الشّوق إلى اللهّ – الجزء الثّاني بغضّ النّظر عن اختبارات الإنسان وقناعاته بشكل عام، وبغض النّظر عمّا إذا كان يؤمن بالله أو لا، يتوق الإنسان في عمق أعماقه إلى الجمال الإلهي. إلّا أنّه يستهلك وقتاً طويلاً في البحث خارجاً عن كيانه الإنساني لذا قد يتلمّس متأخّراً هذا الجمال، وعندها سيدرك كم أبطأ في بلوغ حقيقة وجوده. مهما بحث الإنسان في العلوم والفلسفات والأيديولوحيّات والشّرائع الدّينيّة، لن يعرف حقيقته وسبب وجوده وغايته، ما لم يلتقِ بالله ويبنِ معه علاقة حبّ عميقة. " قد تأخرت كثيرًا في حبّك أيّها الجمال الفائق في القدم والدّائم جديدًا إلى الأبد. كنت فيَّ فكيف ذهبت أبحث عنك خارجًا عنّي. أنت كنت معي، ولكنّي لشقاوتي لم أكن معك" ( المغبوط أغسطينس). نعرف الله ونلتقي به وندرك جوهره بمقدار ما نتوغّل في عمق كياننا الإنساني باحثين فيه عن الجمال والحبّ. " من لم يحبّ لم يعرف الله" ( 1 يو 8:4). وكلّ باحث عن الجمال والحبّ يفتّش عن الله- الحقيقة- دون أن يعلم. إلّا أنّ المؤمن بيسوع المسيح اختصر طريقاً طويلاً من البحث والتّفتيش، وتنهات إليه تلقائيّاً إجابات على كلّ تساؤلاته. من التقى المسيح التقى ذاته وانضمّ إلى الحياة الإلهيّة وهو بعدُ في العالم، وعاش مسيرة حياته مع الله منذ الآن. ويظلّ مشتاقاً إليه وهو فيه، ويتعطّش إلى رؤيته وهو يعاينه في داخله. الشّوق إلى الله هو لمس حضوره حسّيّاً وروحيّاً، فلا يمكن أن نشتاق لسراب أو خيال. نشتاق إلى شخص حقيقيّ ونتوق إليه ونثق أنّه حاضر في كلّ حين. الشّوق إلى السّيّد يؤكّد إنسانيّتنا التّائقة إلى الجمال والحبّ. خلقتنا يا الله لتظهر جمالك فينا، وفديتنا ليشرق جمالنا في العالم، ومنحتنا الحياة لنحيا الجمال والحبّ، وسيظلّ الشّوق يلج بنا ونشتهي أن نلقاك نهائيّاً في سماء جديدة وأرض جديدة.