عاجل - السيسي من الضبعة: "أراضي أسيوط ثروة.. ومش هنسيب متر من غير استغلال"    كراسة شروط سكن لكل المصريين 7.. رابط التحميل من هنا    "عبدالعاطي" يلتقي نظيره الرواندي على هامش الاجتماع الوزاري الإفريقي الأوروبي    عاجل- رصاص الاحتلال يطال الدبلوماسية: إطلاق نار مباشر على وفد مصري أردني أوروبي في جنين    الرباط تحتضن الاجتماع الخامس للتحالف الدولي من أجل تنفيذ حل الدولتين    موعد مباراة النصر والخليج في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    إنطلاق امتحانات نهاية العام الدراسى للصفين الأول والثاني الثانوي فى أسيوط    أسعار العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه بختام تعاملات اليوم 21 مايو 2025    أردوغان: الفلسطينيون يعيشون الجحيم في غزة    رئيس برلمانية مستقبل وطن يكشف ملامح تعديلات قوانين انتخابات النواب والشيوخ    تقارير: جنابري يقترب من العودة لمنتخب ألمانيا    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    سكارليت جوهانسون تتألق في جلسة تصوير فيلم Eleanor the Great بمهرجان كان    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    رواج في شراء الأضاحي بالوادي ىالجديد.. والبيطري يحدد الشروط السليمة لاختيارها    «يرافقني أينما ذهبت».. تصرف مفاجئ من محمود فايز بعد ارتباطه ب الأهلي (تفاصل)    بيراميدز يكشف سبب غياب إيجولا عن مواجهة صنداونز في نهائي أفريقيا    جوارديولا يهدد إدارة مانشستر سيتي بالاستقالة بسبب الصفقات    مقتل نائب أوكراني سابق مقرب من روسيا بإطلاق نار قرب مدريد    القبض على صيدلي هارب من 587 سنة سجن بمحافظة القاهرة    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    أفلام موسم عيد الفطر السينمائي تحقق 217 مليون و547 ألف جنيه في 7 أسابيع عرض    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستجيب لاستغاثة مواطن طفله يعاني من عيوب خلقية في القلب    طرح أول لقاح فى العالم ضد مرض "السيلان" بالمملكة المتحدة    وزير الشباب يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا في العاصمة الإدارية    إزالة 12 مخالفة بناء بمدينة الطود ضمن أعمال الموجة 26    محافظ القليوبية يَشهد إحتفالية ختام الأنشطة التربوية بمدرسة السلام ببنها    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    العثور على جثة حارس عقار داخل وحدة سكنية في قنا    مباحث تموين المنوفية تضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع منتجات غذائية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    طلاب الاعدادية الأزهرية يختتمون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالمنيا    السيسي: تمهيد الأراضي الزراعية أمام القطاع الخاص لدفع التنمية    نائب وزير الإسكان يتفقد مصنع "شين شينج" الصيني لمواسير الدكتايل    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    توفير فرص عمل لذوي الهمم في القطاع الخاص بالشرقية    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    عاجل.. الأهلي يقترب من التعاقد مع عمر فايد    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما الفلسطينية خلال خمسة عشر عاماً من التألق
نشر في شموس يوم 06 - 01 - 2016


محرر الشؤون الثقافية في "فتح نيوز".
استطاعت السينما الفلسطينية خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، رغم العوائق، والتهديدات، والحصار، أن تسجل نجاحات مهمة عالميا، وتؤكد على قوة حضور السينما في المشهد الإبداعي والنضالي الفلسطيني، والتى صنعت لنفسها مكانة خاصة من خلال الطفرة البنائية الجمالية، والقيمة الفكرية، الممزوجة بالاسلوبية البصرية الحداثية، في توليفة إبداعية عصرية لافته لتصبح علامة مميزة في تاريخ السينما العربية، وتصطف في الأماكن الامامية بالمحافل الدولية.
وقد لمعت أسماء فلسطينية عديدة في مجال الافلام الروائية والتسجيلية فكانت رائعة الأفلام الروائية للمبدع المخرج هاني أبو أسعد "الجنة الآن" عام 2005، ثم توالت إبداعات شباب الفنانيين المتميزة كأعمال الفنانة المخرجة آن ماري جاسر ومي المصري، وسها عراف، والفنان العالمي الفلسطيني الجذور روبرت سافو بفيلمة العلامة "المُخّلِص" ذو الانتاجية الضخمة، بجانب تألق نجوى نجار وعامر الشوملي ونصري حجاج، يجاورهم في التألق الأخوة طرزان، وفليفل وباسل خليل وغيرهم من شباب المخرجين المبدعين. ونستهل البداية ب لؤلؤة المخرجة والكاتبة الفلسطينية آن ماري جاسر "ملح هذا البحر" والتى تدور أحداثه حول ثريا الفلسطينية الجذور والامريكية المولد والنشأة، حيث عاشت في ولاية بروكلين لأبوين لاجئين من حيفا "تؤدي دورها سهير حماد"، والتى قررت أن تعود الى فلسطين لمطالبة البنك البريطاني – الفلسطيني بمدخرات جدها التى كان قد أودعها البنك قبل عام النكبة 48 فتواجه عقبات عديدة تحول دون دخولها الى فلسطين التاريخية فتقرر التواجد في رام الله وتكتشف خلال وجودها في المدينة أن البنك البريطاني – الفلسطيني الذى يحوى مدخرات جدها المصرفية قد افتتح فرعا جديدا له بالضفة، وتحاول ثريا الحصول على المدخرات من البنك لكن دون جدوى، حيث يصر مدير البنك على عدم وجود المال، وأثناء ذلك تنشأ علاقة حب بينها وبين عماد (يلعب دوره صالح بكري) الذى يعمل نادل في مطعم ويقرران معا سرقة البنك للحصول على مدخرات الجد، التى ينجحون في الحصول عليها بالاضافة الى فوائدها بعد مغامرة اقتحام البنك والفرار بالمدخرات مع رفيقهم مروان الذى إنضم إليهم ليتنكر الثلاثة بعد ذلك في ذى يهود آرثوذكس، وينجحون في التسلل الى الاراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، لتستمتع البطلة بالسباحة بالقرب من شاطئ المدينة التى إحتضنت ذاكرتها العاطفية ذكريات الحكي العائلية عنها وغمرت وجدانها، وها هي ذا داخل جغرافيتها، تداعب بمرح طفولي أماكنها، وتزور ثريا بعد ذلك منزل عائلتها لتفاجئ بإقامة أمرأه اسرائيلية فيه، يطرق عماد باب المنزل لتفتح الإسرائيلية الباب ويخبرها عماد لملكية ثريا للمنزل، وتستضيفهم الإسرائيلية على مضض، ولكن الضيافة لم تستمر طويلا حيث نشبت مشادة بين ثريا والإسرائيلية بسبب سؤال ثريا عن آثاث ومفروشات عائلتها وطالبتها بالرحيل، ولم يكن أمام الاسرائيلية إزاء هذا الموقف سوى مطالبتها بالمغادرة فورا وطلبت لهم الشرطة يغادر البطلان مع بقاء مروان، ثم يقرر عماد مع ثريا زيارة مسقط رأسه بقرية الدوايمة المهجورة ، ويعثرا على مأوي فيقيمان فيه مدة، حتى أتت دورية للشرطة الاسرائيلية، وإكتشفت هوية عماد الفلسطينية لتعتقله ويفترقا في نهاية المطاف لتعود ثريا الى بلادها بعد ذلك.
أرادت السينمائية جاسر من خلال فيلمها ان تقدم صورة حية للفلسطيني في الشتات والذى يتحول الى غريب في وطنه وإلقاء الضوء على معاناته أمام جبروت الاحتلال وحواجزه وإمتهان الجنود لكرامته والتأكيد على عنصرية الاحتلال الاسرائيلي صاحب التشدقات الديمقراطية العريضة، وقد أظهرت جاسر براعة فى إستخدام الإسقاطات والترميزات الدلالية المنبثقة من أزمة العام 48 من خلال إنكار البنك البريطاني – الفلسطيني لميراث جدها وطرد الاسرائيلية لها من منزل جدها، وقد حاز الفيلم على عدة جوائز سينمائية دولية مهمة ولفت الإنتباه للغته السينمائية المتميزة.
وفي سياق المهرجان عرض لها فيلمها الشاعرى "لما شفتك" وتدور أحداثه آثناء التهجير القسري في العام 1967 لعائلة فلسطينية من ثلاث أفراد الأب غسان، والام غيداء، والابن طارق والذين يلجأون الى مخيم الحرير بالأردن تحت وطأة التهجير القسري، ولكن آثناء ذلك وفي غمار الفوضي يضيع الأب منهما، ويستعرض الفيلم ترقب الابن طارق والأم يوميا بعين اللهفة للشاحنات التى تقل اللاجئين للمعسكر حتى يلتئم شمل العائلة من جديد، كل ذلك وسط معاناتهما اليومية، ومحاولاتهما التأقلم مع الأوضاع المعيشية المذلة والصعبة، والتى دفعت الطفل طارق لأن يترك والدته والمخيم ويتجه صوب معسكر لمقاتلي التحرير على بعد أميال قليلة من المخيم، ويندمج الطفل مع أفراد المعسكر، وتضطر الأم للبقاء في المعسكر بعد أن يصر طارق على البقاء مع الفدائيين حتى يستعيد معهم الوطن المسلوب والعيش بكرامة فيه، الفيلم يحمل في طياته نقد غير منظور ومزلزل للمشاعر ضد السياسات المهادنة في رأي السينمائية من خلال غلاله شفيفة لشخصية طارق الشاعرية والتى ابت نفسه إلا أن تنضم الى خيار المقاومة كحل لا تراجع فيه حتى اذا كان يعني ذلك التمرد على أمه ويبدو أن المخرجة آن ماري جاسر في فيلمها الروائي الثاني لها بالمهرجان قد اختارت أن تستعير شخصية حنظلة الكاريكاتورية لناجي العلي ليتسلل الى روح طارق وليتمشهد دراميا على شاشة السينما في معادل فني يعيد حياكة مخزون الذاكرة الوطنية لينسجها في حبكة درامية متينة الوحدة، وفي صورة فنية راقية غنية بتناص معبر عن الوعي الجمعي الفلسطيني. والفيلم حظي بإهتمام سينمائي واسع في للدوريات السينمائية الدولية كما حصد عدة جوائز دولية واوروبية، ورشح لنيل جائزة الأوسكار الاميريكية.
ونأتي الى النابغة هاني أبو أسعد "مخرج وكاتب فلسطيني" والذى تستهوية الاسئلة المصيرية لأبطاله كما تمثلت في فيلميه (الجنة الآن) انتاج 2005، و(عمر) 2008. أبو أسعد إستطاع على جانب آخر، استطاع فك الشفرة والإجابة الفنية لسؤال العالمية السينمائية من خلال جماليات الصورة العالمية والولوج إلى الإنسان واسئلته الحيوية الكونيه، والتى تكون الخيارات أمامه مفتوحه على مصراعيها وفي لغة راقية غير مباشرة وشديدة الحرفيه الجماليه السينمائية، والتى تقارب بل وتتجاوز أحيانا المنطق الاعتيادي للغة البصرية والموضوعية الهوليودية، بإضافة المدهش الغارق في المحلية والمفاجئ في ايقاع وحيوية ثنايا أعماله المحملة بالديالكتيك، والمأساوية الكافكاوية. وفيلم (الجنة الآن) الذى يقدمه المهرجان هو باكورة أعمال أبو أسعد ضمن إطار الموجه الجديدة في السينما الفلسطينية بعد أن مهد لها ميشيل خليفي وعبدها إيليا سليمان وقد عرضها المهرجان كونها صاحبة الإمتياز في الطفرة التى تعيشها السينما الفلسطينية وذلك بترشحها كأول فيلم عربي أجنبي ضمن جوائز الآوسكار الأميريكية والحاصدة على عدة جوائز عالمية مهمة فقد كانت بحق ضربة سينمائية موفقة ل أسعد حققت له نقلة نوعية عالمية على المستوي الفنى وأيضاً من خلال توظيف الصورة السينمائية في الطرح الديالكتيكي الشائك حول العمليات الفلسطينية… هل هي إستشهادية أم إنتحارية؟ وذلك من خلال أبطال عمله خالد (على سليمان) وسعيد (قيس ناشف) وسها قامت بدورها(لبني الزبال) والذين قررا الأول والثاني تفجير نفسيهما بحافلة في تل أبيب، والثاني يطارده ماضي والده المعروف بتخابره مع العدو، ويشكل تاريخ والده دافعا قويا لغسل العار الذى يلاحقه أكثر من وعود الجنة، فالدين يستحضر كمبرر ظاهري، وتتمشهد ثنائيات التضاد في دواخل الأبطال بين مفهوم الرجولة ممثلة في النضال والخيانة وتوابعها المزلزلة والحب الذى يفتح الشهية للإرتواء من رحيق الحياة "من خلال علاقة سعيد ب سها. وفي فيلمه الروائي الطويل والثاني له (عمر) والذى عرضه المهرجان.. حظي بنجاح عالمي مماثل لفيلمه الأول (الجنة الآن) كما ترشح أيضا لجائزة الاوسكار الأميركية، وحصد العديد من الجوائز من مهرجانات دولية مختلفة، نراه في تجربته الثانية يكرر نفس تيمات العمل الأول، ولكن بمفردات مختلفة، فالتيمات الأساسية تعيد حضورها في ثنائيات التضاد التى نكأجراحها أبو أسعد لتتفجر على سطح ودواخل أبطاله الحيرى والتى تتأرجح بهم الحياة ما بين الوقوع في الحب وخيارات الحياة الصعبة وما بين النضال والخيانة بأنواعها والتى إستنذفت طاقة كلا من عمر بطل الفيلم ويلعب دوره (أدم بكرى) ونادية (ليم لوباني) والتى تجمعهما قصة حب ويفصل بينهما العازل الذى يتسلقه عمر برشاقة يوميا ويتجاوز طلقات القناصة الإسرائيليين ويعبر إلى الطرف الآخر بسهولة ويسر وكأنه أحد أبطال الالومبياد ليقابل محبوبته نادية التى تمثل له واحة للخلاص من مكابداته ومعاناته في الحياة حيث يعمل خبازا، ويواجه إحتلال يعيق فرص الحياة للشباب ويعيد إنتاج القهر المزعوم لأجدادهم في قلوب يافعه تبحث عن مكان تحت الشمس، ويصاحب عمر منذ طفولته صديقيه أمجد (سامر بشارات) وطارق (إياد حوراني) والذى تنقلب بهم الحياة رأسا على عقب حين يقتنصون جندي إسرائيلي بعدها تتم مطاردة عمر من قبل جهاز الأمن الاسرائيلي الذى يعتقله، ويقوم ضابط الاستجواب بتعذيبه (في مشهد كأنه أحد إطلالات لوحات الفنان الاسباني جويا الكابوسية) حتى يخرج منه بإجابة عن قاتل الجندي دون جدوي، بعد ذلك يوضح عمر تحت اختيار التعاون مع عدوه بعد الافراج عنه ليتبني الجميع الشك في وطنية عمر الذى يمزقه ذلك ويدفعه الى حافة الانهيار خاصة بعد خيانة رفيق عمره له مع حبيبته ناديه ليزداد الطين بله وكأننا هنا باءزاء آحد المآسي في التراجيدية الاغريقية والمفارقات الشيكسبيرية متمثلة في ملهاة عمر وتزداد ذروة الاحداث بعد أن يطلب عمر من ضابط الأمن الاسرائيلي الدائم في محاولاته لتجنيده كعميل للاحتلال قطعة سلاح تعينه في مهماته كشرط لموافقته على طلبه، ويقابل الضابط وهو في صحبة جنوده وقد بدت علامات الارتياح والثقة على الضابط الاسرائيلي الذى لم يخامره أي شك في نجاحه في ترويض عمرو وإخضاعه له ليقوم بعد ذلك بتسليمه السلاح ثم يتبادلون العبارات كعنوان للثقة والتعاون ليفاجئنا البطل "عمر" بتصويبه واطلاق النار نحو الضابط الإسرائيلي، ليسدل الستار السينمائي على الفيلم الذى يكشف عن لغة ديناميكية متحولة في أحداثه لتتصاعد وتبلغ ذروتها في نهايته بمقتل الضابط الاسرائيلي، تفوق أبو أسعد للمرة الثانية على نفسه ليخرج لنا فيلما نجح في توظيف أبطاله الذين يقفون لأول مرة أمام الكاميرا باستثناء (وليد زعيتر) الذى قام بدور الضابط الاسرائيلي وليسرد لنا من خلال حكائية لا تخلو من مرثية لحال الفلسطيني الذى يواصل الحياة رغم مرارة الاحتلال وقهره اليومي له. والفيلم الروائي الخامس والأخير في فئة "الفيلم الروائي الطويل" تطل علينا المخرجة والكاتبه سهي عراف بفيلمها (فيلا توما) الذى يسرد حكاية ثلاث أخوات مسيحيات أرستقراطيات منعزلات اجتماعيا وزمنيا وطائفيا عن المحيط الديموغرافي من حولهم متقوقعين داخل فيلاتهم العتيقة والتى تغلغلت في أركانها وجنباتها الكآبه والرتابه ويتحصلون على معاشهم من خلال تأجير الأراضي الزراعية المملوكة لهم ويحدث تحول في حياتهم بعد استضافتهم لبديعه ابنة اخيهم القادمة من دير للرهبان حيث نشأت يتيمة وتنجح بديعة في تغيير نمط حياة الاخوات بعد محاولات عديدة باءت بالفشل، الفيلم يجعل من الحب محركا أساسيا لأحداثه وينتقد في سخرية الطبقية والعصبية المقيته التى تكبل الافراد وتجعلهم يعيشون في عوالم مغايرة لطبيعة السوية البشرية، كما نجحت المخرجة في إستنطاق لغة بصرية ملائمة لموضوع الفيلم من خلال اسباغها آجواء القتامة والكآبه باستخدام الديكور المنزلي وتقنيات الآلوان في مختبرها الفني لإخراج صورة في النهاية وكأنها منبثقة من زمن العصر الفيكتوري وطرازه الموغل في القدم، ليتناسب مع الحركة الآليه الرتيبه للأخوات الثلاث وهم نسرين فاعور في دور (جوليت) الأخت الكبري الأمرة والناهية في الفيلا وأختها الثانية (فوليت) قام بدورها الفنانة علا طبري والفنانة شيرين دعيبس (أنطوانيت) وأخيرا ماريا زريق في دور (بديعة) والتى حصلت على جائزة دولية عن دورها. فيلم فيلا توما أثار ردود فعل واسعة في العالم بعد مشاركته في أربعين مهرجانا سينمائيا كما حصد جائزتين دوليتين.
السخرية السوداء هو العنوان الحقيقي لفيلم "المطلوبون ال18" في فئة الأفلام التسجيلية الغير اعتيادية للمخرج ومحرك الرسوم عامر الشوملي والذى يخرج علينا بفيلمه الطويل بعد عناء حمس سنوات في البحث عن مادته الأرشيفية التى لم يتحصل إلا على القليل منها بجانب العمل الدؤوب لإخراجه إلى النور والذى جاء كشجرة تعاون بينه وبين المخرج الكندي بول كاون صاحب الأوسكار والعديد من الجوائز الدولية وتدور أحداث الفيلم في زمن الانتفاضة الأولي 1987، حيث قرر الآهالي بقرية بيت ساحور العصيان المدني على الاحتلال وإنشاء مزرعة وجلب 18 بقرة تم شرائها من مزرعة اسرائيلية لسد إحتياجات أهالي القرية من الآلبان ولمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وفي قالب ساخر استخدم "الشوملي" طريقة ضمن بها عمله التسجيلي الذى أجبره نقص المادة الأرشيفية المصورة على انتهاجها عندما استعان بوسائل مرئية متعددة كالرسوم الكرتونية وال"ستوب موشن" مما عزز من مضمون الفيلم التهكمي، وأضفي عليه روحا جديدة آثرت العمل من خلال الحيوية الغالبة على مشاهده النابضة والجازبة للعين والذهن من بدايته الى نهايته والتى من رغم انها العمل الفنى الاول للشوملي الا انه استطاع أن يضع بديه الى المفاتيح الفنية السردية للاحداث المشوقة والتى تجعل المتلقي منجذبا ومشدودا حتى نهاية الفيلم الساخر، وبعد أن علمت الابقار التى تكره الفلسطينيين، والتى أنسنها الشوملي وجعلها تقرأ الجيروزاليم بوست وتستمع للاذاعة الاسرائيلية أنهم أشتروهم أصيبوا بالهلع والصدمة، وبعد رحلة طويلة وشاقة، تصل الأبقار إلى المزرعة حيث رحب بها أهالي بلدة بيت ساحور، الا أن الفرحة سرعان مازالت بعد أن أمر الحاكم العسكري بإصدار أمر بإزالة المزرعة وجلب الأبقار لخطورة المزرعة على الأمن الاسرائيلي، وهنا تبدأ الأحداث تأخذ خطوط متصاعدة نحو السخرية لتصل الى ذروتها بعد أن بدأ الأهالي في إخفاء الأبقار في بيوتهم بعيدا عن الأمن الذى فرض حظر التجوال مع تمشيط البلدة بمئات الجنود المعززة بمروحيات للبحث عن الأبقار ال18 وهنا تكتشف الأبقار المشبعة بالبروبجندة الإسرائيلية كذب وزيف الإعلام الإسرائيلي في توصيفه للفلسطينيين بالمخربيين والارهابيين فالفلسطينيون هم الذين يحاولون إنقاذ حياتهم وفي نهاية أحداث الفيلم ينجح الاحتلال في إجهاض مشروع مزرعة الأبقار، فيلم الشوملي طاف العديد من المهرجانات السينمائية الدولية وحاز الاهتمام كفيلم خارج عن نطاق المألوف تصاحبه لغة تجديدية في عالم الأفلام التسجيلية.
وفي عمل يعد الاضخم إنتاجيا في السينما الفلسطينية قاطبة طل علينا المخرج الفلسطيني روبرت سافو بفيلمه الرائع عن المسيح "المُخّلِص" وهو عمل شارك فيه عشرات الفنانين الفلسطينيين والاردنيين بجانب مشاركة من العراق ولبنان وغيرها من الدول العربية والاوروبية الفيلم هو رؤية عربية عن حياة المسيح في فلسطين، وقد نجح العاملين فيه بأبراز الجانب العربي والطابع الشرقي في هوية المسيح الذى كان غالبا ما كانت الرؤية الغربية هى الطاغية عليه في جميع الأعمال الغربية التى تناولت حياته، الفيلم تحفه فنية في جميع مكوناته الفنية، ويضارع الأعمال السينمائية الهوليودية والغربية قوة من خلال الملحمية أو علي مستوى التقنية البصرية، وصناعة المشهد السينمائي ذو الطفرة الهائلة، بجانب تألق التجسيد الموسيقي ممتزجا بروح العمل، والذى شكًّل إسهاما كبيراً في نجاح الفيلم بهذه الصورة العملاقة والصرحية في جميع مشاهده. وفي مغامرة سينمائية من خلال فيلم "المر والرمان" تناولت المخرجة نجوى النجار قضية شائكة إجتماعيا ويستند إلى دراسة معمقة في واقع حياة الاسرى وزوجاتهم ولكن من خلال مساحة الخيال التى يوفرها الفيلم الروائي. وقد إستطاعت المخرجة إبراز المعاناة الفلسطينية بإستخدامها مفردات واقع الاحتلال المؤلم الممزق للروابط وذلك من خلال المفارقات التى تجمع ما بين زوجين حديثى عهد بالزواج حيث يتم اعتقال الزوج والذى كان قد اشتبك مع قوات الاحتلال في وقت سابق مدافعا عن أرض العائلة التى تمت مصادرتها لاحقا، وفي فيلمها الثاني "عيون الحرامية" والذى نال عدة جوائز على غرار فيلمها السابق، ورشح لجائزة الاوسكار أبرزت الممثلة والكاتبة والمخرجة نجوى النجار حكاية حقيقية وقعت فيها أسرة فلسطينية أثناء حصار قوات الاحتلال لبعض القري الفلسطينية عام 2005 حيث يخرج بطل الفيلم بعد عشر سنوات من سجن الاحتلال، ليجد أن زوجته توفيت وإبنته ضاعت في وقت الحصار. ونأتي إلى حاصد الجوائز الدولية مؤخرا "السلام عليك يامريم" للمخرج باسل خليل وهو من الافلام القصيرة "14 دقيقة، حيث يستعرض في سخرية بليغة تعرض أسرة اسرائيلية لحادث خارج أسوار دير لراهبات يعيشون حياة الصمت وفي نفس اليوم الذى يصادف السبت" الذى يمتنع فيه اليهود عن استخدام الادوات التكنولوجية مثل الهواتف، فتحدث المفارقات المضحكة نتيجة لإضطرار الراهبات التعاون مع الضيوف الغير مرغوب في وجودهم، الفيلم بعد فوزه الأخير بجائزة أفضل فيلم بمهرجان دبي السينمائي مرشح للعرض في 10 مهرجانات دولية.
ويطل علينا الاخرين عرب وطرزان ناصر بفيلمها القصير "condom lead" الذى يتناول معاناة أهالي قطاع غزة من الحصار والدمار والخراب الذى الحقه الاحتلال الاسرائيلي بهم من خلال أقاء الضوء على مجموعة من النساء يلتقين في صالون لتصفيف الشعر، تديره اختصاصية روسية متزوجة من فلسطيني، تصر على البقاء في القطاع رغم الظروف الصعبة مثل انقطاع الكهرباء المتكرر وذرة الماء باستمرار بجانب التهديد بتفجر العنف والصراع الداخلي بين الاشقاء أو مع تجدد الغارات الإسرائيلية مما يجعل استمرارها في تأدية عملها صعبا، الفيلم بطولة نسائية تتقدمها الفنانة هيام عباس. ومن الأفلام القصيرة المتميزة للمخرج مهند يعقوبي والذى تدور أحداثه حول "على" الذى يهرب كغيره من الشباب من أتون الحرب حيث لا مستقبل، وفي الطريق يلتقي بشخصية غريبة في محطة للحافلات ليكتشف خلالها معنى مختلفا للانتظار.
وقد تألقت بعض الافلام الروائية القصيرة مثل رصاصة زهرية وغيرها من الافلام الفلسطينية الهامة.
السينما الوثائقية تظل الاكثر حضورا ورواجا وتطرقا لأسئلة الحرية والهوية والشتات والامل والمنفي وحق العودة، أفلام معظمها جال المهرجانات الدولية وحصد الجوائز ويقدم لنا بالمهرجان المبدع خالد جرار تحفته والتى تعد بحق أيقونة الافلام التسجيلية رائعته "المتسللون" حيث يرصد فيه عجرفة جنود الاحتلال مع المواطنين الفلسطينيين على الحواجز ويفضح وحشيتهم وعنصريتهم – خاصة في مشاهد النساء وهن ينتظرن هلى الحواجز، حتى أن سيدة فلسطينية أعلنت رفضها بكبرياء تلك الممارسات الوضيعة بتقطيع تصريح الدخول الذى تحمله، كما يرصد الفيلم باهتمام أكبر معاناة المواطنين الفلسطينيين اليومية في تسلق جدار العزل حتى يتثنى لهم زيارة ذويهم بمدينة القدس، مستعينين بالسلالم والحبال وما يتبع ذلك من مخاطر السقوط بجانب تهديدات القناصة وتعرضهم لرصاصاتهم من ابراج المراقبة الاسرائيلية وملاحقة الدوريات العسكرية لهم.
وتؤكد كاميرا جرار على مدي 70 دقيقة مدة الفيلم، أن قوة الارادة، والاصرار، والصمود، أقوى من سياسات الفصل العنصري، التى لا تستطيع هزيمة عزيمة الانسان الفلسطيني في مواصلة حياته رغم جدار الأسمنت والاسلاك الشائكة والحديد، كما يرسل الفيلم رسالة مفادها، أن السياسات العنصرية للكيان الصهيوني لن تثمر شيئا أمام قوة وثبات الانسان الفلسطيني المعنَّون بشعار أبدي هو "نحن هنا وهذه أرضنا أرضنا ولن نغادر"، ويؤكد على فشل نظرية الامن الإسرائيلية وبعدم جدواها أمام أصحاب الأرض والحق، فيلم جرار لفت الانتباه في جميع المحافل السينمائية الدولية وحصد العديد من الجوائز العالمية الهامة. وكما تألق فيلم جرار "المتسللون" تألق أيضا الفيلم التسجيلي القوى البنية والرؤية "عالم ليس لنا" لأبن مخيم عين الحلوة بلبنان مهدى فليفل والذى يعيش حاليا بالدنمارك ويأتي لزيارته كل حين من الزمان، الفيلم يرصد حياة واهتمامات أهل المخيم عين الحلوة وكيف أنه برغم صعوبات الحياة يتزين المخيم بكافة أعلام الدول المشاركة بمونديال كأس العالم الذى يأتي كل بضعة سنوات لتكون مناسبة بهيجة على معظم أهل المخيم، كما يرصد اختلاف وتضاء الاجيال الحالية مع الاجيال القديمة وصدامهم الفكري والايديولوجي والاجتماعي معهم، كما يرصد الآعباء النفسية والقهر الاجتماعي وإنعدام الرؤية للمستقبل لشباب المخيم الراغب معظم شبابه في مغادرته ليشق طريقه بالحياة وإيجاد فرص عمل أفضل خارجه والنجاه من طوق البطالة، ونجح فليفل من خلال رصده للمخيم في إستعراض تيمات الحنين، والعائلة، والصداقة، الفيلم جال مهرجانات دولية عديدة ونال عدة جوائز دولية هامة.. وفي فيلم "يوميات" للمخرجة والمنتجة مى عودة ترصدا بكاميرتها حياة ثلاث فتيات يعشون في قطاع غزة تحت ظل واقع إجتماعي خانق، وأقتصادي مرير، وبرغم ذلك تحتفظ الفتيات بحيوتهم ونظرتهم المتفائلة للمستقبل، كغزة التى تعيش رغم الحصار والدمار معلنة للعالم كله حبها للحياة.
لقد إستطاع الشباب السينمائى الفلسطينى الخروج من القوالب الفنية النمطية ، وتحقيق معادلة النجاح المعتمده عالميا من خلال الرؤية الجمالية والفكرية النافذة ذات التأثير فى الوعى الجمعى الإنسانى العالمى. الموجه السينمائية الفلسطينية الجديدة طفرة تحققت مفرداتها وتمشهدت فناً ساطعاً عبَر بسرعة الضوء أبواب العالمية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.