعلى مستوى من مستوياتها ، لأن النفس تتوجه إلى الله في الدعاء من أعماقها ، بسبب حاجتها إليه ، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾
[ سورة الأنعام الآية : 42 ]
الدعاء مخ العبادة .
فالدعاء مخ العبادة ، وهو صلة محكمة بالله ، لأن دافعه الحاجة الملحة وفي هذه الصلة تشفى النفس من أمراضها ، وبهذا الشفاء تزول المصاب والمحن لزوال مسبباتها ، قال تعالى :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
[ سورة الناس الآية : 147 ]
معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء ))
[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والإمام أحمد في مسنده ]
فحينما يقدر الله لعبد مصيبة من أجل تطهيره من أمراضه النفسية لا ينفع حذر ولا ذكاء ولا وساطة في دفعها وقد قيل في الأثر :
(( يؤتي الحذر من مأمنه ))
ولكن الدعاء وما ينطوي عليه من صلة وشفاء ، ينفع وحده في دفع المصيبة ، وأية مصيبة ، لأن الشفاء قد حصل والدواء قد بطل .
وفي حديث آخر :
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ وَلا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلا الْبِرُّ ))
[أخرجه الترمذي]
ولكن المؤمن أيها الإخوة الذي فتح الله بصيرته ، فعرف ربه وأحبه وقدره حق قدره ، يدعو ربه في الرخاء قبل الشدة ، وفي الصحة قبل اسقم ، وفي الغنى قبل الفقر ، ففي هذا الدعاء سعادة أيما سعادة ، وفي هذا الدعاء قرب من جناب الله العالي ، وفي هذا الدعاء نفحات ربانية لا يعرفها إلا من ذاقها ، وهذا دعاء شكر ووصال ، ولعل دعاء الأنبياء وكبار المؤمنين من هذا القبيل .
قال عليه الصلاة والسلام :
(( تضرعوا إلى ربكم وادعوه في الرخاء فإن الله تعالى قال : من دعاني في الرخاء أجبته في الشدة ، ومن سألني أعطيته ، ومن تواضع لي رفعته ومن تضرع إلي رحمته ، ومن استغفرني غفرت له ))
[ ورد بالأثر ]
فالدعاء في الرخاء معرفة بالله ، وشكر على نعمائه ، وقرب من جنابه والدعاء في الشدة يستوي فيه المؤمن وغير المؤمن .
ولا تظنَّ يا أخي المؤمن أن الدعاء يجب أن يكون في الأمور الخطيرة بل إن المودة التي بين المؤمن وربه تجعله يسأله كل شيء صغر أم كبر وقد روى ابن حبان عن رسول الله صلوات الله عليه أنه قال :
((عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ))
[أخرجه الترمذي]
وقد قال أيضاً :
(( إن الله يحب الملحين في الدعاء ))
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ :
(( جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة]
وقد قال علي كرم الله وجهه ، مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول اللهم ارحمني ، فضرب بيديه بين كتفي وقال :
(( أعمَّ ولا تخصَّ فإن بين الخصوص والعموم كما بين السماء والأرض ))
وقد روى ابن خزيمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ))
وقد جاء في الحديث القدسي عن أبي هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ نَزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))
[أخرجه أحمد]
لهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ))
[أخرجه أحمد]
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ومع أن للدعاء شروط تحدثنا عنها في خطبة سابقة ، فقد أجمع العلماء على أن دعاء المضطر مستثنى من أي شرط ، لقوله تعالى :
﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾
[ سورة النمل الآية : 62 ]
فالعبد أي عبد إذا نزلت به مصيبة ، وعلم أن الله قادر على أن يصرفها عنه ، ودعا ربه بصدق ، ولم يشرك به شيئاً ، فالله أعظم وأكرم من أن يخيب ظنه ، ويحبط رجاءه .
فيا أيها المؤمنون ؛ ثقوا بربكم ، وضعوا عنده همومكم ، وحوائجكم ولا تلتفتوا إلى غيره ، ولا تدعون دعاء الممتن ، بل دعاء الواثق من الإجابة وإذا أردتم عطاء لا ينفذ ، وسعادة لا تنقطع ، فاشغلوا أنفسكم بذكره ، وعرفوا الناس به ، فقد جاء في الحديث القدسي :
(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))
وفي حديث قدسي آخر :
(( ومن أحبنا أحببناه ، ومن طلب منا أعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا ))
فالدعاء سلاح المؤن ، وعماد الدين ، ونور السماء والأرض كما روي عن رسول الله .
أو كما قال .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.