أكد الداعية الدكتور أنس عطية الفقي أن الثراء ليس دليل قبول إلهى أو شرف نفسى، وليس البؤس دليل غضب إلهى أو غباء عقلى. وقال في درسه الذي ألقاه بمسجد جامعة مصر عقب ظهر الثلاثاء الماضي إن الله يبتلى الناس بالخير والشر، والبأساء والضراء، والمرء بعد ذلك هو صانع مستقبله بأسلوب تصرفه ونهجه فى معالجة ما أصابه. ولفت إلى أن الله تعالى لم يمنحنا المال لنتخم ونبخل بل قال لنا: ( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى ). والخطأ فى فهم الغنى والفقر قديم بين الناس ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا ...)!! المطلوب أن يتعاون القوى والضعيف على إقامة حياة متعاونة متساندة تؤمن بالله ولقائه وجزائه الأخير. عن جرير بن عبد الله كنا فى صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابى النمار أو العباء- ثيابهم ممزقة- متقلدى السيوف عامتهم من " مضر " بل كلهم من " مضر " فتمعر وجه رسول الله لما رأى بهم في الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) إلى آخر الآية ( إن الله كان عليكم رقيبا ) والآية الأخرى التى فى آخر الحشر ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد...) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره. حتى قال ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده تعجز عن حمله ، بل قد عجزت! ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله يتهلل كأنه مذهبة صفحة مستنيرة فقال رسول الله : من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء. إن الخير الكثير هو أن نبذل المال لا أن نكدسه! ولو كانت أموالنا جبالا فإن رصدها لنصرة الحق وارتقاء العلم ودعم المجتمع واجب لا مفر منه.. إن الكرم ليس الموائد الحافلة فى القصور المشيدة، أو النفقات الدافقة فى الأهواء التافهة! إن الكرم هو البذل الواسع فى امتلاك الطاقة الذرية أو فى رصد الكواكب تمهيدا لغزو الفضاء أو فى اكتشاف أسرار الكون وما أودع الله به من غرائب، إن غيرنا فعل العجب فيما يملك من مال.. حضارة الغرب سبقت سبقا بعيدا فى هذه الآفاق. لا ينبغي أن يبقى الكرم العربى محصورا فى نفايات الشهوات ومأرب النفوس، ورحم الله أمة ماضيها حى وحاضرها ميت! علينا أن نعرف أن للمال وظيفة أكبر من الغذاء والكساء.