( متى 38:10) من العسير على الإنسان أن يفهم قيمة عمل الفداء ما لم يلج أعماقه وما لم يكرّس الكثير من الصّمت لتأمّله. البعض يبحث عن المنطق في هذا العمل، والبعض ينظر إليه بعين العاطفة، وبعض آخر يستبعده لصعوبة استيعاب تصاغر الله في سبيل العيش مع الإنسان. بيد أنّ منطق الحبّ يتعدّى كلّ منطق، والبشر مدعوّون لهذا المنطق لا سواه. ولولا أولئك الّذين قبلوا هذا المنطق وعملوا به وسلّطوا الضّوء على الواقع من خلاله، ما نمت الإنسانيّة بل انقرضت من قبل أن تدرك أنّ في أعماقها حبّاً إلهيّاً. الحبّ المتجسّد بشخص يسوع المسيح، هو محور هذا الكون وخلقه الجديد وخلاصه الوحيد. ولن ترى الخليقة خلاصها وتعاين مجدها إلّا إذا ارتبطت بالحبّ الإلهيّ والتزمت بنضال الحبّ الّذي يسمو بالإنسان إلى الحرّيّة والمحبّة والسّلام. ويتجلّى هذا النّضال بحمل الصّليب والسّير في طريق الحبّ الإلهيّ حتّى نستحقّ المسيح. ولا نقصد بحمل الصّليب تحمّل الآلام والأوجاع والصّعوبات واعتبارها ثقلاً لا بدّ منه، من أجل المسيح. وإنّما المقصود تحويل هذه الآلام إلى قيمة ترتقي إلى مستوى المحبّة الإلهيّة، فتصبح فاعلة في العالم. الألم يصنع الإبداع ويفجّر الجمال الإنسانيّ، والصّليب نبع الحبّ المتدفّق من الرّبّ يفجّر إبداع الحبّ العظيم من الإنسانيّة. في الصّليب اجتمع الألم والحبّ وانسكبا جمالاً في نفس الإنسان، فما عاد إنساناً بل صار مسيحيّاً. " من لا يحمل صليبه ويتبعني، فلا يستحقني"، وبالتّالي من لا يحمل الألم من الحبّ ويناضل في سبيل تحقيق حبّ الله في العالم لا يستحقّ المسيح. فالمسيح استحقاق نصبو إليه بالحبّ المتّجه عاموديّاً نحو الله والمترامي أفقيّاً نحو الإنسان.