بقلم : بهيجة البقالي القاسمي جاءني اعتراف حسن بيريش في منامي، مباشرة قبل الشروع في كتابة هذه الحروف. حملني إلى صورة تلميذ في المستوى الثالث إبتدائي رافعاً سبابته صوب مدير مدرسة " الحسن الأول " بطنجة، مردداً بعد طرده : " أنا حرف لم يُكتب خطأ " . حسن بيريش إبن حي بنيدير في المدينة العتيقة لطنجة، يعترف أنه لم يُظلم. لأنه كان متمرداً، مشاكساً، يرفض الخضوع لإطار اعتيادي، روتيني و مقنن. و كم كان رائعاً أن نكسب مبدعاً عوض رجل حاصل على شهادة مصيره الصدأ بين مكاتب الوظيفة !! تعرفت إلى حسن بيريش، الإنسان قبل المبدع، في مدرسة الصنائع و الفنون بتطوان سنة 2011. بدا لي رفيع المستوى الثقافي. أنيق السلوك الإنساني. فريداً و متميزاً في صفاته السامقة. كنت أومن أن الشواهد و المؤهلات الدراسية هي كل شيء. و حين أسرَّ لي - ذات مفاجأة هزتني من الأعماق – أنه من مطرودي المدارس و مستواه لا يتعدى الثالث إبتدائي، تضاعف إنبهاري به، و بدا أمام ناظري نموذجاً فذاً للعصامية المبهرة .علماً أنني كنت أعد أطروحة باللغة الفرنسية حول الإنسان و التنمية الذاتية. ومن ذاك الإعتراف، أدركت عظمة إنسان مجسدة في حسن بيريش، و تزايد اهتمامي العلمي و الإنساني بقراءة و دراسة شخصية هذا المبدع المكتمل. و قد علمت أن باحثة من تطوان تعد عن حسن بيريش أطروحة دكتوراة حول حياته و كتاباته. يتميز حسن بيريش بأسلوب آسر، بهي، يشد الإنتباه . أقرأ كتاباته و أعثر فيها على إغراء و جاذبية و متعة. كلما كتب أجدني مأخوذة إلى حروفه الوهاجة ، فأقرأ حبره وكأني أتناول حلوياتي اللذيذة . !! لغته متينة جداً . محلقة في سماوات الإبداع. يبلغ ضفاف الدقة في المعنى بشكل أخاذ. بلاغة حرفه تطرب لها الروح قبل العين. الفكرة العادية البسيطة، تتحول بين يراعه إلى كتابة تنتمي إلى صنف الروائع. مبدع هو حسن بيريش حدَّ أقاصي الإبداع. حسن بيريش في جانبه الإنساني، هو نموذج للمثابرة و التحدي و السموق. يرى في الآخرين أجمل ما فيهم. حتى في عزِّ محنه ، و كم هي كثيرة ، يتبدى صبوراً ، متفائلا بالحياة و الناس، يفيض مرحاً و ألقا و ابتساماً. ذكاؤه خارق للعادة. في لحظة واحدة يمدك بأفكار و مقترحات مدهشة. أرجع ذلك إلى دهائه الثقافي. فهو حقق إنجازات هائلة في وقت وجيز. لأنه يتمتع بخاصيتين رفيعتين ونادرتين: - ذكاء غير عادي. - بصيرة نفاذة. الصحافيون السياسيون عادة ما يكون الجفاف في المشاعر صفة عالقة بكتاباتهم. غير أن حسن بيريش غير ذلك. دوما نجد عنده و فيه ذاك الأريج الذي يحببنا فيه. مِن هذا الرجل / المبدع المتوهج ، حسن بيريش، تعلمت الكثير من القيم و الشمائل. أنا أعتبره قدوة لي. بل هو – بالنسبة لي – مدرسةٌ في الكتابة و الحياة. و من أراد أن يحقق نجاحاً عليه أن يسعى إلى تقليد حسن بيريش، و إن كان ذلك ليس يسيراً. لأن هذا الرجل مثال نادر جداً بين الرجال. لو كان حسن بيريش يعيش في دولة أخرى لوضعوا تمثالا له تكريماً لعصاميته النادرة و كتابته المبدعة. وجهان رائعان من الأوجه المتعددة لحسن بيريش يراهما من يعايشه عن قرب. هما: - الوجه الأول: إيمانه بالحب. - الوجه الثاني : تقديره للمرأة. 1- الحب هو كل شيء في حياة حسن بيريش. إنه يمنحه للجميع. و به يرفع معناويات الجميع. و يهبه شروقا لكل من صدمته العتمة في الحياة. إنه يكتب بأحاسيس الحب. و يتعامل مع الآخرين بنفس الأحاسيس الوردية العاطرة. حسن بيريش يحب الجمال في كل شيء. بل هو الجمال نفسه لمن يعرفه جيداً. هذه الخصال تبدو واضحة في قصيدته الرائعة: " هي ما سواها "، التي لحنها و غناها المطرب و الملحن القدير مصطفى مزواق . وهذا مقطع منها : هي ما سواها أيقظت سبات قلبي و زرعتُ في حَبَقها هوايا كلّما غزاني نسيمها ترتعد الروحُ مني و تبوح بالشوق يدايا آهة الحب انكوى بها لساني و ارتعشت شفتايا 2- المرأة مقدرة عند حسن بيريش كل التقدير . إنه يحترم كيانها في كتاباته و في حياته الشخصية معاً دون أي فوارق.مصداقاً لقول الرسول (ص) : " ما أكرمهن إلا كريم و ما أهانهن إلا لئيم " و لعل معاملاته لصديقاته – و أغلب أصدقائه نساء – تعتبر نموذجاً للتميز و الرجولة و عظمة النفس. و ها هو كتابه الرائع " في حضرة البهاء / بورتريهات بحبر الأنوثة " دليل ملموس على مكانة المرأة في كتاباته و حياته. نحن هنا اليوم لنحتفيَ بكتابٍ نسيجٍ وحده يُمثل عصارة قلمِ حسن بيريش على مدى عشرين عاماً. و حين ستطالعون هذا الكتاب/التحفة الأدبية ستعرفون من هو حسن بيريش الحرف الذي لم يُكتب خطأ.