موسوعة(شعراء العربية ) م 4 ج1 بقلم د. فالح الحجية – العراق عنان جارية شاعرة مغنية اصلها من اليمامة وقيل هي من المدينةالمنورة نشأت هناك ولما شبت بيعت في بغداد فاشتراها رجل يقال له ( الناطفي) فنسبت اليه وكنيت عنان الناطفية . عاشت عنان الجارية في زمن المهدي ثم الرشيد فالمأمون في زمن قد كثير فيه الشعر حتى بين العوائل و لم يكن الشعر في العصر العباسي مقصورا على النساء الحرائر دون القيان انما هو خلجات نفسية والهام يشعر به الشاعر او الشاعرة فيترجم عواطفه وما في نفسه الى شعر وحسب ما فهمه فقد غص ذلك المجتمع بالكثير من الجواري اللاتي سكنّ القصور واستولين في كثير من الحالات على قلوب أصحاب القصور أنفسهم و كانت أساليب القيان التمكن من إعجاب مواليهن وما تمكنت هذه الجارية او تلك في وقت ما على ما تملكه الجارية من لباقة و حسن وجمال و إظهار أسباب الدلال ناهيك عما تمكنت فيه من عزف موسيقى بارع و حسن صوت شجي وغناء متقن ياخذ النفوس و يأسر الافئدة . الا ان الأمر تطور كثيرا بحيث أصبح اصحاب القيان والتجار الذين يتاجرون بهن يحرصون على أن يعدّوا جواريهم إعدادا ثقافيا و أدبيا فيدرسونهن اللغة وبلاغتها واساليبها .و يدربوهن على قول الشعر لمن يرونها اهل لمثل هذه الامور وعندها المقدرة على التعلم فنبغ من بينهن قينات شاعرات موهوبات و بعض منهن جمعهن إجادة الشعر وعذوبة الصوت و إتقان العزف وبراعة الضرب على الالات الموسيقية وحسن الأداء و بديهة حاضرة و نكتة سريعة اضافة الى الجمال الرائع الخلاب . وكانت عنان جارية حازت كل ما تقدم فشغلت الناس واستولت على قلوب الشعراء والامراء وحتى الخلفاء في قصورهم فقد تعلق الخليفة المامون بها ورغب فيها اذ كانت من اشهر الجواري في وقتها اية في الفصاحة والبلاغة وسرعة البديهة وحدة الخاطرة حيث كان الناطفي يجمع لها الشعراء في بيته فيتناشدون معها الشعر الجيد كأبي نؤاس وبشاربن برد ومروان بن ابي حفصة والعباس بن الاحنف وغيرهم كثير ولها من أصالة القول ما يجعلها تقول شعرا جزلا يمكنها أن تواجه به الفحول من الشعراء من غير ما تردد أو وجل، فقد هجت أبا نواس بأبيات موجعة سلكت فيها مذهب بشاربن برد تقول : مت متى شئت فقد ذكرتك في الشع ر وجرر أثواب ذيلك فخرا كانت بارعة الجمال وحسنة ما رآها أحد إلا أحبها ورغب فيها وكانت تحسن الغناء ببراعة وتجيده والألحان بحسن صوت يذهل الألباب ويخلب العقول . وقيل انها كانت مستهترة ومن ذلك قولها شعرا : خليليَّ ما للعاشقينَ (……) ولا لحبيبٍ لا ينالُ سرورُ فيا معشرَ العُشّاقِ ما أبغضَ الهوى إذا كان في ( …..) المحبِّ فتورُ ويذكر الشاعر رزين العروضي ( ابو زهير ) أنه دخل على عنان الناطفية فوجد عندها أعرابيا فقالت له: – يا عم جاء الله بك على حاجة . – فيقول لها: وماهي؟ -فقالت له : هذا الأعرابي يسألني أن أقول بيتا ليجيزه وقد تعسر علي الابتداء فابتدئ أنت علي بالقول فقال أبو زهير: لقد قل العزاء فعيل صبري غداة حمولهم للبين زمت فقال الأعرابي: نظرت إلى أواخرها ضحيا وقد رفعوا لها عصبا فرنت فقالت عنان: كتمت هواهم في الصدر مني على أن الدموع علي نمت فقال ابو زهير : فكانت عنان أشعرنا ولعل أطرف ما يروى عن براعة عنان في إجازه الشعر أنها كانت مرة تغني في مجلس للخليفة هارون الرشيد بأبيات جرير فتقول : إن الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينك مايزال معينا فطرب الرشيد طربا شديدا وقد أعجب بالأبيات وبالغناء فالتفت الرشيد إلى جلسائه قائلا: – هل منكم أحد يجيز هذه الأبيات بمثلهن وله هذه البدرة ويقصد بالبدرة صرة فيها دنانير فلم يوفق الجميع . فابتدرت عنان فقالت: هيجت بالقول الذي قد قلته داء بقلبي ما يزال كمينا وقد أينعت ثمراته في حينها وسقين من ماء الهوى فروينا كذب الذين تقولوا يا سيدي أن القلوب إذا هوين هوينا وقد مدحت عنان يحيى بن خالد البرمكي بقصيدة منها هذه الابيات حيث تقول: نفى النوم من عيني حوك القصائد وآمال نفس همها غير نافد إذا ما نفى عني الكرى طول ليلة تعوذت منها باسم يحيى بن خالد وزير أمير المؤمنين ومن له فعالان من حمد طريف وتالد من البرمكيين الذين وجوههم مصابيح يطفي نورها كل واقد وقيل كان أبو نواس الشاعرالمشهور قد شغف بها وقال فيها أشعارا تحير الأفكار وقيل انه في يوم من الأيام مرضت عنان مرضا شديدا منعها عن القيام ولم يعلم أبو نواس بمرضها فمرض لمرضها وامتنع من الخروج فدخل عليه بعض أصحابه يعودونه فوجدوا فيه خفة فجلس معهم فسألهم : – من أين أقبلتم ؟ – فقالوا :كنا عند عنان عدناها . – فقال أبو نواس : أو كانت عليلة ؟. قالوا : نعم وقد عوفيت . فقال : والله لقد أنكرت علتي هذه ولم أعرف لها سبباً غير أني توهمت وظننت أن ذلك لعلة نالت بعض من أحب ولقد وجدت في يومي هذا راحة ففرحت وقلت : عسى أن يكون عافاه الله قبلي ثم دعا بداوة فكتب إلى عنان هذه الابيات: . إنِّي حممتُ ، ولمْ أشعر بحمَّاك حتَّى تحدَّث عوَّادي بشكواكِ فقلتُ ما كانتْ الحمَّى لتطرقني من غيرِ ما سببٍ إلاَّ بحمَّاكِ وخصلة كنت فيها غيرُ متَّهم عافاني اللهُ منها حيت عافاكِ حتَّى إذا اتَّفقتْ تفسي ونفسكِ في هذا وذاكَ وفي هذا وفي ذاكِ وقيل اختلفت عنان الناطفي في يوم من الايام مع ابي نؤاس فكتبت اليه تقول : يا نواسيُّ يا نفايةَ خلقِ اللَ هِ قد نلتَ بي سناءً وفَخرا مُت إذا شئت قد ذكرتُك في الشع رِ وجرّر اذيالَ ثوبكَ كِبرا رُبَّ ذي خُلَّةٍ تنسَّمَ لِقط طِكَ سلحاً ونالَ عُرّاً وشَرّا ونديمٍ سقاكَ كأساً من الخم رِ فأفضَلتَ في الزجاجَةِ جعرا فإذا ما بَدَهتني فاتِّقِ اللَ هَ وعلِّق ودوني على فيكَ سِترا وإذا ما أرَدتَ أن تحمدَ اللَ هَ على ما أبلى وأولاكَ شكرا فليكن ذاكَ بالضمير وبالإيما ءِ لا تذكُرَنَّ ربّكَ جهرا لا تُسَبّح فما عليكَ جُناحٌ جعَلَ اللَه بينَ لَحييك دُبرا أنتَ تفسو إذا نَطَقتَ ومن سبَّحَ بالفَسوِ نال إثماً ووِزرا إن تأمَّلتَهُ فبومَةُ جُشٍّ وإذا ما شَمَمتَهُ كان صَقرا وقيل دخل مروان بن أبي حفصة الشاعر العباسي المعروف وهو ذو مكانة في بيت الناطفي وقد ضرب الناطفي جاريته عنان فلاحظ الشاعر دموعا تتحدر على صفحتي وجهها فقال: بكت عنان فجرى دمعها كالدر قد توبع في خيطه وإذ ا بها ترد عليه في الحال والعبرة تخنقها : فليت من يضربها ظالما تجف يمناه على سوطه ففزع مروان لهذه المعارضة القوية وابتدرها قائلا: – هي والله أشعر الجن والإنس . وقيل اعجب أحد المتأدبين بهذا البيت من الشعر: ومازال يبكي الحب حتى سمعته تنفس من أحشائه أو تكلما فوقع البيت من نفسه دون ان يعرف قائله فطلب من يجيزه فلم يجد أحدا فذهب إلى عنان فاشدها إياه فاجازته قائلة : ويبكي فأبكي رحمة لبكائه إذا ما بكى دمعا بكيت دما وقيل ان الخليفة المامون حاول شراءها من الناطفي ثم امسك عن ذلك الا انه اشتراها بعد موت الناطفي فجعلها في جملة جواريه في قصره . وقيل ان الشاعر العباس بن الأحنف الشاعر العباسي الكبير كان قد تعلق بها فؤاده فطارحها ذات يوم شعرا، أظهر فيه عشقه لها فأجابته قائلة: من تراه كان أغنى منك عن هذا الصدود لعل وصل لك مني فيه إرغام الحسود فاتخذ للهجر إن شئت فؤادا من حديد ما رأيناك على ما كنت تجني بجليد وقيل انها اجتمعت مع الشعراء في بيت صاحبها الناطفي وقد اجتمع عنده عدد من الشعراء فانشدت : مهلاً فدَيتُكَ مهلا عنانُ أحرى وأولى بأن تنالوا لديها أشهى الطعام وأحلى فإنَّ عندي حراماً من الشرابِ وحِلا لا تطمعوا في سوى ذا من البريَّةِ كلا كم أصدقوا بحياتي أجازَ حُكميَ أم لا وتقول في الناطفى بعد توفاه القدر: يا دهرُ أفنَيتَ القرونَ ولم تزَل حتّى رميتَ بسَهمِكَ النطّافا يا ناطِفيُّ وأنتَ عنّا نازحٌ ما كنتَ أوّلَ من دعوه فوافى وفي بغداد وبهجتها تقول : سَقياً لبغدادَ لا أرى بلداً يسكنه الساكنون يشبهُها أ َمنٌ وخَفضٌ فما كبَهجَتِها أرغدُ أرضٍ عيشاً وأرفهُها توفيت عنان الناطفية سنة \226 هجرية – 864 ميلادية وذكرها أبو علي القالي فقال في روايته : (عنان الشاعرة اليمامية كانت بارعة الأدب سريعة البديهة وكان فحول الشعراء يساجلونها فتنتصف منهم وأخبارها مدونة .) وفي المستطرف من أخبار النساء: أنها خرجت إلى مصر حين أعتقت وماتت هناك. وقيل في بعض الروايات انها توفيت بخراسان. ومن شعرها هذه القصيدة الرائعة : نفى النومُ من عَينَيَّ حوكُ القصائِدِ وآمالُ نفسٍ همُّها غيرُ نافِدِ إذا ما نفى عنّي الكرى طولُ ليلَةٍ تعَوَّدتُ منها باسم يحيى بن خالدِ وزيرِ أميرِ المؤمنينَ ومن لهُ فعالانِ من حمدٍ طريفٍ وتالدِ من البرمكيّين الذين وجوهُهُم مصابح يُطفي نورُها كلّ واقِدِ على وَجهِ يحيى غُرَّةٌ يُهتدى بها كما يَهتَدي ساري الدُجى بالفراقِدِ تعَوَّدَ إحساناً فأصلحَ فاسِداً وما زالَ يحيى مصلِحاً كلّ فاسِد وكانت رقابٌ من رجالٍ تعَطَّلَت فقَلَّدَها يحيى كرامَ القلائِد على كُلِّ حيٍّ من أياديهِ نعمَةٌ وآثارهُ محمودَةٌ في المشاهِد حياضُكَ في المعروفِ للناسِ جمَّةٌ فمِن صادرٍ عنها وآخر واردِ وفِعلُكَ محمودٌ وكَفُّكَ رحمَةٌ ر ووجَهُكَ نورٌ ضوؤهُ غيرُ خامِدِ بَلَغتَ الذي لا يَبلُغُ الناسُ مِثلَهُ فأنتَ مكانَ الكَفِّ من كلِّ ساعدِ فيا ربِّ زدهُ نِعمَةً وكرامةً على غيظِ أعداءِ وإرغامِ جاحِدِ مَنَنتَ على أُختيَّ منكَ بنِعمَةٍ صفَت لهما عذابُ المواردِ فمن لي بما أَنعَمتَ منك عليهما وقاكَ إلهُ الناسِ كيدَ المكايدِ امير البيان العربي د. فالح نصيف الحجية الكيلاني