إذا كان الإنسان ما برح يحيا على هامش الحياة فلأنّه لم يدرك بعد جماله المستمدّ من الجمال الإلهي. خلق الله الإنسان على صورته كمثاله، ولمّا رأى صنيعة يديه، هتف: " هذا حسن جدّاً". ( تك 27:1). ولئن كان الإنسان على صورة الرّبّ كمثاله فلا بدّ أنّه يحفظ في ذاته جمالاً استمدّه من خالقه. وكلّما ارتبط بهذا الجمال الأعلى والأسمى ازداد جمالاً وبهاءً. وبقدر ما يبتعد عن هذا الجمال، فبذات القدر يشوّه صورته البهيّة وينحدر إلى القبح والبشاعة. أحبّ الخالق الإنسان حبّاً جمّاً فخلقه من صلب محبّته، ما نفهمه بوضوح من الآية ( خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم.). ولمّا تاه الإنسان عن صورته مستبعداً بذلك الله من حياته، ولمّا فقد بإرادته جماله الأوّل، أتى الله بنفسه ليعيد له صورته الأولى. بيسوع المسيح رأينا جمالنا الحقيقيّ وجمال الله. إنّه المرآة الّتي تعكس صورتنا الجميلة كلّما ازدادت علاقتنا بالسّيّد وكلّما تمسّكنا بسكناه في داخلنا. تصاغر الله واتّخذ صورة الإنسان ليحيي في الإنسان الجمال الحقيقيّ من خلال علاقة حبّ عظيمة يخشع لها الكيان الإنسانيّ كلّه. إلّا أنّ هذا الرّباط بين الله والإنسان ليس رباطاً تقليديّاً أو علاقة عابرة أو مؤقّتة. وإنّما هو عهد حبّ وثيق وأبديّ يؤسّس لحياة تستحقّها القيمة الإنسانيّة المقدّسة في عينيّ الرّبّ. هذا العهد الأبديّ يعزّز الجمال الإنساني ويفجّر طاقاته وقدراته العقليّة والإبداعيّة، ويجعل أنهار الحياة تفيض من روحه. ( يو 38:7). وإذ يظهر الجمال الإنساني ويشرق في العالم، يحقّق صورة الله البهيّة، فتسقط كلّ النّظريّات والأفكار والتّخمينات الواهمة عن الله. وكلّما ذهب الإنسان عميقاً في هذا الرّباط تشوّق أكثر إلى الله. وكلّما التقى به في مخدعه الصّغير عظم الشّوق إليه أكثر، وكلّما ارتوى من فيضه زاد عطشه وطلب المزيد. الشّوق إلى الله، أي إلى الحبّ الأعظم، قوت الإنسان. به يغذّي جماله ويضيء به على العالم فيقوده إلى الجمال الأعظم يسوع المسيح. فانظر إلى الرّبّ وأحببه بكلّ قوّتك حتّى تعاين جمالك. واسعَ أن تحفظه من كلّ تشويه وتلف، لأنّك وأنت تسيء إلى جمالك تُحزن البهاء الإلهي.