– إذا قال لكم أحد: ها هو المسيح هنا، أو ها هو هناك! فلا تصدقوه. ( 23:24). الثّبات في المسيح يمنح القلب عيوناً ترى حقيقة حضور الرّبّ السّاكن في عمق أعماقنا. الثّبات هو الحبّ الّذي يسمح للمؤمن أن يعاين المسيح الحيّ، فيصغي له ويثق به ويتحاور معه ويناجيه. إنّ المسيح، الكاهن الأعظم، جعل من كلّ واحد فينا قدس أقداس، دخله مرّة واحدة ولن يخرج منه أبداً. " أما تعرفون أنّكم هيكل الله، وأن روح الله يسكن فيكم؟" ( 1 كور 16:3). فما الدّاعي للبحث عن المسيح خارجاً؟ في برّيّة أو بيت أو حيث الكلام الملتبس يستولي على النّفوس ويزرع في داخلها الارتباك؟ وأيّ حاجة إلى من يقول لنا أنّ المسيح هنا أو هناك، طالما أنّ المسيح بذاته قال لنا: " أنا معكم حتّى انقضاء الدّهر"؟. – تَجدَّدوا رُوحًا وعَقلاً. ( أفسس 23:4) الخلاص مساوٍ للحرّيّة، وكلّ من قبل أن يدخله اختار السّيّر على طريق الحرّيّة. الحرّيّة درب يتجدّد باستمرار ولا يحتمل الرّكود والكسل والاستسلام. إنّه درب الحياة، والحياة لا تستحقّ قيمتها ما لم تنمُ وتحمل في ذاتها الدّيناميكيّة والحركة. والمسيحيّ الثّابت في المسيح لا يعرف الكلل والتّعب، ولا يقبل أن يراوح مكانه دون العمل والسّعي أبداً للتّجدّد روحاً وعقلاً. فينفتح على المعرفة والحكمة وتنمو روحه بالفضائل. ألم يقل السّيّد أنّنا نور العالم؟ والنّور يشرق كلّ يوم على الخليقة كلّها ولا يملّ منه الكون لأنّه يتجدّد. – ثقافة الإنجيل. المسيحي المرتبط بالمسيح يعي جيّداً أنّ عليه أن ينشر ثقافة الفرح والتّشجيع والرّجاء، ولا يسمح لنفسه أن ينخرط ضمن المنظومة الإعلاميّة الّتي تساهم إلى حدّ بعيد في نشر العنف والحقد والخبث… فثقافة الإنجيل المتجلّية في احترام الكرامة الإنسانيّة ومحبّتها ومرافقتها إلى قلب الله، تفترض نشر المحبّة والفرح والطّمأنينة. واحترام الكرامة الإنسانيّة مفهوم واسع جدّاً، يبدأ من الاحترام بالفكر والقول، وصولاً إلى الاحترام الفعليّ والعمليّ. كما يخصّ هذا الاحترام الذّات أوّلاً، لأنّها عطيّة الله، فاحترامها اعتراف محبّة لله الّذي وهبنا الكرامة الإنسانيّة. واحترام الذّات يفترض بالتّالي، احترام شخص الآخر، دون السّعي إلى انتهاك كرامته على المستوى الفكري أو النّفسي أو الرّوحيّ. حين ينشر المسيحي مادّة إعلاميّة تظهر شرّ الإنسان وعنفه، يسهم، عن جهل وليس عن سوء نيّة، بانتهاك حرمة الكرامة الإنسانيّة. ذلك لأنّه بهذا الفعل يسيء إلى النّفس الإنسانيّة وإلى فكرها، ويسرّب إليها العنف لتتحوّل تدريجيّاً إلى وحش، بدل أن ينقل لها الفرح والرّجاء لتصبوَ إلى ملء قامة المسيح. بعضهم يبرّر هذا العمل على أنّه نقل للواقع الحقيقيّ، فنردّ ونقول، إنّ هذا الواقع الحقيقيّ يحتاج لمقاومة المحبّة والنّور وليس للدّعاية الإعلاميّة. ثقافة الإنجيل هي بشرى النّور والفرح وسلام الله. " هذه البشرى الّتي سمعناها منه ونحملها إليكم هي أنّ الله نور لا ظلام فيه." ( 1يوحنا 5:1). المسيحي ينقل فرح النّور ولا يتلهى بأمور العالم الهادفة إلى تدمير الكيان الإنساني فكريّاَ ونفسيّاً وروحيّاً. فإذا قلنا إنّنا تلاميذ ليسوع المسيح، نور العالم، ونسلك في الظّلام، فنحن كاذبون ( 1 يو 6:1)، وإذا قلنا أنّنا نسعى لإظهار الحقيقة بعيداً عن فكر يسوع المسيح فنحن مضلّلون، لأنّنا نسعى بحسب العالم لا بحسب محبّة المسيح ومنطقه. فلننشر الفرح والسّرور والبهجة، ولنشجّع بعضنا بعضنا على السّلوك في النّور، ولا نسمحنّ للعاطفة الطّفوليّة أن تستبيح عقولنا ونفوسنا. " وأتوسل إليه أن يقوّي بروحه على مقدار غنى مجده الإنسان الباطن فيكم، وأن يسكن المسيح في قلوبكم بالإيمان، حتّى إذا تأصّلتم ورسختم في المحبّة، أمكنكم في كلّ شيء أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وتعرفوا محبّة المسيح الّتي تفوق كل معرفة، فتمتلئوا بكلّ ما في الله من ملء. (أفسس19،18،17:3).