– " ها أنا أرسلكم مثل الخراف بين الذّئاب" ( متى 16:10). المسيحيّ شخص مُرسَل من قبل يسوع المسيح إلى العالم. أي أنّه مفوّض من المسيح بشكل شخصيّ للخروج إلى العالم وإعلان الفرح والسّلام والمحبّة. ما يعني أنّ كلّ مسيحي يترتّب عليه الانطلاق دوماً، مهما كانت الظّروف ومهما كان الواقع الّذي يعيشه. وكلّ مسيحي متقوقع ومنغلق على ذاته، يفتقد المعنى الأصيل للفكر المسيحي. بيد أنّ هذا الانطلاق يفترض بالدّرجة الأولى وعياً لما سيواجهه واقعيّاً. يقول الرّبّ: " ها أنا أرسلكم مثل الخراف بين الذّئاب". ما يعني أنّ الواقع المكانيّ والزّمنيّ محفوف بالمخاطر والصّعوبات. فالمسيحيّ المتّحد بيسوع المسيح، خليقة جديدة تتّسم بالتّواضع والوداعة والرّفق وطول الأناة، مرسَلٌ إلى وجار الذّئاب، أي بين من يرفضون الفرح والمحبّة والسّلام. الذّئب يهاجم الحظيرة ليفتك بالخراف في حين أنّها تعتقد أنّها بأمان. بيد أنّ الموضوع هنا يتّخذ الطّابع المعكوس، فيُطلب منّا الخروج من الحظيرة إلى الذّئاب. ولم يطلب السّيّد هذا الطّلب إلّا لأنّه يثق بمن يرسلهم. يثق بمستواهم الفكري والرّوحي، وبحسن انفتاحهم على الآخر، وبقلوبهم المفعمة بالمحبّة. ولكن، " كونوا حذرين كالحيّات، ودعاء كالحمام" ( متى 16:10). من حكمة الحيّة أن تخبّئ رأسها كي لا تُسحَق، وهذه الحكمة مطلوبة، كي لا نفهم من المسيح أنّه يريدنا سذّجاً لا يعون مدى الخطر الّذي يحيط بهم. لكن ينبغي أن ترافق هذه الحكمة بساطة القلب ووداعة الرّوح، ما يمنعنا من التّصرّف بردّات فعل، بل بتأنّ ولطافة، مستوعبين سلوكيّات البعض ومتفهّمين لهم. ليس المسيحي شخصاً متديّناً، أي مقولباً في نصّ تشريعيّ، بل هو كيان مرتبط بالمسيح، ينطلق في العالم حاملاً له الفرح والمحبّة والسّلام، آخذاً بعين الاعتبار أنّ دربه أبداً صعوداً نحو قلب الله. فيحمل معه الإنسان إلى فوق، حيث اكتمال الإنسانيّة. – " اذهبي ولا تخطئي بعد الآن". ( يو 11:8) عندما نتكلّم عن الإنسانيّة لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين مهمّين: الأوّل، امتلاكنا لعقل يفكّر وقلب يحبّ، والثّاني، إدراكنا ووعينا إلى أنّ عقلنا وقلبنا يستمدّان إنسانيّتهما العميقة من صورة الرّبّ ومثاله. وتتحقّق صورة الرّبّ فينا، عندما نسمو بإنسانيّتنا ونرتفع بها فوق الغرائزيّة والأنانيّة والشّغف بالحكم على الآخر وإدانته. وأعظم ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في رفعته وسموّه، هو النّظر إلى عمق إنسانيّة الآخر، وتفهّم أفعاله دون تبريرها، والعمل على تحسين الصّورة الإنسانيّة فيه، كي لا يغرق في شقائه. أنت مسيحيّ إذن انت إنسان. تفكّر ولا تدين، تتفهّم ولا تبرّر، تحبّ ولا تستهتر، وتتعلّم من مسيحك أنّ الإنسان في عينيّ الرّبّ مقدّس وينبغي أن تكونَ يد المسيح الّتي ستعيد له صورة الله الّتي شوّهها. تتحدّت الشّريعة اليهوديّة بالتّفصيل عن رجم الزّاني والزّانية في سفر تثنية الاشتراع، وتحدّد في الفصل 22 الآية 21: " يخرج شيوخ المدينة الفتاة إلى باب بيت أبيها. وهناك يرجمها جميع أهل مدينتها بالحجارة حتّى تموت، لأنّها ارتكبت حماقة في بني إسرائيل بفجورها في بيت أبيها. هكذا تزيلون الشّر من بينكم." إلّا أنّنا نرى يسوع المسيح في ( يوحنا 11،1:8)، لا يحكم على الزّانية بل يقول لها: " اذهبي ولا تخطئي بعد الآن". وهذا لا يعني قطعاً أنّ الرّبّ سمح بالزّنا!. بل هذا يعني أنّ من يبدّل الحالة الإنسانيّة وينقلها من الشّرّ إلى الخير، هو نظرة المحبّة وليس الشّريعة. فالشّريعة تحدّد قوانين وتقوم بتنفيذها، وأمّا نظرة المحبّة فتدفع الإنسان لأن يقيّم نفسه ويعيد النّظر في سلوكه فيتبدّل. من ملكَ ويملكُ أن يرجم بالحجر الأوّل يتوانى عن الحكم على الخاطئ ويحكم على الخطيئة، بل ويبذل نفسه حبّاً بالإنسان من أجل أن يقوده إلى الحرّيّة المطلقة. من السّهل جدّاً تطبيق الشّريعة والإسراع إلى التقاط أكبر حجر ورجم الآخر به. وأمّا الأصعب والأعظم هو الانحناء عليه والتقاط يده والسّير به نحو المسيح. فلننظر إلى الآخر بنظرات السّيّد ولنرحمه بقلبه ولنحبّه بعظمة محبّته، " فليس من عجيبة أكبر من حبّ الخاطىء في سقطته". ( القدّيس سلوان الآثوسي)