أقرت جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أن "الاختفاء القسري" هو جريمة ضد الإنسانية وأن ممارسته تعتبر خرق لسيادة القانون والدستور, إلا أنه في مصر يظل دائما الوضع مختلف حيث أن مسلسل"الاختفاء القسري" هو عرض مستمر في الشوارع المصرية ولا يوقفه أية قانون دولي أو إنساني, و قد زادت حالات الإخفاء القسرى في الفترة الماضية منذ أول أبريل حتي يونيو 2015, حيث أن معظم الحالات المختطفة وجهت لها اتهامات بالانضمام لحركة 6 إبريل والدعوة إلى الإضراب وتكدير السلم العام, ومنذ ذلك الحين بدأ نزيف الاختفاء القسرى للمواطنين ولم يقف حتى هذه اللحظة, وكما نرى في الوقائع اليومية للاختفاء القسري في مصر فلم يسلم منه الشاب أو كبير السن أو المرأة أو الطفل أو حتى ذوى الاحتياجات الخاصة. وطبقا لما صرحت به حملة "الحرية للجدعان" تم توثيق حالات "الإخفاء القسري والاحتجاز دون تحقيق" في مصر منذ أبريل 2015, والتى بلغت 163 حالة تمت في 22 محافظة وتم تصنيفهم إلى 66 حالة "إخفاء قسري مستمرة"، و31 حالة "إخفاء قسري – بدون متابعة"، و64 حالة "إخفاء قسري منتهية"، بالإضافة إلى حالتين وفاة "إسلام عطيتو" الذى سيق من لجنة امتحانه في كلية الهندسة جامعة عين شمس إلى مصيره المجهول ليلقى حتفه في اليوم التالى و"صبري الغول" فى مدينة العريش, ومازال العدد فى زيادة مستمرة, وقد أوضحت الحملة أن رصد وتوثيق حالات "الإخفاء القسري والاحتجاز بدون تحقيق" قد تم بناءا على إما متابعة الحملة بشكل مباشر أو على بيانات الجهات الحقوقية أخرى أو على بلاغات ذوي الضحايا أو معارفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كحالة " اسراء الطويل " التى أخذت من منزلها فى 1 يونيو الماضى على يد أفراد من الداخلية في زي مدني و لم يستدل على مكانها إلا بالصدفة عندما شاهدتها صديقة لها فى سجن القناطر رغم إنكار الداخلية لاختطافها, في حين أن ظهور اسراء الطويل الأول كان أمام نيابة أمن الدولة العليا وتم أتهامها ببث أخبار كاذبة عن الأوضاع فى البلاد وإرسال صور لجهات تتعامل معها خارج البلاد وتم حبسها 15 يوما على ذمة التحقيقات المتهمة فيها بالانتماء لجماعة محظورة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور والغرض منها تعطيل مؤسسات الدولة والجدير بالذكر أن " اسراء " عاجزة عن المشي نتيجة إصابتها أثناء أحد المظاهرات السابقة, إلا أن ذلك لم يردع الحكومة عن اختطافها وإخفائها قسريا. وها نحن نجد أن قضية الاختفاء القسري تزداد يوما بعد يوم في شوارع المحروسة وتشمل معظم محافظاتها بدون أى وجه حق, ولا يقتصر الأمر فقط على اختطاف الأشخاص وعدم معرفة أماكن اختفائهم بل يتعرض الضحايا إلى أبشع الانتهاكات النفسية والجسدية ويمكن أن تصل إلى فقدان الشخص حياته كلها. في تقريره بعنوان "الاختفاء القسري .. مصر على خطي الأنظمة الشمولية" يوضح هردو لدعم التعبير الرقمي تأثير الاختفاء القسري على الضحايا وأقاربهم وعلى المجتمع ككل, حيث يتعرض الضحايا للتعذيب وشتى أنواع العنف, كما تعانى أسرهم من الأزمات النفسية لاختفاء ذويهم وعدم الحصول على أية معلومات تفيد أماكنهم وأيضا الأزمات المادية إذا كان الضحية هو العائل الرئيسي لأسرته, ويشرح لنا أن الاختفاء القسري يحرم الشخص من كافة حقوقه المدنية والسياسية ومنها حقه في الحرية والتعليم والصحة وتصل إلى حرمانه من حقه في الاعتراف بشخصيته القانونية وهويته أو حتى الحق في الحماية القانونية التي يكفلها لهم الدستور. ويعرض التقرير المواد 54 , 55 , 58 , 99 من الدستور والتي توضح أن حرية الفرد وكرامته يجب أن تكون محفوظة ويجب على الدولة حمايتها وليس من حق الدولة الاعتداء على حرية الأشخاص وتعذيبهم وحتى إذا تم القبض عليهم فيجب أن تتم معاملتهم بطريقة آدمية تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم. ثم ينتقل إلى المواثيق الدولية ويعرض الاتفاقية الدولية وإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسرى وجميعها تنص أيضا على تجريم الاختفاء القسرى تحت أى ظرف ولا يوجد أبدا أي مبرر للاعتداء على الأشخاص وإفقادهم حريتهم, كما تقر بحق كل فرد في التمتع بالحماية القانونية والمحاكمة العادلة وحقه في المطالبة بالتعويض المناسب له ولأسرته حال تعرض إلى جريمة الاختفاء القسري من أجهزة الدولة. كما يتناول التقرير أسماء الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء القسري التي تم حصرها وأعمارهم وظروف اختفاء كل منهم وفي أي محافظة, وفي نظرة تحليلية يوضح أن لجوء الدولة إلى ممارسة الاختفاء القسري هو غطاء لعجز أجهزتها عن القيام بالعمل المنوط به لذا فهي تلجأ إلى القمع والتعسف, وأن مصر في ذلك سلكت المسار الذي سلكته إيران وكوريا الشمالية في تحقيق الاستقرار على حساب كرامة المواطنين وسيادة القانون وهو الشئ غير المبرر على الإطلاق, حيث أنه لا سبيل لتحقيق تنمية سياسية واقتصادية إلا في ظل نموذج ديموقراطي واحترام لحرية المواطنين وسيادة القانون. وفي ختام التقرير يناشد مركز هردو لدعم التعبير الرقمي أجهزة الدولة بالإفراج عن جميع المختفين قسريا وتوفير الحماية القانونية لهم والوقف الفوري لهذه السياسة القمعية والالتزام بالاتفاقيات الدولية وأحكام الدستور.